نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

١٩ يناير ٢٠٢٢ 

مقال الاسبوع- الاستراتيجية الصناعية 2022-2026 تمثل خطوة هامة في طريق التنمية والتنويع الاقتصادي نجاحها سوف يعتمد على قدرة الحكومة على قيادة العملية والتكامل الخليجي. الاهداف التي وضعت عامة وتتحقق في سبع سنوات ومساهمتها في معالجة البطالة محدودة. نجاحها سيعتمد على تغيير الفكر والنهج في التعليم والتقدم العلمي والمعرفي والانفتاح في توفير المعلومات.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1282079

في مقال سابق (اخبار الخليج 8 ديسمبر 2021) تحدثنا عن المؤتمر العالمي للصناعة والتصنيع الذي اقيم في دبي ديسمبر الماضي. تم خلاله لقاء تشاوري بين وزراء الصناعة الخليجيين “لجنة التعاون الصناعي”، قررت وضع استراتيجية جديدة للتصنيع، وطرحنا عدد من التساؤلات حول مستقبل الصناعة في الخليج وتطلعات المجتمعات الخليجية. في هذا السياق سوف ننظر الى الاستراتيجية الصناعية التي اعلنتها وزارة الصناعة والى اي حد تجيب عن التساؤلات وماهي النتائج المرجوة منها ومدى تحقيقها لتطلعات المجتمع. وما مدى تكاملها مع القطاع الصناعي الخليجي، وكيف ستتغلب على الصعوبات التي عادة ما تصاحب تنفيذ اي استراتيجية؟

بدأت البحرين باقامة صناعة الالمنيوم والبرتوكيماويات وتفرعت منهما صناعات تحويلية وسيطة مثل جرامكو وبلكسكو وبناغاز في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لكن توقفت هذه الحركة. وفي بدايات الالفية الثالثة حين بدأ النفط يواجه مشاكل وضعت استراتيجية صناعية ضمن استراتيجية الحكومة في 2009 وفي 2014. مقارنة بذلك تبدو استراتيجية (2022-2026) شاملة وطموحة في بعض جوانبها. اولا يظهر ان نجاحها سوف يعتمد على عدد من الفاعلين مثل وزارة الصناعة نفسها، وتمكين ووزارة التعليم والمواصلات والاشغال، وتتطلب ان تقوم هذه الوزارات بمراجعة استراتيجيتها وقدر كبير من التنسيق والتعاون بينها وبالذات التعليم والتدريب والتشريع. اما اقليميا فانها سوف تعتمد على التقدم في التكامل الخليجي واولويات الدول الاخرى والامتيازات التي تقدمها البحرين.

في ضوء ذلك عرض سعادة الوزير الاستراتيجية الصناعية (2022-2026) المكونة من خمس محاور: تعزيز الصناعات الوطنية؛ الاستثمار في البنية التحتية؛ تحسين تجربة المستثمرين؛ توجيه البحرينيين مهنيا؛ وتحديث القوانين والتشريعات. تهدف الاستراتيجية الى تحقيق ثلاثة اهداف اقتصادية كلية: 1) رفع نسبة البحرنة في قطاع الصناعة من 59.2 الف عامل في 2019 لتصل الى 65.3 الف؛ 2) رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الاجمالي من 1.865 مليار دينار في 2019 الى 2.544 مليار في 2026؛ 3) ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الصادرات الوطنية من 2.168 مليار دينار في 2019 الى 2.475 دينار في 2026.

وهنا يتبادر السؤال التالي : لماذا تُستخدم 2019 سنة القاعدة لوضع الاهداف، وما مقدار هذه الاهداف في 2021؟ بالنسبة للاهداف فانها هامة تتعلق بقضية فرص العمل والتنويع والتنمية. بالنسبة للزيادة في مستوى العمالة البحرينية فالارقام تمثل زيادة بنسبة (10.6% تقريبا) على مدى سبع سنوات، اي 1.47% سنويا. هذه اقل من زيادة عدد السكان وبالتالي سيكون تاثيرها في مستوى البطالة محدود مالم تساهم قطاعات اخرى في رفد سوق العمل بخلق فرص اضافية وبنسب اكبر، ومن هنا تاتي اهمية التنسيق والتعاون بين الوزارات وبشكل خاص وزاراة المالية والاقتصاد الوطني ومجلس التنمية.

الزيادة في المساهمة في الناتج المحلي (الهدف الثاني) على مدى السبع سنوات هي 5.2% سنويا وهذه زيادة جيدة اذا سيطرنا على التضخم دون هذا المستوى. اما بالنسبة للمساهمة في الصادرات (الهدف الثالث) فستكون 2% سنويا،  زيادة ليست طموحة بما يكفي، وتاثيرها سوف يعتمد على مستوى الزيادة في الواردات. في اقتصاد يحاول ان يعتمد على الصناعة نرى ان هذه الزيادة قد لا تكفي للمعادلة مع الزيادة في الواردات مما يحتاج الى زيادة التوضح لحيثيات وضع الاهداف.

اثارت الاستراتيجية توقعات لدى القطاع الخاص منها ان الاستراتيجية سوف تسهم في فتح افاق وفرص استمثارية توفرها المناطق الصناعية من جهة والارتباط بالمشاريع الكبرى في الخليج من جهة اخرى. ويتطلع القطاع الخاص كذلك الى مشاركة فاعلة من الحكومة حيث يتوقع مجتمع الاعمال من الحكومة قيادة عملية اقامة الصناعات الكبرى في الجزر الصناعية وتعاون جميع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة لتحفيز القطاع الصناعي.

هناك شروط اخرى يراها القطاع الخاص ضرورية لنجاح الاستراتيجية اهمها اولا توفر عناصر بشرية بكفاءة عالية يتمتعون بجدية في العمل. تعاملت الاستراتيجية مع هذا الشرط من خلال المحور الرابع ” توجيه البحرينيين مهنيا”. هذا يفرض تغيرات في منظومة التعليم والتدريب ليس فقط من حيث تطوير مفاهيم التعليم والمناهج لتواكب متطلبات القرن الواحد والعشرين والثورة الصناعية الرابعة، والتي كثيرا ما كتب حولها، ولكن كذلك تغيير في رؤية الخريجيين للعمل والقيم التي يحملونها لتمكنهم من المنافسة في سوق العمل. ثانيا القدرة على فتح آفاق الاستثمار الاجنبي والمحلي في الصناعة وما يتطلبه من رفع القدرة على استيعاب التكنولوجيا المتقدمة المصاحبة للصناعة. وهذا يعنى قدرات تكنولوجية ومراكز بحثية قادرة على استيعاب المعرفة.

ثالثا القدرة على مواكبة الرقمنة والثورة الصناعية الرابعة وما يحتاجه من الانفتاح على الحلول غير التقليدية والانفتاح الفكري الرافض للحلول المعلبة والقدرة على الابداع والابتكار. يقتضي ذلك تقوية منظومة الابتكار والريادة كما اكدت الاستراتيجية. التحدي في خلق مثل هذه المنظومات كذلك يضع مسئولية على التعليم في احداث تحول فكري يعتمد العقلانية واحترام نتائج العقل ونبذ التصلب والتعصب الفكري الذي يسود في بعض الاوساط. رابعا مرحلة التنفيذ لاي استراتيجية هي مرحلة شائكة تعتمد على توفر عناصر اهمها فهم الاستراتيجية من قبل المستويات الادارية المختلفة ووضع منهجية تبدأ بوضع خارطة استراتيجية تُترجِم الاستراتيجية للمستويات القيادية والادارية المختلفة وتوضح العلاقات السببية بين الاهداف والمبادرا والنتائج ووضع اهداف فرعية ومبادرات، ومراعات عوامل النجاح في كل مستوى واشتقاق مؤشرات اداء منها. خامسا اشارت الاستراتيجية الى اهمية التقدم في التكامل الخليجي. فقد ورد في المحور الخامس الحاجة الى تعديلات عبر تشريعات خليجية موحدة. لكن اذا اعتبرنا ان نجاحنا يعتمد على مدى اندماجنا في سلسلة الامداد الخليجية، ينبغي ان يتجاوز التكامل الاطار التشريعي الى مشاركة في مشاريع كبرى وفتح المجال لدول الخليج للدخول في سلاسل الامداد الخليجية وخصوصا الصناعية منها. اي ايجاد قدرات صناعية وسيطة في دول الخليج (ومنها البحرين) تغذي المشاريع الصناعية الكبرى التي تقام في السعودية والامارات وغيرها، مما يرفع اهمية التنسيق الصناعي والتكامل الخليجي.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *