نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لتنافسية العربية – والحاجة لإعادة تفكيرو

  تاريخ النشر :١١ سبتمبر ٢٠١٣ 

 د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- تقرير التنافسية يفضح الادعاء بان الدول العربية تهتم بتنمية الانسان والمواطن فهي تهتم في كيفية السيطرة عليه وعلى المجتمع وليس على تنميته

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12955/article/46617.html

تقرير التنافسية الذي صدر هذا الشهر وتخلف دول عربية كثيرة في تصنيفها لا يوحي بإمكانية تقدم الدول العربية، فمازال معظمها في مستويات متدنية غير قادرة على اختراق الصنف الاول من الاقتصاديات الناجحة، اقتصر ذلك على دول غربية وشرق آسيوية. اما الدول العربية فهي مازالت تجاهد مع متطلبات تنموية تجاوزها العالم وهي تحرير ارادة الفرد والمجتمع وجعله اداة منتجة قادرة على الاستفادة من خيرات بلاده والمساهمة في انتاجها. مازالت الدول العربية تنفق الكثير من الجهد والمال في كيفية السيطرة على الفرد والمجتمع وتطويعهما لارادة ومصالح الطبقات الحاكمة. لذلك فان معظم الدول العربية تتجه نحو الجوانب الفنية في التنمية وتُغفل الجوانب الانسانية والسياسية التي هي اساس التنمية. 

 تَغفل الدول العربية عن اهمية العدالة والحريات والمساواة والمواطنة التي تقوم عليها اقتصادات الدول المتقدمة. كما تغفل الدور التنموي للاعلام الذي يقوم على تحرير الاعلام وافساح المجال امامه في متابعة الموارد الطبيعية والمالية والبشرية والمعلوماتية. وما لم يتمكن الاعلام من متابعة المصادر الطبيعية والتاكد من حسن ادارتها وحسن استخدام عائداتها. وما لم يتمكن من رصد أوجه صرف وتوزيع وادارة المال العام الناتج من الموارد الطبيعية والضرائب والمساعدات الاجنبية وحمايته من الفساد والافساد، وحصر جميع مصادر المعلومات والتأكد من سلامتها وصحتها وجعلها متوفرة للمجتمع، ومتابعة تطوير الانسان والتأكد من حصوله على كافة حقوقه وتوسيع خياراته. ما لم يكن الاعلام حرا لمتابعة هذه الموارد الاربعة فان جهود التنمية في العالم العربي ستكون جميعها في مأزق اكبر مما هي عليه اليوم. 

 تحاول الدول العربية ان تنتهج سياسات تنموية تقوم على الاقتصاد المعرفي ووضع سياسات لبناء المهارات الوطنية المناسبة لذلك، هذا يتطلب الكثير من اعادة التفكير. في غياب الحريات وتقييدها فان الخيارات في اعادة التفكير ستكون محدودة ومحصورة في دراسات وندوات لا يتم تطبيق نتائجها بسبب غياب المساءلة والمحاسبة. 

 يقول احد المشاركين في مثل هذه الندوات المقامة «معهد القاسمي لأبحاث السياسات» في الشارقة، ان جميع الدول العربية تحاول تبني سياسات تقوم على الاقتصاد المعرفي لتتمكن من تحقيق اهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. سياسات بناء اقتصاد المعرفة هذه، مرتبطة مع وتعتمد على خلق وظائف التكامل الاقتصادي وتنويع الاقتصاد، والاستدامة البيئية والتنمية الاجتماعية والسياسية. اصبحت مزايا اقتصاد المعرفة واضحة ومعروفة، كما ان التحديات في تنفيذ السياسات المصاحبة والالزامية اصبحت واضحة وتتطلب ارادة سياسية وشجاعة في تبنيها واصلاحات سياسية جذرية تواكب هذه المتطلبات. 

 النموذج الذي انتهجه معهد الدرسات في الشارقة قد يكون مناسبا. فمثلا في التسعينيات بدأ تحول من النظر إلى التعليم والتدريب على انه يوفر مهارات، إلى التركيز على «العلاقة» بين الحكومة وطبيعتها ونظام التعليم وسوق العمل والمؤسسات الخاصة المطالَبة بخلق فرص العمل. هذا التوجه لبناء المهارات قد يُمكن الدول العربية من تحقيق توافق وموائمة بين مخرجات منظومة التعليم والتدريب مع متطلبات القطاعات الصناعية سريعة النمو بما يلبي متطلبات اقتصاد المعرفة وتحقيق ما يصاحبها من اهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية. هذا النموذج خليجي ومحلي ويتحدث عن ضرورة الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والسياسية على حد سواء، هكذا اصبح الترابط بين مختلف جوانب الحياة واصبح الفصل أي نوع من الفصل بين الاقتصاد والسياسة هو فصلا تعسفيا، لكن هذا الاقرار بترابط السياسة والاقتصاد والتنمية مازال غير مدرك من قبل بعض قيادات المنطقة.

 نظرا لكون العالم المتقدم قد تجاوز المسألة السياسية والحقوقية واستطاع تحقيق مستويات متقدمة من الديمقراطية والشفافية فان العديد من النماذج في دول العالم المتقدم تنظر إلى مشكلة توفير المهارات على انها مشكلة تتعلق بسوق العمل. هذه النظرة غير كافية في الدول العربية وتحتاج إلى ان تنظر إلى الاستثمار في رأس المال البشري على انها هدف سياسي واقتصادي يستوجب تدخلا مباشرا من الحكومات. لذلك فان العديد من المحاولات السابقة فشلت في علاج المشكلة كونها لا تقدم استراتيجية تنموية شاملة على المستوى الوطني.

 يلخص السيد وز شوالجي (رئيس عمليات مؤسسة تحسين للاستشارات ومقرها الامارات)، ان السعي الحثيث لدول المنطقة نحو تطوير اقتصادات المعرفة يعتمد على سياسات تفترض وجود اقتصاد قادر على خلق فرص عمل تتطلب مهارات عالية برواتب مجزية. لكن الواقع هو وجود وضع اقتصادي يقوم على زيادة الطلب على عمال مهرة برواتب قليلة، مما يهدد الجدوى ويقوض الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها مؤسسات وصناعات معرفية مبنية على الابتكار. وما لم تتم معالجة هذه التحديات فان نمو مثل هذه المؤسسات في المنطقة سيكون محدودا وغير ممكن. ويرى ان هناك حاجة ملحة إلى طريقة جديدة. 

 متطلبات تنمية اقتصاد المعرفة ومتطلبات التوجهات الاقتصادية العالمية تخلق حاجة لتعاون شركات التدريب والتعليم والمؤسسات واجهزة الحكومة لتنمية المهارات. نظم تنمية وتطوير المهارات العربية عليها ان تعيد النظر في الفرضية التي تقول «ان زيادة التعليم دائما افضل»، وخصوصا في الدول العربية التي لا تتوفر فيها الكثير من الموارد، وعلى الحكومات اعادة النظر في وعود التوظيف الكامل. الاقتصاد العالمي يتجه نحو نموذج مهارات عالية واجور منخفضة وعلى الدول العربية ان تتكيف مع هذا النموذج وتستعد لسياسات الكفالة الاجتماعية والاستعداد لمزيد من البطالة اذا ما هي فشلت في تجذير قطاع صناعة المعرفة في منظومتها الاقتصادية، عندها لن يجدي الانفاق على التعليم دون خلق فرص عمل لمخرجاته.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *