نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي –

الأربعاء ١٤ يوليو ٢٠٢١

مقال الاسبوع – اداء الحكومة بطبيعته يؤثر في المجتمع من جميع النواحي وليس الاقتصادي فقط. لذلك فان منظومة قياس اداء الحكومة يجب ان تعكس هذه الشمولية في التاثير. لا يكفي ان تنشر الحكومة معدل نمو الناتج المحلي بين فترة واخرى. المجتمع يريد ان يعرف مستوى المعيشة وكيف تتطور، جودة الحياة وكيف تتقدم، مستوى الفقر واتجاهه، والثروة وكيف توزع. المجتمع يريد ان يشعر بنجاح الحكومة في ذلك.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1258485

في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء (5 يوليو 2021) تمت مناقشة قضية مهمة تتعلق ب”متابعة اداء الجهات الحكومية في ثلاثة انظمة لتحقيق مستوى اعلى من الكفاءة والانتاجية من اجل جودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين ودعم النشاط الاقتصادي والاستثماري”. استعرض المجلس بعض جوانب الاداء من حيث اعداد المعاملات التي تم انجازها والمدد الزمنية لذلك. هذه خطوة هامة لتحسين الاداء الاداري وتطويره.

حرصا على تطوير الاداء الاداري اتفق ديوان الخدمة المدنية في 2016 مع مؤسسة استشارية “لتنفيذ مشروع الاداء المؤسسي” (اخبار الخليج 21 اغسطس 2016). وفي الملتقى الحكومي في 2019 قدم سمو ولي العهد عرضا لمؤشرات الاداء المتعلقة بالجانب الاقتصادي مثل زيادة الايرادات غير النفطية بنسبة 47% وارتفاع حجم الصادرات بنسبة 46.7%، وانخفاض المصروفات الادارية بنسبة 14% وانخفاض مستوى العجز بنسبة 38%. ومن الارقام المشجعة كان ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بنسبة 50% (في الفترة 2008-2018). تزامن ذلك مع الانتهاء من اعادة هيكلة نصف الهيئات الحكومية لتطوير اداءها وكفاءتها.

تؤكد الجهود المبذولة في رصد اداء الحكومة وجود قناعة بضرورة قياس الاداء على مستوى الحكومة والوزارات والهيئات بحيث تتدرج (cascading) الاهداف والمؤشرات من الاعلى الى الاسفل لخدمة اهداف “مسيرة التنمية الشاملة”. ساهم ذلك في تحسين كفاءة العمل الاداري وانجاز الوزارات وتقصير مدده. اليوم وفي ظل التحديات المالية وضغط المنافسة العالمية فاننا بحاجة الى منظومة قياس تكون اكثر شمولية تطال جانب الفعالية في عمل الحكومة وتبين انعكاس هذه الجهد على حياة المواطنين من جهة، وعلى الحياة الاجتماعية وعلى البيئة الطبيعية وصحة المواطن من حهة ثانية.

فمثلا تقوم الحكومة بجهود كبيرة في دفع التنويع الاقتصادي وتشجيع الابتكار والتعليم والبحث العلمي وغيرها. لذلك هناك حاجة لتحديد مدى تاثير ذلك على الاداء الاقتصادي بشكل عام، وعلى تحسين مستويات المعيشة، والعلاقة بينها وبين ما يتم من مشاريع وبرامج. اي ان هناك حاجة الى منظومة قياس تتدرج من المستوى الاستراتيجي، التي تحدد اهداف الحكومة الكبرى والتي اشار لها سمو ولي العهد بان “مملكة البحرين مستمرة في تقديم الخدمة الحكومية بجودة عالية وتميز وذلك من خلال نشر ثقافة الابتكار والتحفيز عليه في القطاع الحكومي وتعزيز تنافسيته بما يحقق التطلعات المنشودة ويدفع بعجلة التنمية الاقتصادية”، ومنها الى اهداف على مستوى ادنى تعبر عن تطلعات مختلف فعاليات المجتمع. لا شك انه تم تحليل هذه التطلعات الى خطط وبرامج ووضعت لها منظومة مؤشرات اداء بشكل منهجي ومنظم تتفرع من الاعلى (مستوى الحكومة) الى الوزارات والهيئات والمنظمات تساهم في تناغم القرارات.

هذا التوجه يقوم على تعريف للتنمية يتناسب مع ما وصلت اليه البحرين من تقدم، بحيث يتسع ليشمل، بالاضافة الى مؤشر النمو الاقتصادي، الازدهار الاجتماعي وشموليته بما فيه النواحي المؤثرة على حياة المواطن المباشرة مثل مستوى المعيشة والامن والضمان الاجتماعي والبيئة وغيرها. فمنذ الازمة المالية العالمية في 2008 اتضح لدى عدد من الدول ان مؤشر النمو الاقتصادي والمؤشرات المرتبطة به لم تعد كافية لقياس مستوى التقدم والازدهار الاجتماعي. بل تُظهر المؤشرات هذه تضارب بين النمو الاقتصادي والامن الاجتماعي، وتوحي بان الانفاق على الرعاية الاجتماعية تكون على حساب التقدم الاقتصادي. وكما تقول ادبيات قياس الاداء “نحن نهتم بما نقيس”. فما هي المؤشرات التي ينبغي ان نهتم بها على مستوى الحكومة وعلى مستوى السلطة التشريعية؟

مشكلة الاهتمام المفرط بمؤشر الناتج المحلي اصبحت قضية عالمية. كثير من الدول بدأت تركز اكثر على مؤشرات اجتماعية وبيئية. يقول جوزيف ستجلتس (الحائز على جائزة نوبل في اقتصاد المعلومات 2001) بان هناك نواقص في كيفية قياس تقدمنا الاقتصادي والاجتماعي. ويرى ان الدولة بحاجة الى منظومة قياس تنبع من الرؤية والاستراتيجية الوطنية، وتوفر معلومات عن مستوى معيشة المواطنين وماهي نسبة الضعفاء منهم وهل هذه النسب في زيادة ام نقص وهل هذا المستوى المعيشي في تحسن بالنسبة للمجتمع والطبقة الضعيفة بشكل خاص، وماهو وسيط الدخل (وليس متوسط الدخل) وهل هو في ارتفاع. وتبين مستوى صحة المواطنين ومستىوى تعليمهم وانتاجيتهم، ومستوى التقنيات المستخدمة في الانتاج. وتبين مستويات ومعدلات الثروة الوطنية الطبيعية وتزايدها اوتناقصها، وما اذا كان هذا المستوى مستدام ام لا. وفي 2008 شكل الرئيس الفرنسي لجنة لوضع مؤشرات للاداء الاقتصادي والازدهار الاجتماعي، وتقيس المساواة والامن الاقتصادي، والتذبذب والاستدامة ومستوى الثقة في المجتمع ومدركات الرفاة ورأس المال الاجتماعي وتاثير على السلم الاهلي والاستقرار السياسي. وتتفرع منها منظومات لكل وزارة وتتدرج الى الادارات.

بالاضافة الى هذا التدرج على مستوى الحكومة في تنفيذ الاستراتيجية، سوف تستفيد السلطة التشريعية من اعتماد نفس المنهجية. تحتاج السطلة التشريعية كذلك الى وضع استراتيجية ومنظومة قياس اداء تساعد في التنفيذ بمؤشرات تنظلق من الدستور والحقوق المنصوص عليها فيه، ترصد تطور المجتمع نحوها وتضع في اعتبارها ليس عدد المداخلات والمقترحات والتشريعات التي سنت في العام او في الاعوام الاربعة بالرغم من اهميتها، وانما مؤشرات تعبر عن مستوى التمثيل المجتمعي ومستوى التقدم الديمقراطية الوارد في الميثاق الوطني والدستور ومساهمة السلطة التشريعية في تطويرها. المعلومات المتوفرة من منظومة القياس في الحكومة وفي السلطة التشريعية تقدمان صورة واضحة لتطور المجتمع من مختلف الابعاد ويمكن ان تخدم التخطيط الاستراتيجي بشكل افضل في بناء مستقبل اكثر تحسسا لمشاكل الناس الفعلية والتاثير في حياتهم وتحسين مستويات معيشتهم. كما تحقق المؤشرات هذه توازن بين الحاجة للتنافسية والتقدم والابتكار وتحفيز المنتجين من جهة، ومن جهة اخرى حماية الطبقة الضعيفة التي تتخلف وتعاني اذا لم تحصل على دعم شبكة ضمان اجتماعي. هذا التوازن يخلق مجتمع متعاون متجانس ومتسق مع اهداف التنمية والرؤية.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *