نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لحالة العربية الفريدة.. متى الخلاص منها؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :١٦ مارس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي


ما نشهده في العالم العربي يجعل الإنسان يفكر في هذه الحالة الفريدة التي ابتليت بها الأمة فنحاول ان نبحث في تاريخنا وتراثنا لنفهم ما يدور اليوم وما هي جذوره التاريخية. هناك من يقول ان العرب لديهم استعداد جيني للاختلاف وهناك من يرى ان الإرث القبلي يجعل العربي غير قادر على التسامح مع الآخر وغير قابل للانقياد والقبول بالرئاسة لغير قبيلته أو فئته أو طائفته. وهناك من يستشهد بمقدمة ابن خلدون في وصف العرب بالعصبية دون سائر شعوب العالم.
كانت الحركة العلمية في القرن الرابع على أشدها، لم يشهد قبلها ولا بعدها مثيل على مدى تاريخنا. لم يبق فرع من فروع علوم ذلك العصر إلا ووجد المسلمون علماء يبحثون فيه وينبغون. فالانحدار السياسي الذي شاب ذلك القرن من ضعف الدولة العباسية وخضوع حكامها للموالي من فرس وأتراك وتضعضع الخلافة العباسية لم يؤثر في العلم إلا في نهاية القرن الخامس.

ازدهر العلم الإسلامي في القرن الرابع لسببين، (أحمد أمين، ظُهر الإسلام). الأول هو ان العلماء لما رأوا سوء السياسة وظلمها وعنتها واضطرابها انصرفوا إلى العلم حتى كان بعض العلماء يأنف من الاتصال بأمير أو وزير ويتعفف عن زيارة السلطان وأعوانه. ويفضل شح العيش مع السلامة على العيش الرغد مع الخوف من بطش الحكام وتسلطهم على فكره وعطائه. العامل الثاني هو اتخاذ الأمراء والوزراء بعض العلماء زينة لمجالسهم فأدى ذلك إلى زيادة العلماء المعرضين عن الولاة والمقربين منهم. في نفس الوقت زاد في ذلك العصر الزهد والتصوف بسبب فساد الدنيا، فتركوها لأصحابها وطلبوا الآخرة. أدى ضعف العلماء واضطهادهم إلى تعاطف الناس معهم وزيادة أتباعهم.
من أثار الانحطاط السياسي كذلك كثرة المذاهب وكثرة الاحتكاكات بينهم، مثل الاحتكاك بين السنة والشيعة وبين الفقهاء والصوفية وبين المحدثين والفلاسفة، وبين الشوافع والحنابلة، هذا الاحتكاك خلف نشاطا عجيبا في الحركة العلمية يحاول كل فريق ان يتسلح أمام خصومه بكل الوسائل. روج ذلك الفلسفة اليونانية بين المسلمين لاستخدام منطقها ضد الخصوم (العباسيين والعلويين). شهد ذلك العصر بداية انحدار العلم الإسلامي السريع، وانقفل باب الاجتهاد، فشمل الخمول والجمود كل أبواب العلم وأصبح الناس يرددون «ليس للآخرين ما كان للأولين».


لعبت السياسة الدور الأكبر في هذا الانحطاط لسببين: الأول خطورة الخوض في كل ما يخص «فقه الملك والحكم» أو النظر العقلي، خصوصا بعد نكبة المعتزلة ومطاردتهم. عم الجمود العقلي وضعف على اثر ذلك العلماء وأصبحوا يتحاشون المخاطر، فخلا المجال لازدهار الظلم، وارتفع صوت الأدباء في مدح الظلم بدلا من ردعه، وتحريضه لا لجمه. كان يمكن للحركة الصوفية ان تقف في وجه الظلم لكنهم انطووا على أنفسهم. السبب الثاني هو ان الوعاظ ركزوا على نصح المظلوم لكي يتحمل ظلمه ويصبر، ويَعِدُونه بالجنان والحياة بعد الممات، بدلا من وعظ الظالم وردعه. بل كان هناك من يروج بأن الظلم مصلحة للناس، فالصبر عليه يدخلهم الجنة. وهو بلاء يجب الصبر عليه. فالجمود من جانب والظلم من جانب آخر أماتا النفوس. بعض الفلاسفة أمثال الفارابي أمعن في الطبيعيات، وماتت ابتكارات ابن الهيثم. 


أما أسباب هذا الانحطاط كما يرى أحمد أمين هو ان المعتزلة التي كانت فرقة جادة ومفكرة أثمرت ثمارها في هذا العصر وكانوا دعاة الحرية والتفكير والتحذير من الخرافات والأوهام، لكن غلوهم ألب عليهم الفرق وغلبهم المحدثون وهم دعاة النقل والرواية والوقوف على النص. لما رأى العلماء عجزهم عن التغيير دب في نفوسهم الإحباط واليأس وتوقف الاجتهاد، ليس بقرار ولكن فقدان الأمل في التغيير والخوف من البطش الفكري. ثم ان غزو التتار وما أعقبه من دمار أتى على ما تبقى.


من الأسباب الأخرى للانحطاط كانت غلبة الأتراك وهم عنصر لم يكن مثقفا ولا مشجعا للثقافة، فأصبح الولاة لا يفهمون أدب وعلم العامة، انقطع الاتصال الروحي واللغوي. أصبح الأدب جمعا لأشتات المتشابهات كما يسميه أحمد أمين. كثير من الأدباء نكبوا لأنهم ناصروا فريقا سياسيا على غيره أمثال ابن سينا. قطعت سلسلة الاضطرابات السياسية العلم والأدب فظلا نائمين خاملين إلى عصر النهضة الحديثة. العلم والأدب يحتاج إلى هدوء بال وطمأنينة نفس واستقرار في الرزق وبدونهم يصعب نجاح المجتمع في تقدمه. تأثير السياسة في العلم والاقتصاد لا يظهر إلا بعد فترة، بدأت هذه الفترة منذ القرن الثالث الهجري ونحن الآن نجني ما اقترفته السياسة من آثار على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وما التشرذم والصراع في العالم العربي إلا أثر من آثار الفشل السياسي الذي عانت منه الأمة العربية على مدى نصف قرن. وتبقى الأمة العربية تمثل بقايا العصر القديم الذي يستعصي على التغيير في الوقت الحاضر. لكن منطق التاريخ يقول ان العالم لا يرجع إلى الخلف والعلم يتقدم والبشرية تسير إلى الأمام به، وإن خلاص الشعوب قادم لتحكم نفسها وترعى مصالحها وتتحكم في أمور دنياها، كما أراد الإسلام «أنتم أعلم بأمور دنياكم».

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *