نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. التخطيط الاستراتيجي ومجلس التنمية (3)

تاريخ النشر : 31 يوليو 2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في المقال السابق من الندوة المشتركة بين مجلس التنمية الاقتصادية والجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي حول الرؤية الاقتصادية 2030 ركزنا على منهجية وضع الاستراتيجية ومدى شموليتها وتسلسل خطواتها. وفي هذا المقال سوف نتطرق الى الوضع المستقبلي ومؤشرات الاداء المستخدمة لقياس التقدم في تحقيقه. 

بالنسبة الى الوضع المستقبلي رسمت الرؤية صورة ايجابية تمثلت في عناوين اهمها تحويل الاقتصاد الى انتاجي ابتكاري يقوده القطاع الخاص ويعطي افضلية لتوظيف البحريني المدرب براتب ضعف ما يتقاضاه اليوم. وحكومة صغيرة باجهزة عالية الكفاءة والفعالية تتسم بالنزاهة والمساواة والعدالة ضمن مجتمع موحد يضمن للمواطن حقوقه. هذه الصورة التي نالت استحسان غالبية المجتمع وضعت بعض المؤشرات الممكن مراقبتها لكي نصل الى هذا الوضع. كما حددت مبادئ اساسية تسعى ان تؤثر في المجتمع ككل وليس في الوضع الاقتصادي فقط وهي العدالة والاستدامة والتنافسية.

ولذلك كان من الافضل ان تكون هناك مؤشرات لقياس الوضع الحالي في هذه المبادئ لمعرفة مدى التقدم فيها. فمثلا ماهو مستوى الاستدامة اليوم وكيف تم تقييمه؟ وكم هو مؤشر التنافسية وفي اي المجالات الاقتصادية سننافس؟ وهل سنعتمد على المؤسسات الدولية في مراقبة هذه المؤشرات ام سيكون لدينا بياناتنا ومعلوماتنا الخاصة وهل ستكون متوافرة للمجتمع؟ من الملاحظ ان الوضع المستقبلي لم يغفل التدرج في النتائج المتوقعة ومؤشرات الاداء لمتابعتها. فقد وضعت ثلاثة مستويات من النتائج. مخرجات مباشرة ونتائج متوسطة الامد ونتائج طويلة الامد شملت الثلاثة محاور وهي الحكومة والاقتصاد والحياة الاجتماعية.

ولمتابعة التطور والتقدم في نتائج الاستراتيجية تم اعتماد عدد من المؤشرات لقياس الاداء منها مؤشرات دولية مثل مؤشر النبك الدولي لكفاءة ومساءلة القطاع العام، ومؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي للبنية التحتية ، ومؤشرات اقتصادية شائعة مثل المعدل الاجمالي للانتاجية ومعدل نمو الناتج المحلي وحجم تدفق الاستثمارات وعدد فرص العمل الجديدة الناتجة من القطاعات الناشئة . وشملت كذلك مؤشرات تعكس اداء الحكومة مثل نسبة النفقات المتكررة الى الايرادات. ومؤشرات شملت الحياة الاجتماعية مثل تقليص مدة الانتظار للحصول على وحدة سكنية الى خمس سنوات وتقليص عدد الذين يتقاضون اقل من الحد الادنى للرواتب الى 8% بحلول عام 2014. اي ان المؤشرات تنوعت لتعكس محاور الاستراتيجية الثلاثة.

نلاحظ ان مؤشرات النجاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل المعتمدة هو معدل نمو الناتج المحلي ومساهمة القطاعات في خلق فرص عمل واعدة. بالنسبة الى المؤشر الاول نرى انه قياس عام ذو طابع تاريخي . بمعنى انه يقيس النتائج ولا يقيس محركات الاداء ومحفزاته. كما انه مقياس يتحرك مع حركة الاقتصاد ولا يعتبر مؤشر تنبؤ مستقبلي (Leading Indicator)، وتيعامل مع المتوسطات (متوسط الدخل ومتوسط الانتاج) . لذلك نرى من المهم اضافة معايير اخرى تقيس تقدم التنمية الانسانية ورخاء المواطن وتطور مختلف شرائح المجتمع وبالتالي اداء الحكومة، مثل اعداد المواطنين الذي يتقاضون راتب اقل من الحد الادني ومدى تناقص عدد الفقراء والعائلات التي تستلم معونات، ومعدل المساواة (الفرق بين اعلى دخل وادنى دخل، ومعامل جيني)، وما عدد الطبقة المتوسطة (او نسبتها في المجتمع) ومعدل نمائها. كما قد يتطلب الامر ايجاد مؤشرات تتابع محفزات الابداع والريادة والابتكار ومدى تقدمنا في الاقتصاد المعرفي وتعزيز قدرة المنشئات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على رأس المال مثل إعداد الخريجين من المهندسين والعلماء والفنيين. ونسبة رأس المال الموجه لقطاع الصناعة (من رأس المال الكلي) وحصة البحث العلمي من الناتج المحلي وليس نسبة 10% من ميزانية جامعة البحرين كما في الاستراتيجية. 

بالنسبة الى الحكومة فان الطموح هو ان تكون حكومة صغيرة الحجم فعالة وذات كفاءة عالية. وان تبدأ بوضع سياسات مبتكرة وتقديم خدمات باكثر انتاجية ونوعية افضل تخضع لنظام رقابي واضح وشفاف يتم تطبيقه بانصاف. كذلك ستعمد الحكومة الى الاستعانة بالقطاع الخاص في تقديم بعض الخدمات من خلال الخصخصة. تستخدم الحكومة في تقييم ذلك مؤشر الجودة النوعية للادارة. ومؤشر مساءلة القطاع العام. وتقوم الحكومة بجهود كبيرة في هذا الاتجاه ولكنها تبدو غير متكاملة في الوقت الحاضر. فهناك مركز التميز وجهود ديوان الخدمة المدنية ومعهد الادارة العامة ومن غير المعروف مدى التكامل بين هذه الجهود، على ان يتم ابراز عملها بنشر نتائج التقييم، وان تعتمد مؤشرات الكفاءة والفعالية والاقتصادية والنزاهة والشفافية في تقييم نتائج برامجها وسياساتها.

واخيرا فان قائمة المؤشرا والمعايير المستخدمة تحتاج الى معلومات لتقييمها في بداية التنفيذ وفي نهاية كل مرحلة لمتابعة التقدم. وهذا يتطلب قاعدة بيانات وقانون حق الحصول على المعلومات لتمكين المجتمع من متابعة التقدم. فهناك نسبة كبيرة من المعلومات غير متوفرة في الوضع الحالي مثل ماهو مستوى المعيشة اليوم وماذا سيكون في الغد؟ وماهو المعدل الاجمالي للانتائجية، وكم سيكون في 2030 ، وماهو مؤشر مساءلة القطاع العام اليوم وكيف سيكون في المستقبل؟ كما ان على الحكومة ان تُظهر للمواطن شفافيتها بنشر البيانات المجتمعية مثل مؤشرات الدخل واعداد الفقرا. مثل هذه المعلومات والبيانات تساعد المواطن والمتابع على الاقتناع بنزاهتها وشفافيتها. وللحديث بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *