نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لتنمية والاستقرار في الدول العربية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٦ اغسطس ٢٠١٧ – 01:00

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1085329

تعيش معظم الدول العربية حالة من الصراع منذ أمد طويل لم يتوقف منذ انبثاق الدولة القطرية الحديثة في أعقاب الحقبة العثمانية والاستعمارية. 

تهدد هذه الصراعات مساعي الدول نحو التنمية وتستنزف إمكاناتها المادية والمعنوية وتختبر بكل فظاعة قيمها الأخلاقية. أهلكت الصراعات كيانات بعض هذه الدول وتهدد دولا أخرى منها.

حالة الصراع هذه تطال الحاكم والمحكوم، فالحاكم يصارع من أجل المحافظة على حكمه ومكانته ونظامه ويوظف في هذا الصراع جميع الأسلحة التي بين يديه. فهو يوظف أجهزة الدولة لإقناع الشعب بالقبول بهذه الصلاحيات ويوظف الموارد المالية لتعزيز الولاءات وزيادة الأعوان والأتباع  الأمر الذي قد تعجز أجهزة الدولة عن تحقيقه أو تمنع الأعراف والتقاليد المساس بهم أو فرض الأمر عليهم.

كما يوظف الموارد لدرء الأخطار الخارجية ومشاكسات المؤسسات الحقوقية التي تتزايد وتيرة انتقاداتها وتدخلاتها مستدعية الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تلتزم بها معظم الدول العربية. ويوظف الدين لتطويع المجتمع كله وإشغاله بنفسه وتركيز الخطاب الديني على الفرد وكيفية الخلاص من عذاب النار وينسيه المعاناة في الدنيا التي يتعرض لها وإقناعه بالقبول بها، فهذا القبول ثوابه في الآخرة، اما الدنيا فهي فانية ولا يجب أن يشغل نفسه بها. يقنعه بأن العدالة السماوية سوف تنصفه يوم الحساب وما عليه اليوم الا ان يتوكل على العزيز الغفار. ويشغله عن التعاليم الدينية التي تنادي بالعمل والجد والعدل والإنصاف وحقه في الشورى وأهمية فصل السلطات كما جسدته السيرة النبوية والخلفاء الراشدون. 

استطاع الحاكم ان يوظف رجال دين كثيرين لنشر مثل هذا الخطاب في المساجد كل يوم جمعة وفي المدارس وفي القنوات الإذاعية التي تسيطر عليها الدولة، وجعل رجال الدين هؤلاء موظفين يأتمرون بأوامر السلطة. 

ووظف الوزارات والهيئات والمنظمات الرسمية من خلال التعيينات لتكون الجزاء والثواب لكل من يثبت التزامه بالدفاع عن السلطة في مواجهة المجتمع. هذا الصراع اضعف الحاكم والدولة عن مواجهة ضعف الإدارة مما انعكس سلبا على مؤسسات المجتمع المعنية بالتنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية، وحيدها واخفت صوتها لتساهم بالنقد البناء والمراقبة الحصيفة لأجهزة الدولة والسلطات التنفيذية التي لا تصلح الا بالرقابة والمساءلة والمحاسبة وفق نواميس الكون والحكمة الربانية في المساءلة والحساب والعقاب. فأمنوا العقاب فساء أدبهم. كما اضعف الصراع الحاكم في التعامل مع القوى الأجنبية التي تساومه بقوة الشعب والمجتمع والدول العربية الأخرى وتنتزع بذلك لقمة العيش من فقراء الأمة. فقد يسمح لها بالتدخل في أدق تفاصيل شؤونه الداخلية ورسم سياسته الخارجية، بل ومشاركته في خيرات بلده.

اما الشعب ومؤسساته فهو في صراع مع السلطات ومع أجهزة الدولة ومع أعوانها ومروجيها ومع مؤسساتها الدينية في محاولة الحصول على حقوقه في العيش الكريم له ولعائلته، وهو في صراع لانتزاع القدرة على المساءلة والمحاسبة وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية. وهو في صراع للمشاركة في وضع سياسات بلده الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وهو في صراع للمساهمة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على مستقبله ومستقبل أبنائه وعائلته، وهو في صراع مع رجال الدين الذين خيروه بين الخضوع وبين التكفير والنار ومعصية الخالق.

هذه الحالة من الصراع التي منيت بها الأمة العربية استنزفت قواها ومواردها وأفقدتها إرادتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأصبحت خاضعة لمخططات الغير من الأعداء والأحلاف. اغتصبت منها أرضها وعجزت عن الدفاع عن قضيتها العادلة في استعادة فلسطين واستعادة كرامة الأمة من خلالها. هذه الحالة من الصراع أنتجت حالة من التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. 

هذه الصراعات تفرض على الحكومات تعيينات لا تعتمد على الكفاءة بل على القربى والولاء والمحاباة والمحسوبية. كل هذه الحالات تفرض ضريبة على الأداء وعلى الإنجاز وتفاقم الوضع المعيشي ويسبب الاستياء الذي يخلقه هذا الوضع. 

كما يؤدي هذا الوضع إلى تقليل الحوافز لدى الموظف والمواطن لتقديم أفضل ما لديه كون باب الترقيات اقفل في وجهه، فبعد عمر طويل في الوظيفة والاجتهاد يأتي من هو اقل منه سنا وخبرة وكفاءة ليستلم المنصب. 

لا شك ان القائمين على الدول العربية لديهم الرغبة في تطوير بلدانهم، لكن الرغبة الصادقة لا تكفي لتحقيق نتائج، يجب أن يكون التنظيم والمؤسسات والسياسات وتطبيقها يتم وفق حوكمة رشيدة تخضع لمبادئ الإدارة الرشيدة ومفاهيم العدالة والإنصاف.

حاولت الدولة العباسية ان تتغلب على مشكلة الصراعات العائلية والمحاباة بجلب موالي من الفرس والأتراك والبربر وتدريبهم وتعيينهم في مناصب الدولة، كانت النتيجة كارثية عليها وعلى من سار في هذا الاتجاه من الأتراك وغيرهم من بعدهم.

مرت الدول الغربية في هذه الحالة من الصراع قبل نصف قرن وخاضت الحروب وسالت الدماء إلى ان تمكنت من الوصول إلى حالة عالجت فيها الصراعات بشكل حضاري من خلال صناديق الاقتراع وإخضاع التعيينات والترقيات إلى المنافسة في الأداء والإنجاز. أمن الناس على أرواحهم وعلى حقوقهم وعلى أملاكهم وعلى نتاج أفكارهم وعلى معتقداتهم، فشاركوا بكل حرية في بناء بلدانهم وحضارتهم.

حاولت الدول العربية الخلاص من هذه الحالة بأساليب غير حديثة ففشلت بعد عدة محاولات متفرقة آخرها الربيع العربي. فهل حان الوقت لصياغة دستور جديد أخلاقي يقوم على تحويل الصراع الدامي إلى منافسة سياسية ويفصل بين السيادة الدستورية وبين الأداء والإنجاز الحكومي ويخضع جميع القرارات ومتخذيها للمساءلة والمحاسبة. 

الوصول إلى هذا الوضع قد يتطلب وقتا طويلا ويحتاج إلى مراحل تقودها دول قادرة وتشعر بنوع من الأمان. فمن المؤهل للعمل وإخراج الأمة من هذا المأزق؟

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *