نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لعلاقة بين التنمية والديمقراطية والحكم الرشيد 

  تاريخ النشر :٢٦ ديسمبر ٢٠١٢ 

 بقلم: د.محمد عيسى الكويتي 

أيقظ الربيع العربي في الأمة أحلامها في النهضة المرتقبة التي راودت القادة والمفكرين والمجتمعات العربية على مدى مائة وخمسين سنة، منذ نهضة محمد علي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تعثرت الجهود لاسباب كثيرة أهمها استبداد وفساد الأنظمة الحاكمة والقوى الاستعمارية وغياب المؤسسات الوطنية التي ترعى هذه النهضة، وان وجد اي منها فهي تفتقر الى النفوذ السياسي والقوة الاقتصادية الداعمة. الربيع العربي وما تمخض عنه من حكومات تمثل الإرادة الشعبية جعل عددا من العلماء والمفكرين يعقدون مؤتمرا لبعث الروح في الجسم العربي المنهك والتداول حول كيف يمكن احياء البحث العلمي والاهتمام بالعقول ووضع البيئة الموائمة للابتكار وحرية الفكر والنشر والبحث؟ ان مثل هذا التوجه هو الذي سوف يعطي الأمة العربية المكانة اللائقة بين الأمم ويغير من الوضع المتردي للعرب وانتشالهم من قرون المهانة والذل اللذين تعرضوا لهما اولا على ايدي المستعمرين وثانيا على ايدي حكام زعموا انهم ديمقراطيون وطنيون فاثبتت الايام وارصدتهم البنكية زيف ادعائهم. 

 لا يجهل القادة العرب متطلبات النهضة بدليل تصريحاتهم المتكررة عن الحرية والعدالة والمساواة وحق المواطن في الكرامة. حديثهم لا ينقطع عن احترام حقوق الانسان والمواطنة، وادعاءاتهم المتكررة بانهم في خدمة المجتمع. نجد هذه المفردات في خطاباتهم ولكنهم يرفضون القيام باستحقاقاتها لانها تصطدم بمصالحهم وامتيازاتهم.

 في كتاب حديث حول «لماذا تفشل الامم؟» يُطرَح السؤالُ: «لماذا تختار بعض المجتمعات مؤسسات غير ناجحة في التنمية الاقتصادية؟ ولماذا تستمر هذه المؤسسات السيئة؟». اطروحة الكتاب تقول ان المؤسسات السياسية الديمقراطية والمؤسسات السياسية التشاركية هي ضرورة لنجاح التنمية المستدامة في اي مجتمع. حول هذا السؤال وفي سياق تعليقه على الكتاب يقول فوكوياما (المفكر الامريكي وخبير الاقتصاد السياسي) انه يتفق مع الأطروحة القائلة ان المؤسسات تشكل اهمية بالغة في توجيه التنمية وفي نجاحها،غير انه يرى ان هناك عاملا آخر وقد يكون أكثر اهمية في بداية قيام الدولة وهو الحوكمة الرشيدة. فماذا تعني هذه المفاهيم بالنسبة للدول العربية؟ يقول الكاتب (فوكوياما) ان هناك تجارب تنموية ناجحة في القرن السابع عشر في بريطانيا وكذلك في سنغافورا الحديثة من دون وجود مؤسسات ديمقراطية بالمعنى الحديث. غير انه يؤكد ان ما لم يثبته التاريخ هو قدرة هذا النجاح الاقتصادي على الاستمرار في غياب المؤسسات الديمقراطية. الدول الآسيوية اعتمدت النموذج الذي يعتمد على الحوكمة الرشيدة ونزاهة القادة الرواد الأوائل الذين أسسوا لنهضة صناعية علمية وتبعتها تحولات ديمقراطية بعد ان تم إرساء قواعد اقتصادية متينة. في المقابل نجد ان دول اوروبا الشرقية والوسطى انتهجت النموذج الذي يعتمد التحول الديمقراطي أولا.

 سواء أُتبع النموذج الديمقراطي او نموذج الحوكمة الرشيدة فان إدارة الموارد الناجحة تحتاج اولا الى مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار وفي ادارة الموارد (الثروة) وفي توزيع ثمار التنمية؛ ثانيا تحتاج الى نزاهة في ادارة الثروة ومساءلة. ويؤكد فوكوياما ان ما حدث من نهضة تنموية في شرق آسيا وفي اوروبا الوسطى والشرقية يعطي دليلا قاطعا على وجود علاقة بين نجاح التنمية وبين المشاركة السياسية في القرار وضرورة انتهاج الحوكمة الرشيدة ومبادئ الشفافية والمساءلة. اي ان التنمية الاقتصادية والنجاح فيها هي نتاج للوضع السياسي وما تنتجه المنظومة السياسية من دعم للابداع والابتكار وخلق مؤسسات علمية وبحثية تحتضن العلم والابتكار وان تضع الاليات التي تمكنهم من المساهمة في النهضة العلمية التنموية.

 تفتقر الدول العربية الى الاثنين، فليس هناك مؤسسات ديمقراطية يمكن من خلالها ان تشارك الشعوب في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا توجد حوكمة نزيهة رشيدة قادرة على الحد من استشراء الفساد وترشيد استخدام واستثمار الموارد وتوزيع الدخل وتنويعه بما يضمن استدامته. 

 مع بزوغ فجر الربيع العربي بدأت الروح تدب في الشعوب منادية بمشاركة سياسية ومشاركة حقيقية في الثروة ومطالبة بنهضة علمية ووحدة خليجية تقوم على اسس من المواطنة والحرية والعدالة لكي يعم الاستقرار والامن للجميع، وتتوفر الفرص المتكافئة ليبدأ البناء الحقيقي للمجتمع. للقيام بذلك لا نحتاج الى ان نخترع العجلة من جديد، فطريق النهضة اصبح معروفا سلكته كثير من الدول فأصبحت في مقدمة الشعوب وتُنافس في جميع الميادين على المراكز الأولى في الاقتصاد والابتكار والعلم وحتى النفوذ الاقليمي.

 من ضمن التحولات الناتجة عن الربيع العربي، والتي تدعو الى التفاؤل، عقد في القاهرة في الفترة من 19- 20 ديسمبر الجاري «مؤتمر العلماء العرب المغتربين» تستضيفه جامعة الدول العربية. في هذا المؤتمر تُطرح فكرة وضع استراتيجية عملية للاستفادة من العقول العربية المهاجرة في دعم جهود التنمية المستدامة وبناء مجتمع واقتصاد المعرفة. الطاقات العربية الموجودة في الخارج ليست قليلة. يقول نبيل العربي (الأمين العام لجامعة الدول العربية) ان العقول العربية المهاجرة تزيد على اربعة ملايين، وبلغت كلفة تدريبها اكثر من مائتي مليار دولار، ومن مصر فقط هناك 854 الف مهاجر، منهم 600 عالم من ذوي الاختصاصات النادرة.

 هذه الدعوة لاستقطاب العقول العلمية تعول على التحولات الديمقراطية والمؤسساتية، الاقتصادية منها والسياسية التي تطرأ في العالم العربي مما يساهم في خلق البيئة المناسبة لنهضة علمية تنتشل العالم العربي من التخلف والتبعية، وتحوله من مفعول به الى فاعل على حد تعبير استاذنا الكبير الدكتور علي فخرو. لكن يبقى السؤال هل ستتمكن الدول العربية من خلق المؤسسات الديمقراطية والحوكمة الرشيدة، ام انها ستقاوم وتنتصر قوى المصالح الخاصة والامتيازات التي تدافع عنها الانظمة باستماتة بالغة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *