نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ماذا بعد اعتذار فضيلة الشيخ عائض القرني؟

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15027/images/Untitled-13.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٥ مايو ٢٠١٩ – 01:24

مقال الاسبوع- هل يكفي اعتذا الشيخ عايض القرني عن ما قام به اثناء الصحوة من التشديد والتعيسير والدعوة الى العنف. يقول انه انتقل الان الى الاعتدال ومن التقليد الى التجديد. الاعتذار لوحده لا يكفي بل يجب أن يرافقه أولا، توبة وتجنيد علمه وقدراته في المراجعة والتنقيح وأن يكون داعية لتجديد الخطاب الديني، وان يكون عند كلمته في الانتقال من التقليد إلى التجديد الحقيقي المرتكز على القرآن والسنة الصحيحة المتواترة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1167056

تناولت مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي تسجيلا في قناة روتانا الخليجية لفضيلة الشيخ عائض القرني، أحد أبرز قيادات «الصحوة»، يعتذر فيه للشعب السعودي باسم الصحوة، ويقول «إنني بشر ولست نبيا، وما منا إلا راد ومردود عليه إلا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)» ويعتذر للمجتمع السعودي عن كل ما بدر منه من تشديد ومخالفة لسماحة الإسلام ومخالفة للكتاب والسنة ومخالفة الدين المعتدل الوسطي الذي يمثل رحمة للعالمين». 

ويواصل بأنه الآن مع «الإسلام المنفتح على العالم الوسطي الذي نادى به سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي هو ديننا، وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين»، وأنه الآن انتقل من «التعسير إلى التيسير ومن التنفير إلى التبشير ومن التقليد إلى التجديد وإلى السماحة التي هي صورة ديننا»، وأن ندعو العالم «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». ويضيف أنه اكتسب زيادة معرفة، واكتسب من مجالسة المفكرين والعلماء والحكماء. 

اعتذار الشيخ عائض القرني -وإن كان متأخرا- شجاعة منه وإقرار بالخطأ. لكن السؤال هل يكفي هذا الاعتذار لإصلاح الضرر الذي وقع على الأمة من مثل هذه التوجهات المتطرفة والمتشددة التي ابتدعت نهجا غير الدين الإسلامي السمح؟ سؤال طرحته الصحافة ونطرحه ونناقشه.

هل تكفي تراجعات «الصحوة» واعتذار الشيخ القرني عن فتاوى التكفير، هل تكفي لاستعادة الإسلام من الاختطاف، وتشويهه بفكر متشدد تكفيري أسسه علماء قد يكون لهم عذرهم في وقتهم المضطرب والمشحون سياسيا، فصدرت منهم فتاوى ربما كانت صالحة لوقتهم ولكنها لا يمكن أن تكون صالحة لزماننا.

 الفكر التكفيري المتشدد من أي جهة كانت أخذ الإسلام نحو معاداة بين مكونات الشعوب والدول ومعاداة العالم بحجة نشر الدين، في الوقت الذي يقول المولى عز وجل «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة» وقوله تعالى: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» وقوله تعالى: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». 

لذلك فإن الاعتذار لوحده لا يكفي بل يجب أن يرافقه أولا، توبة وتجنيد علمه وثقافته الواسعة في المراجعة والتنقيح وأن يكون داعية لتجديد الخطاب الديني، كما قال في كلمته «من التقليد إلى التجديد». 

في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يتمتع رجال الدين بحظوة لدى الحكام ومكانة اجتماعية لدى العامة وخصوصا غالبية الشعوب ومن ثم فإن عليهم مسؤولية كبيرة تجاه الأمة وتجاه تقدمها وتخلصها من مخلفات القرون الوسطى العربية والإسلامية. القرون التي توقف عندها الاجتهاد وساد فيها الفكر المتشدد. وتأججت الخلافات بين المذاهب ونشطت فيها عمليات الوضع والدس في التراث والتاريخ.

ثانيا: يجب أن تعني التوبة أول ما تعنيه مراجعة كتب التراث التي اعتمد عليها الشيخ القرني في بنائه الفكري، وتنقيتها من كل ما يخالف القرآن والسنة الصحيحة المتواترة، وأن تكون التوبة فكرية وعلمية وأن تُنشر بنفس الحماس والهمة التي نشر بها الفكر المتشدد الذي ساد في الأمة على مدى أربعة عقود وأنتج عقولا فقدت سعة الأفق.

ثالثا: لا يمكن أن يتخلص الدين الإسلامي من التشويه فقط بتوبة أحد أركان التشويه، لا بد أن يكون هناك عمل منظم تتولاه مؤسسات دينية متحررة من سطوة التقاليد وسلطة التراث، وسلطة السياسة. وأن تأخذ القرآن الكريم مرجعا تُرجع إليه كل التراث فتقبل ما اتفق معه وترفض ما اختلف معه. وفي هذا السبيل لا يكفي أن تقتصر الجهود على رجال المؤسسات الدينية فقط، حيث إن المنهجية المستخدمة في الدراسات الدينية قد تحتاج إلى مراجعة نفسها لكي لا تعيد إنتاج ما أفسد الدين، بل يجب أن تشمل الجهود إسهامات المفكرين والباحثين المتعمقين في الدين والذين أثاروا ويثيرون الكثير من القضايا المتعلقة بفهم القرآن والأحاديث والقضايا الفقهية. 

رابعا: تنقيح التاريخ الإسلامي من كل ما علق به نتيجة الصراعات السياسية التي حدثت في فجر الإسلام وقسمت الأمة إلى فرق مازالت متصارعة إلى اليوم بسببه، مستعينين في ذلك بكم كبير من الكتب التي تطرقت إلى هذا المجال وحددت الكثير من هذه الجوانب.

خامسا: أن يتخلى رجال الدين عن احتكارهم لفهم القرآن والسنة الصحيحة بحجة أن من يحق له الفهم هم فقط علماء الدين. الدين الإسلامي ليس دينا كهنوتيا وليس به رجال دين لكي يقتصر الفهم عليهم فقط. القرآن يخاطب الإنسان ويدعوه إلى التفكر ويدعوه إلى التيقن ويدعوه إلى التدبر وإعمال العقل (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر 17). هذا لا يعني استباحة الأمر للخوض في التفسير والفتوى، فهذه مدعاة إلى الفوضى. لكن هناك فرقا بين من يريد أن يفهم ما يقرأ ويقتنع بما يقرأ كفهم خاص له، وبين ما يُدرِّس في الجامعات والكليات الدينية. الفهم الشخصي مسؤول عنه الشخص نفسه أما ما يُدرس في الجامعات والمدارس فهذه مسؤولية المجتمع والأمة الإسلامية ومؤسساتها. وتنفيذ هذه المسؤولية تحتم على هذه المؤسسات اتباع كل ما يمكن أن يعالج الخلل الذي أصاب الفهم الديني. 

إن اعتذار الشيخ القرني في حد ذاته إقرار باحتمال وجود خلل في المنهج المتبع في فهم القرآن والأحاديث والتراث أدى إلى هذا الفهم الخاطئ للشيخ القرني وغيره؛ أي أن إقراره هو إقرار بالحاجة إلى المراجعة الشاملة لكي لا يخرج علينا بعد فترة داعية آخر يفسد دين الشباب ويجرفه نحو الانحراف والتدمير. كما أن إشراك المفكرين الذين استمع لهم الشيخ القرني وتأثر بهم وإشراك المجتمع في نتائج التصحيح سوف يكون له أثر إيجابي على الفهم العام وعلى تخليص التراث من كل ما علق به نتيجة اختلاف ظروف الفقهاء والمفتين أو تأثير الضغوط السياسية والمطاحنات الطائفية والعصبية التي مرت بها الأمة الإسلامية أيام النزاع على السلطة في صدر الإسلام وأيام التراجع ووقف باب الاجتهاد.

Mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *