نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. الفقر بين الحكومة والدولة في العالم العربي

تاريخ النشر :11 يناير  2011 – طباعة 1

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ان مشكلة الفقر في الدول العربية مرتبط بمفهوم الدولة والوطن. فالعدالة السياسية او انعدامها هو نتيجة لخلط مفهومي الدولة والحكومة. بمعتى ان الحكومة تهيمن على المجتمعات وتنفرد بالسلطة والثروة والقرار كونها تمثل الدولة. في حين ان الدولة هي ملك المجتمع ككل وبالتالي يجب ان تكون محايدة في الخلافات بين القوى السياسية او النزاعات التي تنحصر في العملية السياسية. غيران الحاصل هو ان الحكومات في كثير من الدول العربية تختطف الدولة الى درجة ان اي خلاف مع الحكومة يعتبر تعدي على الدولة وعلى الامن الوطني. النتيجة هي صراعات دامية تستخدم فيها اجهزة الدولة في حروب اهلية ونزاعات كما في اليمن والصومال والسودان والعراق ولبنان وغيرها.

هذا الصراع يجعل نتائج التنمية الاقتصادية وتحقيق اهداف الالفية الثالثة اكثر صعوبة وتاخذ مدة اطول. ففي دراسة للمفوضية الاقتصادية الافريقية وجد ان الزيادة في عدم المساواة في الدخل تؤدي الى نقص في كفاءة النمو الاقتصادي. اي ان الدولة هذه تحتاج الى مضاعفة الجهود لتحقيق اهدف الالفية الثالثة. 

كما ان هذا الصراع للاسف يغذي مزيد من التهميش السياسي والشك بين الاطراف المتنازعة ومزيد من المشاكل المجتمعية ومزيد من الفساد المرافق للسلطة. هذه الحالة ادخلت العالم العربي في حلقة مفرغة متصاعدة من التهميش والعنف. والى مزيد من التخلف في التنمية الاقتصادية والعلم والمعرفة. الدائرة المفرغة هذه تحتاج الى كسر لكي تعود الامور الى طبيعتها وهي ان الصراعات السياسية على المصالح يجب ان تنحصر في العملية السياسية القائمة على مبادئ الديمقراطية والعدالة والمساواة والمعارضة السلمية. وان تبقى الدولة خلال هذه الخلافات ملك المجتمع وتكون محايدة مادامت الخلافات السياسية سلمية ووفق الشرعية.

فقد توصلت دراسة في عدم المساواة قام بها مركز ابحاث جامعة اكسفورد عام 2009 الى ان دور الدولة في محاربة عدم المساواة ومحاربة الفقر يحتاج الى علاج سياسي يبدأ بسياسات واجراءات لازالة الفوارق الطبقية والعرقية والدينية ودواعي الشعور بالتهميش. وتؤكد هذه الدراسة على ان وضع سياسات فعالة لتعزيز المساواة لن ياتي بدون عزيمة جماهيرية تجعل الحكومة تغير السياسات المؤدية الى عدم المساواة.

اما الاجراءات التي يتوجب اتخاذها فتلخصها الدراسة في اولا: وجود برلمانات تمثل المجتمع تمثيلا صحيحا وتعمل على وضع تشريعات تحد من الفوارق الاجتماعية والامتيازات المكتسبة للحكومات من طول بقائها في السلطة كما هو الحال في الكثير من الدول العربية. وبالتالي فان النزاعات التي يولدها التلاعب في الانتخابات لاتساهم في تعزيز الشعور بالمشاركة الحقيقية بل تعمق الشعور بالعزلة والتهميش. تورد هذه الدراسة ماليزيا كمثال للاجراءات الايجابية التي يمكن ان تتخذها الدول لتقليل الفوارق بين مكونات المجتمع بما في ذلك التوظيف. فقد تمكنت ماليزيا من معالجة الصراع السياسي وتفرغت لقضايا التنمية بنجاح.

ثانيا : يرى التقرير ان نظام الضرائب وتوزيع الثروة العادل الذي يوجه الاموال من الاغنياء الى الفقراء يوحد المجتمع حول اوجه صرفها بعدالة لمصلحة الجميع. فقد اثبتت الدراسة وجود علاقة طردية بين نظام الضرائب والتمثيل الديمقراطي. وتبين ان المشاركة السياسية والاعتراف بحقوق الاقليات وحرية الحصول على الخدمات ساهم بشكل كبير في تخفيف اضرار الفقر في روندي واثيوبيا مثلا. ثالثا: تحقيق العدالة من خلال سياسة توزيع الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والاسكان والمعونات الاجتماعية. فمثلا نجد ان ايرلندا استطاعت ان تنهي صراع استمر ثلاثة عقود من خلال مثل هذه السياسات العادلة. رابعا: محاربة الفساد، تحتاج الدولة الى وضع سياسات تحد من جميع انواع الفساد على ان يكون تعريفه خاص بكل بلد وليس التعريف الغربي الذي لا يناسب بعض حالات الفساد في الدول العربية. فمثلا في بيرو اتضح ان الفقراء يدفعون نسب اعلى من دخلهم على الفساد للحصول على خدمات اكثر من الاغنياء.

اما بخصوص تطبيق هذه الاجراءات فان الدول تختلف في امكانيتها، فمثلا في الدول الفقيرة الافريقية نجد ان احد معوقات تطبيق هذه الاجراءات هو قلة الموارد المالية. اما في الدول العربية فان الوضع قد يكون العكس. حيث ان الصراع على الثروة والاستئثار بها هو المعوق وليس قلتها. 

اما المخاطر الناتجة عن عدم تطبيق مثل هذه السياسات فقد لخصتها الدراسة في اولا الحروب الاهلية التي تستمر عقود تاكل الاخضر واليابس وتعرض البلد الى الانقسام والتخلف. ففي نفس الدراسة التي قام بها المركز (اكسفورد) والتي شملت تسع دول منها الولايات المتحدة الامريكية والبرازيل وشمال ايرلندا تبين ان في هذه الدول نتج عن الشعور بالغبن والتهميش اضطرابات وعنف داخلي، بينما في دول مثل ماليزيا وسريلانكا واوغندا نتج عن هذا الشعور تعديات ونزاعات ملسحة. تخلص الدراسات الى ان هناك علاقة وطيدة وارتبطاب طردي بين الفقر وعدم المساواة والمشاركة السياسي والعنف في المجتمع. والسودان وما تتعرض له من تقسيم مثالا صارخا لهذه الحالة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *