نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

لمال العام وخيارات الحكومة الجديدة 

  تاريخ النشر :٧ أكتوبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- انخفاض سعر النفط يتطلب إعادة نظر شاملة في سياسات الانفاق وإدارة الإيرادات لتكون في صاحل تنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل مجزية. نقترح استغلال جزر البحرين للسياحة ومشاريع اقتصادية وزراعية خصوصا الجزر القريبة من الجسر. كما نقترح ضرائب على الأملاك بخلاف السكن.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13711/article/46414.html

 انخفاض سعر النفط يجعل البحرين تمر بمرحلة صعبة تحتاج إلى إعادة النظر في بعض المسلمات للخروج منها. إعادة النظر هذه تتطلب جوًّا من الحرية في النقاش وطرح الحلول والخيارات بعيدا عن المجاملات والمحسوبيات، فنحن نتحدث عن مستقبل المجتمع بأكمله ومستقبل الوطن وربما منطقة الخليج. الأسلوب السائد في الحوار وفي طرح القضايا بِطُرق فيها تورية ومجاملة لن يكون في مصلحة المجتمع ولا في مصلحة السلطة ولا في مصلحة الوطن. تقتضي المصلحة العامة الخروج من مجرد ملامسة القضايا إلى مناقشة صريحة تفيد المجتمع والبلاد. إعلانات الإشادة بالحكومة الجديدة التي صدرت عن مجلسي النواب والشورى هي مثال صارخ على المجاملات. صدرت الإشادة من دون أن تعرف هذه الجهات لماذا تم اتخاذ هذا القرار وماذا ستفعل الحكومة الجديدة لمعالجة قضايانا الاقتصادية الملحة. 

 في هذه المرحلة علينا أن ندرك أنّ رفع الدعم عن المواد الغذائية وعن المحروقات والكهرباء سوف يهدد الأمن والاستقرار، لكونه يمس دخل المواطن ومستوى معيشته. لذلك فمهما ضعف المجتمع بسبب وجود العمالة الاجنبية بينه لن يستمر هذا الضعف عندما تتأثر معيشته ورزقه وكسبه وسوف يطالب بإصلاحات جذرية، وتطوير بعض مواد الدستور التي لا تعبر عن طبيعة العلاقة السليمة بين المجتمع والمال العام والسلطة. ومن ناحية أخرى سوف يطالب بتغيير النظرة إلى التنمية التي تختزلها بعض الجهات في إنشاء طرق ومبانٍ وجزر بذخية، وتبذير في مظاهر لا تفيد المواطن في شيء. وإذا ما ترافق ذلك مع قلة وفرة فرص العمل وفقدان الشعور بمقومات المواطنة، حينها لن تجدي التصريحات المؤكدة بأن المواطن هو غايتنا ورخاؤه همنا في تهدئة الناس. هذا يعني أننا أمام وضع مختلف عن السابق، وضع يتطلب إعادة تعريف مفهوم الأمن الوطني والاستقرار والتنمية والمصلحة العامة. 

 التركيز على تقليل المصاريف فقط كما هو حاصل الآن لا يجدي. إن أمام الدولة وسيلتين متلازمتين لمعالجة انخفاض أسعار النفط، هما تقليل المصاريف، وتنويع مصادر الدخل. غير أن مشاركة المجتمع في طرح ومناقشة الخيارات المؤثرة في الحالتين يحتاج إلى فتح المجال واسعا لحرية التعبير والصحافة وطرح الأسئلة التي تطول الموازنة والإنفاق من دون أي قيود، وطرح الأسئلة حول جميع الإيرادات والإنفاق في جميع المؤسسات الرسمية، ومناقشة أوجه الإنفاق خارج الموازنة والتي تستهلك الكثير من الإيرادات العامة. 

 بالإضافة إلى فتح مجال الحوار المجتمعي في الصحافة، نرى أن الأمر يتطلب أن يتحمل المجتمع بكامله المسؤولية في معالجة هذا الوضع. هذا يعني إفساح المجال للمجتمع للمشاركة السياسية الحقيقية في البحث عن بدائل وحلول، يتم ذلك من خلال تفعيل روح الدستور في كون الشعب هو المالك للثروة الوطنية، ومن حقه أن يحاسِب عليها. 

 لذلك فإنّ المعالجة لا بدَّ أن تشمل الحل السياسي الذي يحرر طاقات المجتمع في الإبداع والمناقشة الحية الصريحة والمفيدة للمجتمع والدولة. على أن يشمل البحث في الخيارات المحققة للتنمية والأمن والاستقرار وطرح جميع البدائل وتداولها بشكل عقلاني بنّاء، وعدم الاعتماد فقط على حلول مؤقتة. أما استمرار نفس الأجواء فسوف توقعنا في أخطاء أخرى أكثر. 

 ثانيا: تفعيل روح الدستور بشأن بعض مواده وإعادة التوازن فيها وتفسيرها في صالح المجتمع، وخصوصا تلك المتعلقة بإدارة المال العام والحق في توزيعه وحماية أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية من الإغراءات من خلال التعيين في مناصب تنفيذية. المواد رقم 9، 11، 33، 78، جميعها تتحدث عن المال العام وحرمته وضرورة حمايته وإدارته في صالح المجتمع، وتشرك في هذه الحماية القيادة والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. أليس من البديهي أن يكون للمواطن والمجتمع حق في معرفة مقدار هذا المال وأن يطالب بإدارته بما يخدم مصالحه؟ وهل يجوز مطالبة المواطن بالتضحية ورفع الدعم عنه وتحميله ضرائب من دون أن يعرف كيف يتم الصرف؟ 

 بالإضافة إلى الحل السياسي وتفعيل روح الدستور، نرى ضرورة التركيز على الجانب القيمي. هذا يحتاج إلى تقديم قدوة في التضحية والإيثار من شأنها أن تغرس في المجتمع روح التضحية وتقنع المواطن بأن المصير مشترك في هذا الوطن. أي أن تقدم جهات الدولة القدوة في التضحية وإيثار المجتمع على المصالح الخاصة. وأول هذه المبادرات التي سيكون لها تأثير إيجابي على المجتمع ماديا ومعنويا هو تحويل بعض الجزر إلى مشاريع سياحية وصناعية وزراعية تسهم في جذب السياحة الخليجية. هذا المشروع سيكون ذا مردود اقتصادي. 

 المشروع الثاني المؤثر على الدخل بشكل مباشر وسريع ولا يضر المواطن هو فرض ضرائب وفق المادة 15 من الدستور. على أن تكون البداية ضريبة على الإيجارات بنسبة لا تقل عن خمسة في المائة من الدخل السنوي وفرض ضريبة على الأراضي بواقع اثنين في المائة سنويا من القيمة السوقية على الأملاك الخاصة الموهوبة لمختلف الجهات والشخصيات والتي مازالت بحوزة الموهوب له -بخلاف سكنه، على ألا يستثنى أحد من هذه الضرائب. أما رفع الدعم فإنه لن يعالج شيئا ويُحمِّل المواطن أوزار عدم القدرة على تنويع مصادر الدخل. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *