نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لـديـمـقـراطـيـة.. ثـقـافـة أولا أم مـمـارسـة؟

  تاريخ النشر :٢٥ سبتمبر ٢٠١٣ 

بقلم: د.محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع- يحاول البعض ان يشترط وجود ثقافة ديمقراطية قبل ان يطالب المجتمع بالديمقراطية، كيف تتكرس الثقافة دون ممارسة عملية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12969/article/48722.html

في هذه المناسبة من عام 2011 يقول بان كي مون إن هذه السنة هي سنة مشهودة في تاريخ الديمقراطية بسبب مشاركة الملايين من البشر، في ثورات وانتفاضات واحتجاجات عمت الشرق الاوسط. غير ان الدول العربية التي حاولت الانضمام الى النادي الديمقراطي تعثرت جهودها ومازالت تصارع من اجل الاستقرار السياسي وتتحسس طريقها نحو نموذج مناسب من المشاركة السياسية. برزت في العالم العربي حركات إسلامية لا تؤمن بالديمقراطية وتأخذها مطية للوصول الى السلطة. تصدى «الديمقراطيون» لهذه الحركة، ولكن للأسف بدلا من الاعتماد على الآليات الديمقراطية في كسب المعركة السياسية استخدموا قوة السلاح في ثورة مضادة قد تفرز واقعا يعيدنا الى المربع الأول. 

 تطرح هذه التجارب وخيبات الأمل لدى الكثير من النشطاء السياسيين والأكاديميين والمفكرين، وحتى الانتهازيين الذين يحاولون إفشال التحول الديمقراطي بأي شكل، تطرح تساؤلا اخذ يزداد قوة وإصرارا: هل يمكن للديمقراطية ان تستقر في الدول العربية بدون ثقافة ديمقراطية متجذرة في المجتمع؟ بعض من يطرح هذا السؤال يريد ان تنتظر الأمة عقودا الى ان يتحول كل فرد الى ديمقراطي في تفكيره وسلوكه وتتحول كل مؤسسة الى ديمقراطية في تنظيمها وفي نهجها قبل ان يحق للأمة ان تطالب بالديمقراطية وتستعيد عافيتها وتسترجع حقوقها. والبعض الآخر يرى صادقا أن الديمقراطية غير ممكنة بدون ديمقراطيين وثقافة تجعل الجميع يقبل بنتائج الديمقراطية وقواعد اللعبة واحترام مخرجاتها. 

 ولمجاراة هذا المنطق بشقيه نسال كيف تتأسس وتتأصل هذه الثقافة من دون ممارسة عملية، أين يمكن للشعوب أن تُغْني تجاربها وتتعلم من أخطائها؟ 

 نبدأ مناقشتنا بالقول المأثور الذي ورد في خطاب بان كي مون في هذه المناسبة «إن البلدان لا تصبح مؤهلة للديمقراطية وإنما تصبح مؤهلة بالديمقراطية، وتغذيها قوة المجتمع المدني وفعاليته». أي أن الممارسة العملية هي التي تخلق السلوك الديمقراطي وتحوله الى ثقافة مجتمعية. فمثلا لا يمكن أن نطالب لاعب الكرة إن يجيد اللعب قبل توفير الملعب والكرة ووضع القواعد والقوانين وإقامة الدورات التدريبية والمباريات التجريبية والمسابقات الدورية وتحفيزه بالجوائز والمغريات. طوال هذه المراحل هو يتمرن على ممارسة اللعبة وإجادة فنونها وسلوكياتها المقبولة والمرفوضة لتصبح سلوكا تلقائيا «ثقافة». أما إذا اشترطنا على اللاعب إجادة اللعب قبل توفير كل ذلك فإننا نكون مجحفين في حقه ولن يكون لدينا فريق كرة قدم.

 بالنسبة إلى مالك بن نبي فان التحول الديمقراطي هو «سيرورة تسعى لتخليص الإنسان من نزعتين هما نفسية العبد ونفسية السيد المستبد». أي أنها مشروع ثقافي في نطاق الأمة بكاملها. لكن كيف يبدأ هذا المشروع؟ بالتثقيف النظري أو بالممارسة العملية؟ كما أنها قناعة وسلوك إنساني يصل إليها المجتمع بعد ان يتعب من الصراع على السلطة وتكرار فشل التنمية وهدر الموارد المالية والبشرية كما حصل لكثير من الدول العربية. هكذا كان الحال مع أوروبا التي وصلت الى هذه القناعة بعد معاناة وفشل في معالجة الصراعات بين السلطة والكنيسة والدولة والمجتمع والفرد. الديمقراطية كانت الجواب لأن يعيش المجتمع في استقرار سياسي بعد ان تعب من الصراعات والحروب التي استنزفت طاقاته والاستبداد الذي أهدر ثرواته. وصلت المجتمعات الى هذا الحل لمشكلة حقيقية واجتماعية تفرضها الحاجة الى التنظيم والتعامل والتفاعل بين الناس من اجل رقيهم ورفاهيتهم.

 في السؤال المحوري حول لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟ يقول الباحث الإسلامي محمد يتيم في كتابه «في نظرية الإصلاح الثقافي» بان «القرار السياسي له قدرة على صياغة وإعادة تشكيل نظام الثقافة في المجتمعات وان الإصلاح الثقافي هو رهان على الإنسان وجزء من بناء هذا الإنسان». فهو السبيل الوحيد لكسر الحلقة المفرغة التي يحاول البعض ان يضعنا فيها بالقول إن الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين، من أين نأتي بهم؟ نقول بان غرس هذه الثقافة في المجتمع يقع على عاتق القيادات النخبوية من أنظمة حكم بالدرجة الأولى تليها القيادات المجتمعية. تكريس الثقافة لا يكون بالنصح والإرشاد بل بتقديم القدوة «لو رتعت لرتعوا» يقول علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. 

 الديمقراطية الحقيقية هي شكل ومضمون، شكلها يوجد في مؤسساتها الدستورية وفي نظامها الانتخابي وفي آلية اتخاذ القرار وفصل السلطات. أما مضمونها فإنه في كيفية علاقة هذه المؤسسات وفي تأدية الوظائف التي وجدت من اجلها. إذاً الديمقراطية أداة، ولتكون فاعلة لا بد أن تؤدي وظائفها بما يحقق النتائج لخدمة المجتمع وتنميته. فمثلا الديمقراطية التي لا توفر أدوات للتصدي للفساد وقدرة على المحافظة على المال العام والثروة الوطنية فهي ديمقراطية غير فاعلة. والديمقراطية التي لا تتيح إمكانية المساءلة والمحاسبة فهي ديمقراطية شكلية. والديمقرطية التي لا تملك الأدوات لتكريس المساواة أمام القانون وفرض حقوق المواطنة وواجباتها فهي ديمقراطية منقوصة. 

 تبين تجارب الشعوب ان تكريس الثقافة لا بد له من سلطة تفرض بعض السلوكيات وتضع الشروط لمسيرة نحو حكم القانون وسيادته وتطبيقه على الجميع، وتضع شروطا للعدل والإنصاف وتطبيقه على الجميع، وتضع شروطا للتوزيع العادل للثروات الوطنية وتطبقه على الجميع، وتضع معايير الالتزام بالكفاءة والقدرة في التعيين وتطبيقه على الجميع. وتضع قواعد المحاسبة والمساءلة وتطبقه على الجميع من دون امتياز أو تفضيل. لذلك فإن غرس الثقافة الديمقراطية يقع على عاتق القيادات أولا وأخيرا ومن خلال الممارسة العملية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *