نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لتخطيط الاستراتيجي ومجلس التنمية (4)

تاريخ النشر : 7 اغسطس 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في المقال السابق عن الندوة المشتركة بين مجلس التنمية الاقتصادية والجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي حول الاستراتيجية الوطنية 2009-2014 ركز المقال على الوضع المستقبلي ومؤشرات قياس الاداء. وفي هذا المقال سوف نتطرق الى الوضع الحالي والاستراتيجيات ومدى شموليتها للانتقال الى الوضع المستقبلي.

بالنسبة للوضع الحالي فقد تم توصيفه في الرؤية في خمس نقاط رئيسية هي اولا انه نموذج قائم على ايرادات النفط التي لا تستطيع تحمل استمرار هذا الوضع؛ ثانيا دخول اعداد كبيرة من الخريجين الى سوق العمل سنويا تتجاوز 4000 متخرج؛ ثالثا اقتصاد ينتج وظائف تذهب معظمها لغير البحرينيين وبراواتب اقل من 500 دينار مع تضخم في القطاع العام بسبب التوظيف غير المبرر؛ رابعا نظام تعليم مازال غير قادر على تزويد الشباب بالمهارات والمعارف المناسبة؛ خامسا تصف الاستراتيجية الابتكار في الوقت الحالي على انه في “حالة ضعيفة جدا ومتردية”. نرى انه لم يتضح، مما نشر من تحليل للوضع الحالي، المؤثرات التي اوصلتنا الى هذا الوضع. وبالتالي فانه من الممكن ان يتكرر اذا لم نعرف الاسباب. نقول ذلك من منطلق ان المنظومة تعمل وفق منطقها وما يؤثر عليها من عوامل داخلية وخارجية، وبالتالي فان الخلل او الثغرات الموجودة في المنظومة سوف تعاود التاثير في المستقبل ما لم يتم ازالتها. حتى وان قمنا باجراءات تؤخر تاثيرها فستكون مؤقتة. فمثلا تفترض الاستراتيجية ان القطاع الخاص سوف يقود عملية التنمية ويُحوِّل الاقتصاد الى انتاجي ابتكاري في حين لم يشرح التحليل لماذا لم يتمكن القطاع الخاص من تادية هذا الدور في السابق؟

الخطوة الهامة والرئيسية في ترجمة الرؤية هي مسئولية وضع الاستراتيجية وتنفيذها. في هذا الصدد يقول سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بانه سوف “تقوم الحكومة بعد التنسيق مع السلطة التشريعية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ، بوضع خطط استراتيجية مفصلة، وخطط تنفيذية كفيلة بتحويل هذه الطموحات الى واقع يحقق تطلعات القيادة والمجتمع البحريني، وبشكل خاص سيتم ترجمة الرؤية الاقتصادية الى استراتيجية وطنية متناسقة يتم الالتزام بها من قبل مختلف الوزارات والهيئات الحكومية”. الجانب الاول في الاسترايجية الوطنية ، تشمل 21 مبادرة رئيسية و 26 مبادرة فرعية منها تحسين الخدمات وزيادة نسب الخصخصة وتحسين آلية وضع السياسات وتغيير اسلوب وضع الميزانية ليعكس الاداء والبرامج المطلوب تنفيذها، وتعزيز مهارات وقدرات عملية جميع وتحليل البيانات. وضمان التمويل لاجيال المستقبل وانشاء وصيانة بنية تحتية ممتازة. عير اننا نطمح ان تشمل مبادرات الحكومة استخدام مراكز معلومات ودراسات وابحاث في التخطيط للمشاريع والبرامج وان  تعزز التعاون مع منظمات المجتمع المدني ليكونوا عونا في التقييم والمشاركة. ومن هذا المنطلق فان انشاء مركز الدراسات والاستراتيجية ودراسات الطاقة قد يكون رافدا لهذا النهج لاعتماد التخطيط الاستراتيجي في وضع السياسات. غير ان ذلك يتطلب مشاركة فعالة من المنظمات المهنية والسياسية لجعل النتائج اكثر تعبيرا عن تطلعات المجتمع. وهذا يطرح سؤالا حول سبب اغلاق مركز البحرين للدراسات والبحوث الذي اثرى المجتمع بعدد من تحليلاته ودراساته البيئية والاقتصادية والسياسية.

الجانب الثاني هو الاستراتيجية الاقتصادية، وركزت مبادراتها على قطاعات معينة مثل قطاع الخدمات المالية والسياحة والصناعة واقتصاد المعرفة. ان التنافسية العالمية تفرض التوجه نحو اقتصاد المعرفة كما ورد في الرؤية، فمن هي الجهة التي ستتولى ذلك ومتى ستبدأ؟ كذلك لم يتضح من الاسستراتيجية الجهة المسئولة عن وضع استراتيجية اقتصاد المعرفة. وبما ان الرؤية تدعو الى التكاملية في التنمية فهذا يتطلب النظر الى اهداف التنمية البشرية والبيئية. فما هو توجهنا في ذلك؟ وكيف سيكون الاهتمام بالبيئة البحرية والثروة السمكية في ظل التدمير الواقع عليها؟

الجانب الثالث في الاستراتيجية الوطنية هو الحالة الاجتماعية. ركزت الاهداف والمبادرات المنشورة على المساعدات والخدمات التي توفرها الدولة لفئات المجتمع الضعيفة . كما اهتمت بالتعليم وجعلت الهدف حصول 90% من المدارس و80% من معاهد التدريب على تقييم جيد في تقييم الجودة. وكذلك اهتمت بالصحة والحياة الثقافية وضمان الامن العام الذي عبرت عنه بانخفاض معدل الجريمة. كما اهتمت بحماية البيئة الطبيعية واستدامتها وعبرت عنها بانخفاض مؤشر انبعاث ثاني اكسيد الكربون. غير ان هذا المؤشر ليس هو الوحيد المهم في عملية الحفاظ على البيئة. فماهي المؤشرات الاخرى التي سوف تستخدم؟ 

وبتتبع العلاقة السببية (cause and effect relationship) بين هذه الابعاد الثلاثه يتضح ان هناك فجوة في التسلسل المنطقي للتاثير تشير الى غياب بعد هام وهو المجتمع ببئته السياسية والثقافية. ونخشى ان يؤثر ذلك على نجاح الاستاتيجية وخصوصا ان هذا الجانب يتعلق بهدف اساسي للرؤية وهو الوحدة الوطنية.

في الواقع المجتمع هو عنصر اساسي ومحرك في انجاح الرؤية ويحتاج ان يشترك ويُمكَّن من المساهمة. لذلك نرى ان الشمولية تقتضي اضافة بعد رابع الى الابعاد الاستراتيجية وهو البيئة السياسية والثقافية والقيمية العامة التي تؤثر في المجتمع وفي الاقتصاد وتعتبر المحرك له. وهذا موضوع المقال القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *