نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لجنة البحرنة.. نشاطها اللافت ونتائجه المأمولة (2-2)

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15104/images/Untitled-11.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع- لا يكفي ان نحصر مخالفات الجهات الرسمية في التوظيف لا بد من تقصي اسباب المشكلة في التعليم وفي التدريب وفي التوجه الاقتصادي الليبرالي الذي يسعى الى الانفتاح في بيئة غير متكافئة وغير مواتية، ولا يكفي التركيز على مشكلة التوظيف لكن اصل المشكلة هو فشل تنويع الاقتصاد وخلق قاعدة انتاجية تستوعب الخريجين. واخيرا لا بد ان نثق في البحريني في جميع الوظائف ولا نحرمه من بعضها بسبب عدم الثقة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1177120

تطرقنا في مقال الأسبوع الماضي إلى نشاط لجنة البحرنة النيابية وما تقوم به من نشاط في التحقيق في قضية توظيف البحرينيين. اتضح من مقابلاتها أن عددا من الشركات المملوكة للحكومة وبعض الوزارات بها عدد لا يستهان به من الأجانب يشغلون وظائف يمكن للبحرينيين القيام بها وهي من الوظائف ذات الرواتب المرتفعة والمناسبة للبحرينيين. كذلك اتضح من مقابلات اللجنة مع بعض الوزراء أن الوزير يعلن أثناء المقابلة عن وظائف للبحرينيين. 

تساءلنا في المقال السابق حول سبب التوجه نحو توظيف أجانب سواء في المحاماة (الاستشارة القانونية) أو في الكهرباء أو في المهن الكثيرة التي أعلنت الوزارات أنها تحصرها للبحرينيين، لماذا هذا التوسع في توظيف الأجانب؟ وهل كان التوسع مصادفة، بحيث تتجه الوزارات والشركات الحكومية نحو استخدام الأجانب في مهن فنية ومهنية وتخصصية في حين يبقى البحريني إما من دون وظيفة وهو مؤهل لها أو من دون تدريب وإعداد لما يخلقه السوق من وظائف؟ يتطلب ذلك جوابا من لجنة البحرنة، وإن تجاوز ذلك من دون الإجابة على هذا السؤال يبقي عمل لجنة التحقيق قاصرا لا يضع علاجا جذريا للمشكلة؟ 

ثانيا: إن تساؤلنا حول سبب توجه الوزارات والشركات الحكومية نحو توظيف الأجانب والتمادي فيه، يحتاج إلى إجابة حول متى بدأت هذه الموجة من الاعتماد على الأجانب؟ وما الدافع لها؟ ولماذا شعرت تمكين بضرورة تقديم الدعم المادي السخي لشركات يملكها غير البحرينيين؟

ثالثا: يحتاج المجتمع إلى أن يرى ما يُلزم الشركات والوزارات بوضع خطة إحلال محددة بفترة زمنية تكفي لتدريب البحرينيين على المهن والتخصصات المطلوبة والمتوقعة. فمثلا تبين من مقابلات اللجنة مع وزارات الأشغال وجود تخصصات نادرة غير متوافرة في بعثات وزارة التربية، واعتبر الوزير أن ذلك سبب كاف لتوظيف أجانب، من دون تحميل الوزارة مسؤولية التدريب المتخصص لسد حاجتها من التخصصات الدقيقة المتعلقة بعملها، علما بأن وزارة الأشغال قد فعلت ذلك في السابق، فلماذا لا يستمر ويعمم على باقي الوزارات والشركات الحكومية والشركات الكبرى في البحرين كما كانت تفعل شركة بابكو مثلا؟ ومع ذلك يظهر مما نشر من رد وزير الأشغال أنه لا يوجد لدى الوزارة استعداد للتدريب حيث يقول إن «الوزارة على استعداد لبحرنة الوظائف التي يمكن إيجاد البديل البحريني لشغلها». وهذا لا يوحي باستعداد للتدريب؟

رابعا: اتضح من المقابلات أن عددا كبيرا من البحرينيين يعملون برواتب أقل بكثير مما يستحقونه وفق خبراتهم. لم يتضح ما إذا كان ذلك في القطاع الخاص أم كذلك في القطاع العام، وما أسبابه؟ تحتاج اللجنة إلى أن تحدد أبعاد هذه الظاهرة ومدى شيوعها في القطاع العام والشركات الحكومية. قد نفهم وجودها بشكل محدود في القطاع الخاص لكن تعامل القطاع العام بهذه العقلية غير مقبول، والقول بضعف مخرجات التعليم والتدريب لا يكفي لكون ذلك أيضا مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى. 

خامسا: اتضح أن هناك نسب بحرنة في الشركات بمعدل ثابت (مثلا 50% في اسري) فما أساس وضع هذه النسبة بشكل ثابت؟ إن نسب البحرنة المقررة في الشركات يجب ألا تكون ثابتة بل ترتفع تدريجيا مع الوقت بالاتفاق مع الشركة، ووفق تعديل في قانون العمل. وهذا ليس أمرا صعبا إذا توفر برنامج تدريب وإحلال ناجح، كما أنه وسيلة لفرض التدريب على الشركات. أما ثبات النسب فهو غير عادل ورخصة ضمنية لتوظيف الأجانب والتخلص من مهمة ومسؤولية تدريب البحرينيين. 

سادسا: تقيم الشركات الكبرى معارض في وزارة العمل من دون أن تنشر الوزارة عن نتائج هذه المعارض وعدد الذين تم توظيفهم من خلالها، وما نوع الوظائف التي شغلها البحرينيون؟ ينبغي ألا تقتصر مشاركة هذه الشركات على عرض الوظائف بل يجب أن تعرض برامجها التدريبية والامتيازات المقدمة في هذه البرامج، ليس فقط لاحتياجاتها الآنية ولكن لاحتياجات مستقبلية، وجزء من التدريب يكون ضمن خطة حكومية أكبر تغذي متطلبات البلد المستقبلية. فنحن بحاجة إلى وجود نظرة شمولية لقضية البحرنة وليست نظرة محصورة في متطلبات آنية.

سابعا: قضية التدريب لا بد أن تحكمها قوانين أو تعليمات صارمة. فمثلا إذا اعتبرنا تصريح رئيس الديوان حول تعليمات التدريب والإيفاد (تعليمات الخدمة المدنية رقم (2) لسنة 2013) بأنه إلزام للوزارات، فلماذا لا يصدر قرار مماثل للشركات الحكومية على أن يُفعل بحزم. إن وجود مثل هذا القرار في عام 2013 بالضرورة كان لمعالجة وضع لم يكن مرغوبا فيه، وصيغة التصريح توحي بأن هذا القرار لم ينفذ بالشكل الذي يعالج قضية التدريب والإيفاد. فمن المسؤول عن التفريط هذا؟ وهل هناك مسؤولية مباشرة على رئيس ديوان الخدمة المدنية، كون الديوان لم يشر إلى أي محاسبة على عدم التنفيذ؟ وهل التعليمات لم تكن وفق الضوابط المحددة في اللائحة التنفيذية لهذه التعليمات. 

وأخيرا فإن عمل اللجنة لن يكتمل من دون وضع تحليل للوضع الذي وصلنا إليه واستخلاص أسبابه المباشرة وغير المباشرة، الفردية والمؤسسية، وتحديد مدى تأثير القوانين والتوجهات الليبرالية والحرية الاقتصادية المطلقة التي يتبناها مجلس التنمية. إلى أي حد أثرت هذه الأيديولوجية على التوجه لعدم توظيف البحرينيين؟ كذلك لا بد من معرفة تأثير مستوى الرواتب على معدلات التوظيف، وما أسباب قلة المهارة المهنية والفنية وضعف أخلاقيات العمل غير المناسبة، وعدم وجود التخصصات المطلوبة، وتدني مستوى مخرجات التعليم والتدريب الفني والمهني. إن حصر الأسباب هذه وغيرها (وإن لم تتمكن اللجنة من معالجة جذورها) ستبقى تحديات للوزارات لكي تعمل على تلافيها في برامجها وبرامج الحكومة اللاحقة.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *