نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لربيع العربي واليوم العالمي لمحافحة الفساد

تاريخ النشر :21 ديسمبر  2011 طباعة 21

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

“هذا اليوم العالمي لمكافحة الفساد فلنتعهد باداء دورنا من خلال مهاجمة الفساد وفضح من يمارسونه وبلورة ثقافة تعلي قيمة السلوك الاخلاقي”. كانت هذه كلمة الامين العام للامم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد الموافق 9 ديسمبر 2011. في 17 ديسمبر احتلفت تونس بذكرى انطلاق ثورتها على يد محمد البوعزيزي الذي اشعلها بجسده فلم تهدأ بعد. تلتها مصر بداية هذا العام فاليمن وليبيا وسوريا. كما اجتاحت احتجاجات العديد من الدول العربية والدول الاوروبية ولم تسلم الدول العظمى مثل امريكا واخيرا ورسيا من ثورات واحتجاجات ضد الفساد.

انطلقت الثورات العربية رافضة اوضاع مماثلة ادت بالشعوب العربية الى حافة الفقر والتخلف العلمي وتراجعت الدول العربية في تاثيرها العالمي واصبحت تدور في فلك السياسات الغربية. لذلك فان الاحتفال بذكرى مكافحة الفساد هذا العام يتطلب التعامل معه بشكل مختلف عن سوابقه. الاحتفال هذا العام ينبئ ببدء شرق عربي جديد يتخلص الوطن العربي فيه من داء الفساد الذي استشرى في جنباته وضيع ثرواته. كذلك يختلف هذا العام بالنسبة الى الشعوب والحكام وعليهم الاعتبار بما حدث والاقرار بان الفساد هو داء عضال يصيب المجتمع فيؤدي الى ضياع الاخلاق ويسود النفاق والتملق من السهل استخدام المال لافساد الناس ولكن بعد ذلك يتفشى هذا افساد فيصيب الجميع ولا تسلم منه حتى الانظمة التي تسهم في نشره لخدمة مصالح ضيقة آنية.

تحث اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 في فصلها الثاني “التدابير الوقائية” المادة ال 5، على اهمية وضع منظومة للوقاية من الفساد تشمل تقييما دوريا للسياسات والممارسات العملية والصكوك القانونية لمعرفة مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته. كما تنص الاتفاقية في الفقرة الاولى من المادة نفسها على ان يتم تعزيز مشاركة المجتمع وتجسيد مبادئ سيادة القانونن وحسن ادارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة، فهل التزمت الدول العربية بهذه المبادئ؟

احتلت معظم الدول العربية ذيل القائمة في تقرير الفساد لهذا العام، والاعوام السابقة. لم يعد المهم في مثل هذه التقارير تقدم الدولة نقطة او نقطتين في مؤشرات مدركات الفساد او تاخرها، فهذا قد يكون راجعا الى عوامل ليست لها علاقة بتقدم او تاخر الفساد فيها. كما انه ليس من باب المصادفات ان تحتل الدول الديمقراطية رأس قائمة الدول الاقل فسادا، مما يثير تساؤلا عن العلاقة بين الديمقراطية والنزاهة. هذا لا يعني ان الانسان في النظام الديمقراطي لا يتعرض لاغراءات الفساد ولكن حرية التعبير والاعلام المستقل والقضاء المستقل تشكل منظومة رادعة تجعل المسئول عرضة للمساءلة والمحاسبة. وقد رأينا حديثا كيف حكم على جاك شيراك رئيس فرنسا السابق بالسجن عامين لثبوت تهمة فساد عليه تتعلق بايجاد وظائف وهمية لاعضاء حزبه في التسعينيات من القرن الماضي. فما سبب غياب منظومة مكافحة الفساد  ومن المسئول عنه؟

بين المفكر عبدالرحمن الكواكبي قبل اكثر من مائة عام في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” ان العلاقة بين نظام الحكم وبين الفساد علاقة سببية وقد وضع الفساد كنتيجة حتمية للاستبداد. يرى الكواكبي ان الفساد هو ظاهرة لمشكلة كبرى هي الاستبداد وقد عرَّف الاستبداد على انه تصرف فرد او جمع في حقوق قوم بالمشيئة بلا خوف” ويراد بالاستبداد عند اطلاقه استبداد الحكومات خاصة التي تتصرف في شئون الناس كما تشاء بلا حساب او عقاب وهو عكس الحكومة المساءلة والعادلة والدستورية.

فصل الكواكبي الاستبداد في عناوين عدة هي الاستبداد والدين، الاستبداد والعلم، الاستبداد والمال، الاستبداد والاخلاق، الاستبداد والتربية، الاستبداد والترقي. هذا التصنيف يضع المئولية في التصدي للفساد على جميع مكونات الامة وطبقاتها وقواها السياسية.

يقول الكواكبي ان المستبد يستقوي بنوعين من الرجال: الاول المتمجد والثاني رجل الدين. المتمجد هو من يتقرب الى المستبد بالفعل كالاعوان والاتباع، طالبا مجدا لا يستحقه فيتولد مستبدون صغار يبطشون بالامة ويفسدون في الارض ويخدعون العامة فيعم الفساد. اما بالنسبة الى رجل الدين فيقول الكواكبي ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني وغايتهما اذلال الانسان. بطبيعة الحال ليس المقصود ان الدين يدعو الى الاستبداد ولكن يستعين الحكام على العباد بشيوخ الدين الذين يُفصِّلون الفتاوى على هواهم، وليس ادل على ذلك من تحول الازهر الشريف الى من تابع يصدر فتوى تحلل اقامة الجدار الحاجز بين مصر وقطاع غزة، والان وبعد تجربة مصر في تغيير دكتاتورية مستبدة فاسدة تحول وتحرر الازهر واصدر وثيقته التي لم يجرؤ على النبس بمضمونها في عهد الاستبداد.

وهكذا على مر العصور استعان المستبدون بشيوخ الدين فوصموا الاسلام والعروبة بالتخلف السياسي، في حين ان الاسلام جاء “محكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة”. ويرى الكواكبي ان من اهم اسباب الاستبداد اتى من رجال الدين حين قاموا بتحويل معنى الاية الكريمة “ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر…” آل عمران 104، تحولت هذه الاية الى فرض كفاية وليس فرض عين، تدعو الى سيطرة فئة من المسلمين على بعضهم ، بينما المقصود، من وجهة نظره، ان يؤسس لفئة تسيطر على الحكام (مجالس شورى او منتخبة) كما اهتدت اليه الامم الاخرى فصلح حالهم وخصصت منها جماعات وظيفتها محاسبة السلطة التنفيذية فتخلصوا من الاستبداد. 

ويتساءل شيخنا الكواكبي “اليست السيطرة على الحكام افضل من السيطرة على الافراد واكبر تاثيرا على صلاح المجتمعات والافراد؟ غير ان تحالف شيوخ الدين مع الحكام دفع فقهاء الاستبداد الى تفديس الحكام ورفعهم فوق المسئولية والمساءلة. واوجبوا لهم الحمد اذا عدلوا والصبر اذا ظلموا واعتبروا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء المعارضين ففسدت الامة وتعرضت لما نحن فيه من الدماء التي سالت في ليبيا واليمن وتسيل الان في سوريا. يرى الكواكبي ان الخلاص في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته” اي ان كل منكم سلطان عام ومسئول عن الامة، فهو يُحمل مسئولية حال الامة على كل فرد من افرادها ولا يجوز ان ينفرد الحكام بتقرير مصيرها. وبالتالي فان المشاركة السياسية فريضة شرعية وواجب قومي حُرم منها العامة من الشعوب العربية ففسد حالهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *