نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  مؤتمر التغير المناخي.. حكم القوي على الضعيف!

  تاريخ النشر :١٦ ديسمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- الدول الكبرى مسئولة عن التلوث البيئي ويجب ان تتحمل عبئ الحلول. 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13781/article/58008.html

 وسط قناعة (ربما) بأن تغير المناخ ازمة شاملة ومستمرة وهي مسؤولية الجميع، بدأت اجتماعات المؤتمر الواحد والعشرين بشأن التغيير المناخي في باريس بحضور ما يزيد على أربعين ألف مشارك بينهم 150 رئيس دولة وحكومة، وعلى طاولة النقاش اتفاقية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض ضمن سقف لا يتجاوز درجتين. يهدف المؤتمر إلى صياغة أول اتفاق عالمي تلتزم به الدول بتقليص انبعاث الغازات السامة.

 الدول الكبرى هي المسؤولة بشكل أكبر عن انبعاث الغازات. فمثلا تنتج الدول العشر الأكبر ما يقارب 70% من الغازات السامة والمؤثرة على ارتفاع الحرارة، نصيب أمريكا والصين وأوروبا نصف الانبعاثات الكلية. وتشترك بقية دول العالم في 30% فقط. وتمثل عمليات انتاج الطاقة 35% من مجمل الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاق الحرارة.

 في الافتتاح قال الرئيس الفرنسي اننا «نبحث مستقبل كوكبنا ومستقبل الحياة»، فيما يرى الرئيس الأمريكي انه لا يوجد تضارب بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، ولا ندري كيف توصل إلى هذا الرأي؟ حيث إنَّه في نفس الوقت يقول ان «الوقت أصبح متأخرا للتحرك لحماية البيئة»! أما الرئيس الروسي فيدعو إلى اتفاق ملزم ومنصف، فيما ذهب الأمين العام للأمم المتحدة إلى الدعوة بعدم الاكتفاء بأنصاف الحلول، وذكَّر رؤساء الدول بأن «مصير الاتفاق ومستقبل شعوبكم ومستقبل كوكبنا» بين أيديكم. فهناك بحيرات تجف ونزاعات وكل منهما تجبر السكان إلى النزوح وما يترتب على ذلك من صراع على الموارد. الأموال المطلوبة لحماية البيئة تزيد على مائة مليار دولار سنويا بدءا من عام 2020، ومع ان هذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع الا ان الدول الغنية الصناعية مطالبة بتوفير النصيب الأكبر من هذه الأموال.

 ارتفعت الأصوات حول العالم تطالب بإحداث تغيير حقيقي في مستوى انبعاث الغازات الضارة وتحديد مسؤولية الدول تجاه إحداث هذا التغيير. فهل ينصت القادة المجتمعون إلى هذه الأصوات أم انهم سيلتزمون بمصالح المؤسسات الكبيرة ومصالحهم السياسية في إعادة الانتخاب؟ ينعقد المؤتمر وسط تناقضات فجة بين مصلحة الدول الصناعية الآنية والانتخابية ومصلحة البشرية في حماية البيئة. تناقض بين الحفاظ على البيئة وبين توفير فرص عمل لمعالجة الاستقرار السياسي، تناقض بين توفير مستوى معيشة اقتصادية وبين توفير حياة صحية.

 غير ان سلوك الساسة والقادة والحكومات في سعيها نحو التنمية السريعة ومن خلالها تحقيق الاستقرار السياسي فإنها تسرع في التدهور البيئي. هذا التدهور سوف يسهم في زيادة النزاعات بين الدول على الموارد وخصوصا على مياه الأنهار والامن الغذائي، وقد يفاقم قضية تدفق اللاجئين على الدول الغنية. ناهيك عن ارتفاع منسوب المياه الذي سوف يطمر الكثير من المناطق الساحلية والجزر بالإضافة إلى القضايا القانونية التي تنشب بين الدول من جراء التسبب في تلوث أجواء دول أخرى. لهذا التلوث نتائج تنعكس على الاستقرار كما حدث في سوريا بسبب الجفاف ونزوح من الريف إلى المدن والمجاعة التي نتجت عن ذلك وعجز الحكومة عن وضع الحلول.

 مع تعالي الأصوات المطالبة بمعالجة الاحتباس الحراري تظهر التناقضات والصراعات بين الدول على من يقدم التنازلات والتضحيات. أكّد الرئيس الفرنسي على أهمية الربط بين التغيير المناخي ومحاربة الإرهاب على انهما اكبر تحديات تواجه العالم، ووضع قادة العالم امام مسؤوليتهم في حماية هذا الكوكب من تبعات التلوث البيئي. لكن الصراعات برزت حتى قبل انتهاء المؤتمر بين الدول الصناعية الكبرى وبين الدول النامية. فالسياسات المناخية في دول الجنوب تحتاج إلى تمويل وهذا مطلوب توفيره من دول الشمال الصناعية وفي نفس الوقت تطالب دول الجنوب النامية بالسماح لها بالتطور (أي الا تلتزم الدول النامية بنفس المعايير التي تُفرض على الدول الصناعية) لتتمكن من تحقيق أهداف التنمية ورفع مستوى معيشة شعوبها. هذا الصراع يمثل صراعا بين القوي والضعيف. فالدول الصناعية ترفض تحمل مسؤولية عن مستويات التلوث على مدى عقود من الزمن وهي الآن تطالب الدول النامية بالحد من نموها لمعالجة ما افسدته الدول الصناعية الكبرى.

 المشكلة التي يعاني منها العالم هي ان الحلول المؤثرة تتطلب تطبيقا من الدول الكبرى قبل الدول النامية. لكن القانون يضعه الأقوى وبالتالي فإنّ إمكانية التطبيق في مثل هذه الحالات تكون متروكة لحسن سلوك الدول ولا يوجد أي إمكانية تطبيق أي عقوبات على الدول الصناعية الكبرى مثل أمريكا والصين بسبب عدم الالتزام أو عدم التوقيع. الوضع الدولي شبيه بوضع الكثير من الدول العربية التي ترزح تحت وطأة اللاعدالة وتسلط القوي على الضعيف في وضع القوانين والاستئثار بالقرارات والانفراد بتوزيع الثروات. وبطبيعة الحال يتم ذلك في تجاهل تام للعدالة وتطبيق اعمى لتسلط القوي على الضعيف.

 لا تختلف هذه القضية عن القضايا السياسية والاقتصادية الأخرى التي ينحصر فيها صنع القرار وسن القوانين والتشريعات ووضع الأنظمة في يد الجهات الأقوى والتي تسعى إلى تحقيق مصالحها الضيقة والانية إما للمحافظة على مكاسب وامتيازات اقتصادية وإما لتكريس مصالح سياسية. من يضع القانون سواء كان على مستوى العالم أو على مستوى الداخل في كل دوله هي الطبقة الحاكمة التي تجير القوانين لصالحها وليس للصالح العام مطمئنة من انها بعيدة عن المساءلة والمحاسبة الشعبية.

 الوضع البيئي يفرض على الدول الصغيرة والجزرية، (ومنها البحرين) التي ستتأثر بنتائج ارتفاع الحرارة، وضع حلول احترازية طويلة المدى تحميها من المخاطر المناخية قدر الإمكان. من هذه المخاطر ارتفاع منسوب البحر وطمر مساحات كبيرة من الأرض. إلى اليوم لا توجد لدينا خطة طويلة المدى أو حتى متوسطة للتعامل مع هذه المخاطر. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *