نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. قمة مجلس التعاون .. معادلة الأمن والتنمية البشرية

  تاريخ النشر :19 ديسمبر ٢٠١٢ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

حظيت هذه القمة الخليجية باهتمام جماهيري بالغ نظرا إلى ما أحاطها من أمور تتعلق بأمن المنطقة وبالأوضاع السائدة في العالم العربي وتطورات الوضع المصري والسوري. كذلك بروز تكهنات سابقة حول مسيرة التعاون وانتقالها إلى حالة الاتحاد بحسب رغبة خادم الحرمين الملك عبدالله. غير ان الأمور سرعان ما اتضحت بأن هذا التوجه من جلالته لا يشاركه فيه البعض، علنا كان ام تلميحا. لكن الأهم في الأمر انه وللمرة الأولى في تاريخ مجلس التعاون تخرج تباينات وجهات النظر من القادة بهذا الوضوح والعلنية. وفي ذلك تطور، يفتح مجال الحوار الجاد حول القضايا واشراك المجتمعات في تحديدها.
ان تقوية دول المجلس امر حتمي ولكن يجب ألا تكون في اعتمادنا على توريد مزيد من الأسلحة المشروطة، بل في إصلاحات تنموية وإصلاحات سياسية تتمثل في إرادة سياسية بجعل المنطقة قاطرة عربية نحو القرن الحادي والعشرين. عندها لا يهم ان اختلفت دول المجلس في تقدير بعض القضايا السياسية مادامت الأخطار تتم مناقشتها في العلن، ويُتخذ بشأنها ما تراه المجالس المنتخبة والحكومات التي تمثل الإرادات الشعبية والخاضعة للمساءلة المجتمعية، ومن خلال الحوار والتداول للتوصل إلى حلول تمثل غالبية المجتمع، وليس قرارات فردية سرعان ما تتبخر عند أدنى خلاف شخصي بين الحكام.
الرؤية العمانية لا ترفض الاتحاد كما يتضح من تصريحات مسؤوليها ولكنها ترى ان أسس هذا الاتحاد لا يجب ان تقوم على ردات فعل على أوضاع إقليمية لا تنظر إليها قادة المنطقة بنفس المنظار وقد تتغير في المستقبل. كذلك يظهر ان الرأي العماني يفضل ان يكون التعاون مستمرا لتحقيق أهداف تنموية اقتصادية وضعها المجلس في بداية تشكيله ومازال عاجزا عن تحقيقها مثل الاتفاقية الاقتصادية. وترى ان تصل إلى مرحلة الاتحاد بعد ان تنضج التجربة وتشارك الشعوب في صنع القرار. هذا الاختلاف للأسف اظهر عدم قدرتنا على التعامل مع تباينات الآراء والدخول في حوار حول أفضل السبل لتحقيق الاتحاد الذي يتمناه الجميع.
الآن وبعد ان مرت الأمة العربية بتحولات كبيرة وجوهرية في وعيها السياسي كيف سيرتقي مجلس التعاون إلى هذه التحديات الجديدة وكيف ستختلف تناوله لقضايا الأمة وهل سيكون هناك إعادة صياغة للأهداف والتطلعات والعلاقات السياسية بين المجتمع والدولة والمواطن؟ لم تتطرق القمة إلى هذه التحولات ولم تذكر تأثيرها على شعوب ودول المنطقة.
من إيجابيات القمة انه وللمرة الأولى يشمل البيان الختامي التطرق إلى قضية التنمية البشرية ووضعها في جدول أعماله وخصص لها لجنة تصوغ سياساتها. ماذا ستشمل هذه السياسات؟هل سيتمكن المجلس من الاتفاق على مفهوم التنمية البشرية المستدامة كما هو مُعرَّف في الأمم المتحدة؟ هل سيتمسك بمفهوم يشمل الحرية والعدالة والمساواة والمشاركة لمواطني مجلس التعاون؟
من الإيجابيات الأخرى الواردة في البيان نذكر تَطرُقه إلى استراتيجية شبابية، هل ستشمل اشراك الشباب في القرارات لصنع مستقبله؟ لن يكون مجلس التعاون قويا في غياب الإرادة الشبابية الشعبية التنفيذية والنيابية. الجميع يؤمن بان الأمن والاستقرار هما قاعدة أساسية لنمو المجتمعات وتماسك الدول ولكن السؤال هو كيفية تحقيق هذا الهدف. الجمود على علاقات بين المجتمع والدولة والفرد تجاوزها الزمن لن يحقق للخليج الأمن المنشود. لا بد من إصلاح البيت الخليجي من الداخل، وهذا ما توصلت إليه الدول العربية في مؤتمر أقيم في عمّان وأوصت به في عام 2009 قبل ان تندلع الأحداث في العالم العربي. والآن العودة إلى الجانب الأمني والهاجس الأهم بالنسبة إلى مجلس التعاون وكذلك لمعظم المواطنين.
التطورات الإقليمية المتسارعة تسير اليوم وفق أجندات ومشاريع ليس لنا قرار فيها. مطالبة الغرب بتقديم ضمانات يقوم على افتراض ان الغرب سيكون صادقا معنا ومصالحه ستبقى مرتبطة بأمننا.
كما ان شراء التسليح والدروع الصاروخية من الغرب وارتهان امن الخليج لمثل هذه القوى فيه تقصير كبير تجاه امن المجتمعات؛ والقول إن الاتحاد في حد ذاته سوف يحقق الأمن للمنطقة كذلك ينطوي على افتراضات تقوم على إمكانية التزود بالسلاح من الخارج وفرضية استمرار تدفق النفط وقدرة الدول الخليجية على توفير احدث الأسلحة بالمال. هل هذه الفرضيات تصمد للاختبار العقلاني الحيادي؟ وبالتالي فإن مطالبة الدول بعدم التدخل في شئوننا الداخلية تبقى مطالبات غير مسنودة بقوة تمنع مثل هذه التدخلات وتعتمد فقط على حسن النوايا؟
إن عدم صمود هذه الفرضيات يترك لدول مجلس التعاون خيارا واحدا فقط على المدى البعيد وهو الاعتماد على الذات في تأمين المنطقة ليس عسكريا فقط وانما تأمينها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. هذا الخيار هو السير بجدية في إصلاحات سياسية تقوم على مبادئ التنمية البشرية التي تجعل الإنسان غاية التنمية ووسيلتها، ووضع منظومات حقوقية وقضائية ورقابية تحارب الفساد بكل أشكاله. كذلك لا بد من الاهتمام بإصلاح التعليم وبناء منظومات علمية وصناعية تخرجنا من الارتهان إلى النفط كخيار وحيد. إن المسؤولية التاريخية تقع على عاتق الحكام في تحرير القدرات الإبداعية والابتكارية لشباب المنطقة من خلال إصلاحات سياسية تعزز حرية الفكر والتعبير وتخلق مناخا مناسبا للتقدم العلمي.
العلاقات بين الدول تفرضها المصالح (كما ورد في خطاب وزير شئون الخارجية السعودي)، وتشابك المصالح في المنطقة هو الضمان الوحيد لأمن المنطقة، ويتم ذلك من خلال تعزيز المصالح الاقتصادية . من هنا نرى أن التركيز على التنمية البشرية في هذا البيان الختامي، إذا ما توجه بشكل صحيح سوف يؤدي حتما إلى بناء قاعدة صناعية وعلمية تستفيد من الأسواق المجاورة، وكذلك استفادتهم من السوق والإمكانيات الخليجية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *