نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. لماذا ترفض تشريعية النواب هيئة مكافحة الفساد ؟

تاريخ النشر :24 يناير  2012

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في مقالنا السابقع (اخبار الخليج 17 يناير 2012) تطرقنا الى عدد من المراسيم والقوانين التي مررها مجلس النواب بالرغم مما فيها من تراجع في مستوى الحريات. من بين هذه القوانين قانون الجمعيات والاندية الذي نقاشه مجلس الشورى واعترض عدد من الشوريين على ما تضمنه من الزام الموظف باخذ اذن الوزير للانضمام الى جمعية ما. وعلق احدهم بان مثل هذا الاجراء لم يكن مطلوبا حتى في ايام قانون امن الدولة. كما مرر النواب مرسوما بقانون يمنح دائرة الشئون القانونية حق تفسير مواد دستورية وهي جهة تابعة للسلطة التنفيذية. ومرة اخرى اعترض مجلس الشورة ومرره النواب.

السؤال الملح الان هو كيف تمر مثل هذه القوانين على مجلس النواب وهو الجهة المفترض ان تكون الراعية للحريات والتي تمثل المجتمع، ومن المفترض كذلك ان يكون النائب اكثر حرصا على حرية المواطن وعلى تقوية ادوات المجتمع الرقابية وقدرته على المساءلة والمحاسبة؟

ان تمرير مثل هذه القوانين يدعو الى الريبة والتساؤل، هل فعلا هؤلاء نواب الشعب؟ وعند الاستفسار من احد النواب عن سبب تمرير مثل هذه القوانين، تعذر بان هناك احراجا في رفض مرسوم، وهذا جواب لا اعتقد انه مقبول لدى اي مواطن وضع ثقته في مجلس النواب. فاذا تحرج النائب من ممارسة حقه الدستوري في مناقشة مرسوم فكيف سيتصدى مثل هذا النائب لقضايا اكبر مثل الفساد واستجواب وزير او طرح الثقفة، وهل سيكون الاحراج هو المعيار؟

هذه المقدمة نسوقها لبيان ان النواب قد لا يكونون موفقين في كثير من قراراتهم، ليس لجهل او غفلة ولكن بسبب سوء تقدير متاثرين بالظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وقد اكد لي احد النواب ان هذا المزاج العام موجود لدى النواب، والدليل على وجوده هذا المزاج المفَرِّط في مصلحة المجتمع هو رفض تشريعية النواب انشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد. علل النواب ذلك بانهم اعتمدوا على رأي مستشار “جهة مختصة” افتت بان المعاهدة الدولية لا تلزم الدول بانشاء مثل هذا الجهاز وهو اختياري. اما المستشار القانوني النيابي فيعلل ذلك بان وجود هيئة لمكافحة الفساد في البحرين قد يعطي صورة للخارج بان لدينا فسادا. لا اعتقد ان هناك دولة لا يوجد بها فساد واخفاء ذلك او تجاهله او التظاهر بعدم وجوده هو كمن يدفن رأسه في التراب.

اما فيما يتعلق بعدم وجوب انشاء الهيئة بموجب المعاهدة الموقعة مع الامم المتحدة فنقول حتى لو لم تكن هناك معاهدة او اي الزام دولي ، الا يتطلب الفساد ايجاد مثل هذا الجهاز؟ فحالات الفساد موجودة في تقارير هيئة الرقابة المالية والادارية على مدى ثماني سنوات من دون ان يتغير سلوك المفسدين والمتجاوزين والحالات التي كشفها مجلس النواب كفيلة بان تجعل وجود مثل هذا الجهاز حاجة ملحة وضرورة اساسية يطالب بها النواب انفسهم. 

عود الى الاتفاقية التي يرى النواب انها لا تلزمهم فان المادة السادسة تنص بان “تكفل كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الاساسية لنظامها القانوني، وجود هيئة او هيئات، حسب الاقتضاء، تتولي منع الفساد، بوسائل مثل تنفيذ السياسات المشار اليها في المادة (5) من هذه الاتفاقية، والاشراف على تنفيذ تلك السياسات وتنسيقها، عند الاقتضاء، كما تنص المادة على “زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها”. على ان تمنح كل دولة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكين الهيئة من القيام بوظائفها” بصورة فعالة وبمنأى عن اي تاثير لا مسوغ له”.

الهيئة التي تنص هذه الاتفاقية على انشائها تقتصر مهمتها على وظيفة الوقاية او المنع. اما في البحرين في وضعنا الراهن فنحن بجاجة الى هيئة لديها من الصلاحيات لتقوم بثلاث وظائف مطلوبة لمحافحة الفساد بشكل فعال على غرار ماهو موجود مثلا في هونج كونج او استراليا او سنغافورة او غيرها. وجميع هذه الدول لها مراكز متقدمة في مؤشر مدركات الفساد. بالاضافة الى الوظيفة الاولى كحد ادنى والمتمثلة في المنع والوقاية من خلال اقتراح التشريعات التي تعزز الشفافية في التعاملات وفي الموازنات الحكومية وفي التعامل مع ايرادات واملاك الدولة وتفعيل قانون كشف الذمة المالية، فان الهيئة المطلوبة في البحرين يجب ان تقوم بوظيفتين اخريين هما الكشف والتحري من خلال عمل شبيه بالعمل الاستخباري، والوظيفة الثانية هي الردع من خلال صلاحيات المقاضاة عن طريق النيابة العامة.

بالاضافة الى هيئة مستقلة تقوم بكامل وظائفها، فان النجاح في مكافحة الفساد يتطلب ان تُمنح هذه الهيئة الصلاحيات الكافية لتحريك قضايا جنائية ضد المتهمين. واستكمالا لمنظومة مكافحة الفساد يتطلب الامر سلطات برلمانية لمساءلة مؤسسات السلطة التنفيذية واستقلالا قضائيا ونيابيا بحيث يمكن ان يحاسب ويقاضى كما يتطلب حرية اعلامية وحق الحصول على المعلومات لكي يتمكن المجتمع من تعقب الحالات المشتبه فيها.

واخيرا يتطلب الامر سن تشريعات تقنن استخدام وادارة الموارد المالية والطبيعية وحمايتها من العبث والقرارات الارتجالية والقوانين المجيرة. مثل هذه المنظومة لا يمكن ان تكتمل في ظل برلمان يتحرج حتى من استخدام حقه الدستوري.

ان اداء البرلمان هذا يجعلنا نعيد النظر في مطالبتنا بالحاق ديوان الرقابة المالية والادارية به. ومن الافضل الحاقه بمجلس الشورى حتى اشعار اخر.

ما نشر في الصحافة حول رفض المجلس انشاء هيئة مكافحة الفساد:-

أوصت لجنة الشئون التشريعية والقانونية بمجلس النواب في تقريرها الذي يعرض على مجلس النواب في جلسته يوم الثلثاء المقبل برفض مشروع بقانون بإنشاء هيئة مكافحة الفساد. وقالت اللجنة في تقريرها إنها تداولت المشروع بقانون ومواده، وسعت من خلال مناقشاتها واستعراضها للآراء بشأن المشروع بقانون إلى النظر في ما يستهدفه من إنشاء هيئة وطنية مستقلة عليا لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسيه، إلا أنه بالنظر إلى رأي الجهات المختصة ورأي المستشار القانوني لشئون اللجان تبين للجنة أن الاتفاقية (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعتها البحرين) لا تلزم أعضاءها بإنشاء هيئة أو هيئات متخصصة لمكافحة الفساد، وإنما لكل دولة من الأعضاء أن تترخص في ذلك بقدر ما تراه ملائماً بحسب الأنظمة والقوانين المعمول بها في الدولة.

ومن الثابت من خلال القوانين المعمول بها في مملكة البحرين تعدد النصوص التي تتضمن تجريم الكثير من جرائم الفساد، وبالتالي فإنه من الممكن الاكتفاء بتعديل القوانين القائمة في هذا الشأن كي تتناول أوجه الفساد التي لم ترد ضمن نصوصها، وعليه فقد قررت اللجنة رفض المشروع من حيث المبدأ. وبحسب المشروع بقانون؛ فإن الهيئة تتولى العديد من المهام؛ منها: إعداد وتنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد، وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وإعداد وتنفيذ الآليات والخطط والبرامج المنفذة لها، اتخاذ التدابير الكفيلة بالتعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع، توسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد ومكافحته وذلك بمشاركة منظمات المجتمع المدني. بالإضافة إلى دراسة وتقييم التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد لمعرفة مدى فعاليتها، واقتراح التعديلات لمواكبة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صدقت عليها مملكة البحرين أو انضمت إليها. فضلاً عن تلقي التقارير والبلاغات والشكاوى بخصوص جرائم الفساد المقدمة إليها ودراستها والتحري حولها والتصرف فيها وفقاً للقوانين المعمول بها، وتمثيل مملكة البحرين في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد, والتنسيق والتعاون مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والعربية ذات الصلة بمكافحة الفساد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *