نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مشكلتنا ليست اعادة توجيه الدعم يمكن ان تعالج من خلال لجنة الدعم مشلكتنا سوء ادارة الموارد وسوء توزيع على مدى عقود يحتاج الى معالجة معمقة وجذرية وبمشاركة مجتمعية

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1106765

يعقد مجلس النواب اجتماعات مع الحكومة لتفعيل الأوامر الملكية حول إعادة توجيه الدعم، توجيه الدعم إلى مستحقيه، وهي قضية كان يجب أن تتم منذ أمد طويل، فقد كان الدعم يصل إلى الجميع منافيا لمعايير العدالة وفاقدا للمعنى من الدعم وهو مساعدة العائلات المستحقة من المجتمع البحريني.

غير أن إعادة هيكلة الدعم هي قضية منفصلة ومستقلة تماما عن قضية نقص إيرادات الدولة ومستقلة تماما عن العجز في الميزانية ومستقلة عن ارتفاع الدين العام. والتعويل على توجيه الدعم لمعالجة مشكلتنا الاقتصادية هو في غير محله. توجيه الدعم لا يعني إلغاءه بل هو إعادة هيكلة لتحديد الفئات المستحقة. وفي النهاية فإن الدعم في ميزانية 2017 هو 382 مليون دينار وبعد إعادة الهيكلة سيكون التوفير محدودا جدا إذا التزم النواب والوزارات بمعايير عادلة لتحديد من هي الفئة المستحقة والمحتاجة إلى الدعم وما هي معدلات الدعم العادلة لتحقق الهدف من الدعم؟

يقول رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب إنه ستكون هناك جهة واحدة مسؤولة عن إدارة الدعم بدلا من تعددها. وهذا توجه سليم وقد يعالج الكثير من الازدواجية وبعثرة الدعم. كما أشار إلى وضع معايير توسع الدائرة في تعريف الجهة المستحقة لتشمل الطبقة الوسطى التي تآكلت بفعل الضرائب والرسوم ومحدودية فرص العمل المجزية.

لا شك أن عمل اللجنة مطلوب كعلاج مستعجل وآنٍ لإعادة هيكلة الدعم لكنه ليس النهاية. ولا يجب أن يكون!! ويجب ألا تسود النظرة أن الخيار الوحيد هو جيب المواطن والضرائب فهناك خيارات أخرى تحتاج إلى بحث أخطاء الماضي في استخدام الايرادات لتحديد كيف يتم توظيف معظم ايرادات النفط ومازال. هناك قنوات استفادت بسخاء من الايرادات وعليها أن تسهم اليوم في دفع الضرائب على الثروات.

مشكلتنا لا تكمن في إعادة توجيه الدعم فهذه قضية تتعلق بتحسين كفاءة استخدام موارد كانت تصرف دون حسن إدارة مثلها مثل موارد أخرى. مشكلتنا ليست «تحديات يمكن تجاوزها بأقل وقت ممكن، أو أنها وضع استثنائي يمكن تجاوزه بحزمة من الإجراءات مثل توجيه الدعم» كما سماها نائب رئيس مجلس الوزراء معالي الشيخ خالد بن عبدالله. مشكلتنا تكمن في وضع تصور شامل للوضع الاقتصادي وكيف نواجهه مستقبلا، أصبحت أهمية النفط فيه تتناقص والاعتماد العالمي في تراجع ما يضعف الطلب عليه تدريجيا.

 في تصريح للسيد أحمد بن هندي رئيس جمعية رجال الأعمال يقول فيه «إن شركات السيارات تضخ المليارات في أبحاث السيارات الكهربائية التي باتت على الأعتاب ومتوقعة خلال الخمس سنوات القادمة». وينادي السيد بن هندي بأهمية «إجراء دراسات وبحوث في دول الخليج لمواجهة هذه التغييرات في قطاع النفط وكيف ستؤثر على دول المجلس وما هي خياراتنا للمستقبل؟»

على مدى العقود الماضية لم يتم استغلال الموارد في تنمية الاقتصاد وتنويعه بالقدر الكافي، وتم استخدام المال بسخاء على إنفاق ورفاهية فئات محدودة من المجتمع. لم تُشارَك الأغلبية العظمى بنصيب جيد من الايرادات والثروة والآن هذه الأغلبية مُطالَبة بأن تقر وتعترف بأن الوضع الاقتصادي يحتم على الدولة فرض الرسوم والضرائب عليها. تُطالَب هذه الفئة بأن تكون وطنية وأن تضحي من أجل الوطن دون ان نطالب مَن استفاد على مدى عقود من خيرات البلد من المقتدرين والرابحين والمترفين بأن يتحلى بالوطنية وأن يضحي بجزء كبير من أمواله لصالح الوطن. ونحن على يقين أن مساهمة هؤلاء سوف تنهي الدين العام والعجز خلال سنوات محدودة. وإذا علمنا أن الصراع على السلطة والثروة هو الذي أنهك أمما كثيرة فإننا ندرك أهمية العدالة في الضرائب وعلى من تجب.

فرض ضرائب من هذا النوع على الثروة وخصوصا الثروة من الأراضي والدخول العالية على الأفراد والشركات ليست جديدة ولا بدعة، ولا نعرف لماذا تتردد الدولة في فرضها. الثروة من الأراضي بشكل خاص فهي تستحق الاهتمام، لأنه مهما زادت قيمة الأراضي وارتفعت فهذا لا ينعكس على مستوى معيشة المواطن بل يفاقم من الفقر كما يقول هنري جورج في كتابه التقدم والفقر، فهو يرى أن التوزيع غير المتوازن للأرض يسبب عدم المساواة، وخصوصا أن الأرض يرتفع سعرها على حساب عوامل الإنتاج الأخرى، فسعرها يعتمد على موقعها وليس على ما يمكن أن تنتجه، لذلك فإن الضريبة على الأرض هي في الواقع ضريبة على الموقع الذي هو من نتاج المجتمع. معظم دول العالم تفرض ضرائب دخل يصل بعضها إلى 70% من الدخل، بينما لو تم فرض ضريبة دخل بواقع 15% في المتوسط، فهذا يجبي ما لا يقل عن مليار إلى مليار ونصف، ناهيك عن ضريبة الثروة التي قد تصل إلى ملياري دينار.. نحن إذن أمام خيار أفضل بكثير من خيار الرسوم والضرائب الاستهلاكية التي تخصم من المواطن وبشكل خاص أصحاب الدخل المحدود ولا تعالج المشكلة الاقتصادية.

هذه الخيارات وغيرها لا يمكن فرضها من دون مناقشة ودراسة وقد سبق أن اقترحنا وغيرنا على مجلس النواب أن يقود نقاشا موسعا يشمل جميع المصالح في البلد بما فيها غرفة التجارة والجمعيات السياسية والمختصين والصحافة، ذلك أن تدشين نقاش مجتمعي هو الأداة لتحقيق النظرة الشاملة الكلية لمعالجة الأزمة الاقتصادية. أما هذه الحلول الجزئية والترقيعية فهي عادة ما تكون مسكنات لا تصل إلى عمق المشكلة.

بعض الأهداف من هذا النقاش هو أولا تحديد أسباب إخفاق الجهود في تنويع الاقتصاد، وكيفية تطوير التعليم، ثانيا دراسة الخيارات المطروحة على المدى المتوسط والقريب، ثالثا بحث جميع ايرادات الدولة وليس الميزانية فقط، وتحديد أوجه الإنفاق وكيف يمكن ترشيده. رابعا وضع تصور شامل طويل الأمد للخروج من الأزمة من جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأيضا التربية والتعليم، واضعين في الاعتبار التحولات التي تحدث في سوق النفط والأبحاث التي تجري في البحث عن بدائل من ضمنها السيارة الكهربائية وغيرها للتخفيف من الاعتماد عليها. نحن أمام قضية كبيرة ومهمة تمس حياة المواطن واستقرار البلد وما لم نبادر بمناقشتها على جميع المستويات والخروج بحلول طويلة المدى فإن المستقبل سيكون صعبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *