نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لجمعيات السياسية والمواطن والديموقراطية

تاريخ النشر : 6 فبراير  2010

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

اثبتت الديموقراطية على مر العصور بانها انسب واصلح نظام حكم عرفه الانسان. وفي شهر نوفمبر عام 2007 اعلنت الامم المتحدة  يوم 15 سبتمبر ليكون اليوم العالمي للاحتفال بالديموقراطية، يتم فيه تقديم كشف حساب لحال الديموقراطية في العالم. اهتمت الامم المتحدة بالديموقراطية واعتبرتها قيمة لا تقبل التجزئة لما لها من أهمية في حياة وتقدم الشعوب. فماهي الديموقراطية؟ ولماذا نحتاجها؟ وهل يحق لنا الاحتفال بها مع دول العالم المتحضر؟

تقوم الديموقراطية على عدد من المبادئ والمكونات والاستحقاقات التي تنسجم مع الحس العام والفطرة السليمة ومع مفاهيم العدالة الانسانية ومع مبادئ الاديان التي ساوت بين الناس في الحقوق والواجبات وأهمها الدين الاسلامي الذي رفض التفرقة على أي أساس باستثناء الايمان والتقوى، واصبحت هذه المبادئ والمكونات والاستحقاقات متعارف عليها ومقبولة عالميا بحيث اصبح تقييم اي نظام حكم مقارنة بالديموقراطية امر ممكن. 

في محاضرة في عام 2004 في جامعة الحلة، في العراق قدم المحاضر الديموقراطية على انها نوع من الحكم يستند على اربع عناصر، اولا نظام سياسي لاختيار وتغيير الحكومة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ثانيا: المشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة السياسية والانشطة المدنية. ثالثا: حماية حقوق المواطن والاقليات، رابعا: حكم القانون وليس الحكم بالقانون او حكم الفرد بحيث يتم تطبيق القانون والاجراءات على الجميع ويحد من سلطة الحكومة ومختلف السلطات على ان يتم وضع القانون من قبل ممثلي الشعب. 

يقول بان كي مون، السكرتير العام للامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي الثاني للدموقراطية “الديموقراطية ليست هدف في حد ذاتها وانما هي مساهم قوي في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والامن العالمي والاحترام العام للحقوق والحريات”.

يمكن تطبيق هذه المبادئ في نظام غير ديموقراطي اذا توفرت للامة رجال من أمثال الانبياء والرسل والخلفاء الراشدين ومن على شاكلتهم مثل الخليفة عمر ابن عبد العزيز. اما في عالمنا الذي تغلب فيه المصالح الدنيوية فان النظام الديموقراطي ومبادئه الاساسية هي الوقاية للمواطن من التعسف والظلم والاستغلال، وحماية للمجتمع من الاستبداد والتهميش والتسخير. بمناسبة اليوم العالمي للديموقراطية اصدر مجلس النواب والشورى بيانا وضح فيه ان المملكة قطعت شوطا كبيرا في ترسيخ مضامين التجربة الديموقراطية “بما يكفل حقوق المواطنين ويعزز مكانة ودور المجتمع المدني”. كما يركز البيان على أهمية حرية الصحافة والاعلام والتعبير وقيام مؤسسات المجتمع المدني بدورها. ان الممارسة العملية للديموقراطية تفرض استحقاقات على الحكومة والنواب والجمعيات السياسية والافراد ومختلف مكونات المجتمع، ومن هذه الاستحقاقات احترام حق الاخر في الاختلاف في الرأي والتعبير عنه بشكل سلمي، واعتبار المعارضة جزء من العمل السياسي المشروع. والقبول بان الديموقراطية تتطلب تقديم التنازلات بحيث لا تحصل مجموعة على كل ما تريد على حساب الاخرين. 

ان شرح هذه المبادئ والاستحقاقات تقع على عاتق الجمعيات السياسية وخصوصا تلك التي تؤمن بالديموقراطية على أنها السبيل للتقدم والرقي. لذلك عليها يقع عبئ التعبئة للديموقراطية على المستوى الشعبي وربط عناصرها بالحياة المعيشية العادية للمواطن. في كثير من الاحيان تتحدث الجمعيات والنخب عن الديموقراطية كمجموعة من المبادئ والقيم المجردة لا تمس المواطن العادي ولا تعني شيئ لتحسين معيشته. ان عرض الديموقراطية للعامة في المحاضرات والندوات من قبل الجمعيات السياسية تحتاج الى تقريب هذه المبادئ وربطها بالحقوق المشروعة للمواطن مثل الاسكان والصحة والتعليم وفرص العمل. فمثلا الحصول على بيوت الاسكان مرتبط ارتباط وثيقا بالديموقراطية من حيث توزيع المساكن بناءا على معايير توضع بكل شفافية؛ ومن حيث توفيرالاراضي بدلا من توزيعها؛ ومن حيث تخصيص التمويل والتوزيع العادل للثروة؛ ومن حيث توفير المعلومات الدقيقة والشاملة والعلنية عن الطلبات وعددها. كذلك الحال بالنسبة للتعليم وجودته يحتاج الى حوار مفتوح يتطرق الى كل القضايا بدءا من تعيين الوزراء ووضع خطط الاصلاح وميزانيات بناء المدارس وتعيين المدرسين الاكفاء وتدريبهم واقرار الكوادر، ووضع الاهداف المراد تحقيقها وضمان مساءلة الحكومة على مستوى الانجاز والاداء فيها وفق مخرجات مطلوبة ومناسبة لسوق العمل والتنمية المستدامة والتنافسية العالمية. 

كذلك على الجمعيات ربط الديموقرطية بحصول المواطن على خدمات صحية تعالج النقص في الاسرة والادوية، واخيرا فان الديموقراطية أساسية في التنمية وتوزيع الثروة وتوجيه الاستثمارات في المجالات التي تعود على المواطن بالمردود المناسب وتوفر فرص عمل بالاعداد والمستوى والنوعية المطلوبة وان تخضع لمبدأ المساواة. والديموقراطية هامة واساسية في تحقيق الامن الوطني والقومي الذي يحدد مصالح الامة ومصالح المواطن العادي ومصالح مكونات المجتمع في تحديد العلاقات الدولية ونصرة قضايا الامة وعدم الانقياد للسياسات المستوردة من الخارج، وضرورية للادراك بان الامن القومي يعتمد على التنمية الاقتصادية المستدامة التي لن تتحقق دون نوع من الوحدة الخليجية والعربية. والديموقراطية هامة وأساسية في تحقيق اللحمة الوطنية والوصول الى دولة المواطنة والتخلص من الطائفية والقبلية وجميع اشكال الصراعات القائمة على الانتماءات الجزئية. 

هذه هي مسئولية الجمعيات السياسية في تقريب مفاهيم الديموقراطية لعامة الناس ونشر ثقافتها ومزاياها بدلا من الحديث عنها بتجرد وكانها هدف في حد ذاته. عندها يمكن للجمعيات ان تقود المواطن من خلال مؤسسات المجتمع المدني للدفاع عن حقوقه التي ادركها وفهم علاقتها بالديموقراطية. الى الان نجد ان الجمعيات مقصرة في هذا الجانب فهل تتغير ونحن مقبلون على انتخابات جديدة توفر فرصة سانحة لهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *