نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لبيئة الاستثمارية ومعالجة معوقات التنمية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء  ٢٠ سبتمبر ٢٠١٧ – 01:30

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1089612

في اجتماع مجلس التنمية الاقتصادي الذي انعقد في الأسبوع الماضي حث سمو ولي العهد على متابعة الجهود لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال تطوير بيئة جاذبة للاستثمار وتعزيز مكانة البحرين التنافسية على المستوى الدولي والسعي إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات بهدف المساهمة في خلق الوظائف والفرص النوعية للمواطنين ضمن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. 

في هذا الاجتماع تم وصف البيئة الاستثمارية في البحرين على أنها «بيئة تنظيمية متطورة» ومحفزة للاستثمارات، وطالب سموه المسؤولين بفتح «آفاق جديدة للابتكار وتبني التكنولوجيا الحديثة». كذلك عبر الاجتماع عن ارتياح لمستوى الإنجاز في زيادة استقطاب الاستثمارات المباشرة والتي كانت نتيجة مباشرة لقيام المجلس بدوره الرئيسي في الترويج في المحافل الاقتصادية. وحث الاجتماع على تعزيز مساعي تحقيق «التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة».

اما الإنجازات التي تحققت خلال هذا العام فإن المجلس نجح في استقطاب استثمارات بقيمة 124 مليون دينار خلال هذه العام ومتوقع ان ينتج عنها 2300 وظيفة عمل. (كم ستكون للبحرينيين؟). وقد طرحت فكرة صندوق الصناديق مع بنك البحرين للتنمية بمبلغ قدره 37.5 مليون دينار بحريني (100 مليون دولار) بهدف تطوير بيئة المشاريع الناشئة وترويج الابتكار. يقول رئيس مجلس التنمية في هذا الاجتماع أن نمو القطاعات غير النفطية كان بمعدل 7.5% سنويا منذ عام 2001 (على مدى 16 سنة) بمساهمة تزيد على 80% في الاقتصاد المحلي. 

تطرح هذه المقدمة صورة متفائلة وجيدة عن الاقتصاد البحريني لكن للأسف لدى البعض شعور لا يشارك في هذا التفاؤل ولا يشعر به. فهناك بعض التجار وأصحاب المشاريع يشكون الوضع وضعف الأداء الفعلي. والمجتمع يتساءل مثلا كم كان الاستثمار المستهدف لهذه المرحلة وكم تحقق منها؟ وما هي فرص العمل المطلوبة وكم توفر منها للشباب البحريني من حيث العدد والنوعية، وما هي النتائج على سوق العمل للبحرينيين. 

بعد هذه المقدمة نطرح سؤالين: الأول إلى أي حد استطاعت البحرين خلق بيئة استثمارية جاذبة للاستثمار؟ وهل الاستثمار المستهدف هو فقط الاستثمار الأجنبي؟ وما هو وضع الاستثمار الداخلي وأين يتجه؟ وما هو معدل الاستثمار المستهدف؟ ولماذا مازالت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة محصورة في قطاع الخدمات؟ وما هي المؤشرات المعتمدة لمعرفة مدى التقدم في خلق هذه البيئة الاستثمارية؟

ثانيا: ما هي نتائج هذا النمو الاقتصادي على مستوى المعيشة؟ ولماذا مازال معدل البطالة بين الشباب ومستويات الطبقة محدودة الدخل مرتفعين وغير معلنين؟ وما هي رؤية ذلك عند الشباب وكذلك في السوق التجارية؟ فمثلا هناك العديد من المقالات في الصحافة المحلية تتحدث عن قصور في الأداء الاقتصادي، وقد أطلق احد الكتاب دعوة إلى حوار مجتمعي لبحث و«معالجة معوقات التنمية»، كما أطلقنا في مقالات سابقة دعوة لحوار مجتمعي يشترك فيه كل المعنيين ومنظمات المجتمع المدني لوضع تصور لمعالجة الوضع الناجم عن تدني أسعار النفط والحاجة لتنويع مصادر الدخل. هذه الدعوات في الشارع التجاري لا تأتي من فراغ. قد تكون أحد أهم المشاكل التي نواجهها هو عدم الوضوح في الرؤية وتشتت المسؤولية في قيادة وتنفيذ عملية التنمية. فوزارة المالية أعلنت أكثر من مرة عدم مسؤوليتها عن الوضع الاقتصادي، ومجلس التنمية يرى أن دوره يقتصر على الترويج للاستثمار فقط. 

بعد كل ذلك نتساءل هل البيئة الاستثمارية تلتزم الشروط العالمية التي تخلق الاطمئنان لدى المستثمر؟ أم أن هناك جوانب قد أغفلناها مع زخم الأحداث، وخصوصا أن الترويج لا يكفي لجذب المستثمرين. فمثلا في الثمانينيات من القرن الماضي حاولت كل من البرتغال وإسبانيا الترويج لجذب استثمارات أجنبية ومحلية لإنعاش اقتصادها المتواضع لكنها لم تنجح إلا بعد إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية مكنتها من دخول السوق الأوروبية المشتركة حينها تضاعف معدل تدفق الاستثمارات. تكرر هذا الوضع في عدة مناطق في شرق آسيا. 

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والاستثمار (الاونكتاد) حدد خصائص هذه البيئة في عدد من العناوين الرئيسية مثل الاستقرار السياسي والاقتصادي، حجم السوق، الأنظمة والقوانين وحكم القانون، ومستوى الشفافية والفساد، وضوح الرؤية والسياسة الاقتصادية. كما يضع صندوق النقد الدولي شروطا مشابهة. أما منظمة ضمان الاستثمار العربية فتعرف مناخ الاستثمار على انه يعبر عن مجمل الأوضاع القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تكون البيئة التي يتم فيها الاستثمار. مكونات هذه البيئة متغيرة ومتعددة يمكن حصرها في عدد من العناصر التي تمثل في مجموعها محفزا للاستثمار والتي يبني عليها المستثمر قراره منها: الاستقرار السياسي والاقتصادي، السياسات الاقتصادية والكلية، توفر الموارد البشرية المؤهلة، توفر نسيج من المؤسسات المحلية الناجحة.

الخلاصة هي أن خصائص البيئة الاستثمارية هي ليست أمرا نقرره نحن بل هي أمر متعارف عليه دوليا وله خصائص يقتنع بها الآخرون ولا يمكن إغفالها. كما أن كفاءة البيئة للاستثمار المحلي والأجنبي تطرح أسئلة لا يمكن الإجابة عليها من دون الانفتاح والشفافية والإفصاح عن المعلومات والمساواة التامة أمام القانون. 

بالنظر إلى الوضع في الشارع التجاري والمجتمع نرى أنه مازال لدينا عدد من المعوقات التي يجب التعامل معها، على أن يكون التعامل من منطلق أن الاستثمار ليس حالة أو حدثا بل هو عملية متصلة بالوضع المحلي بجميع مقوماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والقانونية. معالجة أي قصور في هذه الجوانب يتطلب جهد الجميع ومشاركتهم. لا يمكن معالجة الوضع من دون فتح باب الحوار والنقاش وتوفير البيانات والمعلومات المطلوبة لكي تتم معالجة المعوقات كما طالبت الصحافة.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *