نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لصناعة.. مستقبل التنمية في مجلس التعاون

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠٢٠ – 02:00

مقال الاسبوع – في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها دول الخليج أننا بحاجة إلى رسم سياسة صناعية ترتكز على استراتيجية تنموية. وفي هذا الصدد لا يمكن للقطاع الخاص ان يقوم بذلك دون مساعدة حكومية وعلى الحكومات ان تبحث في كيفية خلق صناعة وليس التشبث بمفاهيم يكرسها علينا الغرب مثل دور الحكومة فقط ادارة فهو يتنافى مع ممارساتهم انفسهم.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1200082

خلال مؤتمر «رجال الأعمال» العربي تحدث سمو ولي العهد عن الحاجة إلى تسريع التنمية الاقتصادية في البحرين. وركز المؤتمر على الحاجة إلى تنمية مهارات الإبداع والابتكار استعدادا للاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي الذي اعتبره المشاركون في المؤتمر القاعدة الأساسية التي تنطلق منها التنمية في الخليج. 

وقد أكد سموه ضرورة إبراز المقومات التي تتمتع بها البحرين ودول المنطقة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ومنها تطوير البنية التقنية وتوظيفها لرفع القدرات الإنتاجية وتحسين مستوى المعيشة في المنطقة بعيدا عن النفط، وذكر أن دول المنطقة مستمرة في رسم السياسات والاستراتيجيات لتسريع عجلة التنمية الاقتصادية. 

أمَّا رئيس غرفة التجارة فأضاف الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية تشريعية وتعليمية وتجارية وصناعية تواكب التحول الرقمي وبناء مراكز دراسات وأبحاث متخصصة لتسريع عملية التحول من مستهلك للمعرفة إلى منتج ومنافس.

هذه المتطلبات وغيرها تحتاج إلى تعريف وتفصيل وتفعيل من خلال استراتيجية وسياسات وأهداف تساعد على تحققها. فمن هي الجهة التي ستقوم بذلك؟ فمثلا كون القاعدة الأساسية هي تنمية مهارات الإبداع والابتكار واقتصاد المعرفة ما يعني وجود استعدادات لتنمية مثل هذه المهارات وسياسات تساعد على توجيهها في اتجاهات نمتلك فيها ميزة تنافسية حالية أو ميزة تنافسية كامنة أو خلق ميزة تنافسية ديناميكية. فهل هي مهمة اللجنة التنسيقية لقطاعي التعليم العالي والصناعة والأعمال هي الجهة المعنية؟ هذه اللجنة اجتمعت في يناير الماضي واستعرضت منجزاتها في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي وجهود تجسير الفجوة بين مخرجاتها ومتطلبات سوق العمل، غير أنها لم تشر إلى دورها في هذا الصدد، ويبقى السؤال مطروحا. 

في نفس الفترة أطلقت وزارة الصناعة والتجارة مبادرة «صنع في البحرين» وهذه لفتة طيبة من الوزارة أن تلقي الضوء على الصناعة وأهميتها في التنمية وقد ذكرت في عرضها أن قطاع الصناعات التحويلية يمثل 14.5% من الناتج المحلي، وهذه نسبة تحتاج إلى مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أعوام مثلا، واليوم هل هي في ارتفاع أم في انخفاض وفي أي الجوانب ترتفع النسبة؟ وكم نسبة المشتقات النفطية من هذه النسبة؟ يبدو أن الوزارة تولي هذا الجانب اهتماما في رفع المحتوى المحلي فيما ينتج في البحرين وما يصدر منه. كذلك هناك جهة أخرى تهتم بهذا الموضوع وهي هيئة صادرات البحرين التي تحاول تشجيع التصدير وتسهيل مهمة التجار والصناع. وكذلك هناك مقترح نيابي لإنشاء صناعة أدوية في البحرين أو مصنع أدوية وهذا في حد ذاته يتطلب وضع استراتيجية متكاملة لخلق مثل هذه الصناعة إما على مستوى البحرين أو المستوى الخليجي. 

أما غرفة التجارة فقد ورد على لسان رئيس الغرفة أن الآمال منعقدة على القطاع الخاص لتحريك عجلة التنمية. وحمَّل رئيس غرفة التجارة مسؤولية إقامة مشروعات نوعية ترفد الاقتصاد الوطني. ومع أن رئيس الغرفة لم يوضح الآلية للقيام بهذه المهمة، إلا أن الرسالة التي خرجت من هذا المؤتمر هي حاجة دول الخليج إلى تعزيز مفهوم الابتكار والإبداع بما يسهم في رفد الاقتصاد الوطني، وقد عبر رئيس غرفة التجارة عن ذلك بالحاجة إلى «التركيز على رسم السياسات الهادفة للتعامل مع الاقتصاد المعرفي» وكذلك الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية تشريعية وتعليمية وتجارية وصناعية رقمية. خلاصة توجيهات سمو ولي العهد وخطاب رئيس الغرفة والمبادرات المختلفة هي أننا بحاجة إلى رسم سياسة صناعية ترتكز على استراتيجية تنموية. ولا أعتقد أن المقصود بالسياسة الصناعية في مفهومها الضيق الذي يعنى بخلق صناعة محددة أو قطاع معين، وإنما في مفهومها الواسع وهي سياسة توفر الدعم والحماية للتوجه الاقتصادي بشكل عام وتمكنه من المنافسة والازدهار، على أن تزال تدريجيا.

التوجه الصناعي هو التوجه المستقبلي والضروري لاقتصاد المعرفة. الصناعة بالإضافة إلى كونها قطاعا مهما وأساسيا في خلق فرص عمل وإتاحة فرص التصدير إلى الخارج أكثر من قطاعات الخدمات المالية والسياحة وغيرها من القطاعات، فهي الساحة الأكثر قدرة على نشر المعرفة وإتاحة فرص التعلم على رأس العمل من التجربة والبحث والتطوير. كذلك فإن التصنيع هو المجال الأكثر قدرة على إفادة القطاعات الأخرى (spill over) بنقل المعرفة إليها وخلق صناعات فرعية. 

فمثلا هناك تركيز كبير في المملكة العربية السعودية على قطاع التصنيع لمحاولة إيصال مساهمته إلى 450 مليار دولار بحلول عام 2030 موزعة على قطاعات مثل الطاقة والصناعة والتعدين والخدمات اللوجستية، وخلق 1.6 مليون فرصة عمل في نفس الفترة. بإمكان البحرين أن تستفيد من حركة التصنيع السعودية في خلق صناعات مكملة أو مغذية لها وأن تختص بالجانب المعرفي والتقني الذي يتناسب مع رأس مالها البشري. خصوصا وأن البحرين قد بدأت التصنيع في الثمانينيات ولا نعرف لماذا تم التخلي عن هذا التوجه. ومن حديث المسؤولين الآن يبدو أن النوايا تتجه نحو إعادة التفكير في هذا المجال وإحياء نزعة التصنيع ويبقى الاختلاف في كيف ومن يقود العملية، الحكومة أم القطاع الخاص، وما الصناعات الأنسب لمنطقة الخليج؟ مثل هذه الأسئلة تحتاج إلى معالجة ودراسة التوجهات الخليجية والعمل على خدمة القطاعات الصناعية فيها. فمثلا في 2008 تقدمت مجموعة البحرين الصناعية بمشروع لخدمة قطاع الألمنيوم في الخليج يُعنى بإقامة صناعات مكملة ومراكز أبحاث ومراكز معايرة وتدريب لهذا القطاع ولكن لم يحصل المشروع على الدعم الذي كان يريده. 

التكامل المنشود لا يقتصر على التعاون بين البحرين والسعودية، بل بالإمكان وضع استراتيجية بناءً على ما هو متوافر من فرص في الخليج «مثل الإمارات بها من الصناعات الواعدة» وكذلك في الشرق الاوسط الذي يمثل سوقا كبيرا نشترك معه في كثير من القيم والعادات والتقاليد والمستوى المعيشي والمستوى التكنولوجي والمعرفي. وقد صدر «16 سبتمبر 2019» حديثا تقرير من مؤسسة راند يتحدث عن مثل هذا التكامل الممكن في منطقة الشرق الأوسط. لكن مثل هذا الحديث فيه قدر كبير من التفاؤل في معالجة الصراعات العربية الداخلية والبينية يجعل من الأفضل التركيز على منطقة الخليج في الوقت الحاضر، مع تأكيد ضرورة العمل على معالجة الصراعات العربية كونها مصلحة عربية وخليجية تقتضي الإسهام فيها على المدى البعيد وفق مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *