نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا بعد خطاب جلالة الملك؟

تاريخ النشر :5 سبتمبر  2011 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ياتي خطاب جلالة الملك بعد فترة “مؤلمة لنا جميعاً”. نعم فقد كانت وماتزال كذلك ولكن الالم هو اول خطوات الاصلاح وهو المحفز لطرح المبادرات وايجاد الحلول، والمطلوب الان هو ان نتخذ قرارا بعدم السماح بتكرار ما حدث. هذا يتطلب اولا وقف التصعيد وبعدها نحلل الوضع ونتعلم مما حدث في بريطانيا حيث هب المجتمع يناقش اعمال العنف التي حدثت لمعرفة اسبابها. لم يقف المجتمع البريطاني عند رأي واحد بل راح يناقش ويحلل فاجتمع البرلمان ونشطت مراكز الابحاث لمعرفة اسباب ما حدث وتناولت الصحف مختلف وجهات النظر واتخذت مواقف مختلفة من الاحداث.  

نرى بان خطاب جلالة الملك وما سبقه من لجنة تقصي الحقائق تمثل فرصة لتدارك الامر قبل فوات الاوان. لن يهدأ المجتمع بمجرد الاقرار بالحاجة للوحدة الوطنية. التمنيات لا تكفي بل نحتاج الى جهد والى مبادرات وقرارات صعبة وشجاعة في التعاطي مع المواقف ونحن متيقنون بان جلالته سوف يتبع هذ الخطاب بالعمل على ازالة تاثير الاحداث الامنية والسياسية والاقتصادية وما يدفعنا الى ذلك قوله بان “ثقتنا وإيماننا بالمستقبل الواحد المشترك”، فالشعب البحريني هو بحريني لانه يتكون من هذا التنوع ولانه مر بتجاربه وبحواراته ومعاناته، هو شعب لانه عاش امتحاناته ونضالاته. لكن هذا التنوع يفرض علينا احترام خصوصيات كل منها كما يفرض علينا احترام حقوقها كافراد وجماعات وعلى كل فرد او جماعة ان تؤدي واجباتها تجاه الاخر وتجاه الدولة. 

لايمكن ان نتقدم ونحن في مثل هذه الحالة من الانقسام والمناكفة المستمرة. نحتاج النظر الى المستقبل واول خطواته حددها جلالة الملك في الاعتراف بالاخطاء وتصحيحها. هناك الكثير من الاخطاء ارتكبت في حق كل طرف، بعضها يتحمل مسئوليتها الحكومة بشكل مباشر وبعضها يتحملها المجتمع على اختلاف مكوناته وقواه السياسية (مقالنا السابق “الطريق الى ترسيخ الوحدة الوطنية”، اخبار الخليج 16 اغسطس). 

لا نحتاج الى ان نستشهد باقوال التجار ورجال الاعمال في تحليلهم لخطاب جلالة الملك، فقد اجمعوا على ان الامن والاستقرار اساس التنمية وجلب الاستثمار، وهذه بديهات لا يختلف عليها اثنان. فالابداع لا يعيش في دولة يحاسَب كل انسان على كل كلمة يقولها والفن لا يترعرع في ظل المحددات الكثيرة المفروضة عليه والعلم لا يتقدم في ظل المعوقات والصعوبات التي تعتري طريقه.  لكن السؤال هو كيف يتحقق هذا الامن والاستقرار وكيف نحافظ عليه؟ هذا ما تناولته كلمة جلالة الملك بشكل محدد ووضع جلالته المسئولية في الجميع. فكيف نظر جلالته السبيل لتحقيق هذه الوحدة. يلخص ذلك د. عمر الحسن (رئيس مركز الخليج للدراسات) ويضع عدد من التحديات التي وردت في الخطاب نذكر منها مايلي:

  1. ضرورة التطلع نحو المستقبل برؤية مجتمعية مشتركة. 
  2. أن قوة المجتمع تكمن في الاعتراف بالأخطاء التي شهدتها المملكة وفي اعادة الثقة بين أفراده كافة.
  3. التأكيد على دولة القانون والمؤسسات ونزاهة واستقلالية القضاء البحريني
  4. حماية حقوق المواطنين، وتعويض المتضررين منهم من سوء المعاملة خلال هذه الأحداث، 
  5. تطبيق أعلى معايير العدالة في درجات التقاضي التي كفلها الدستور
  6. اهتمام الملك بحفظ كرامة الإنسان وكفالة حقوقه ومبدأ العدالة للجميع.

والسؤال هو ماهو الحل وعلى من تقع مسئولية التعامل مع هذه التحديات؟ يقول جلالته “إن من مسئوليتنا أن نبادر إلى ما نود أن نرى شعبنا عليه”، ويواصل جلالته “إنه لا يرضينا أن يتعرض أي من أفراد شعبنا بما يمس أمنه وحريته ومصدر رزقه وتحصيله العلمي، بما يبقي في نفسه مرارة تؤثر على عطائه لوطنه”. ويؤكد رجل الاعمال حسن كمال بان مسئولية الاستقرار تقع “على عاتقنا جميعا كحكومة وشعب”. ويواصل بقوله “علينا التعاون لإعادة ترتيب الأوراق وتحديد الأولويات والمساهمة في تحقيق كل ما من شأنه دعم البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا”. اما فيما يتعلق بالحل فيمكن ان نسأل ماهي الاهداف التي نريد تحقيقها من خلال الحل؟ وما هو دور الشعب بمكوناته وقواه السياسية؟ و ماهي السياسات العملية التي سوف تنتهجها الدولة لتحقيق الوحدة الوطنية؟ 

جعل جلالة الملك الحل في تحقيق الوحدة الوطنية وربطها بالاقرار بالاخطاء التي وقعت في معالجة الاحداث وتصحيحها، ونضيف بان الاخطاء لا تقتصر على ماحدث في فبراير ومارس بل تحتاج النظر الى المشهد السياسي وتراكماته ونتائج هذه التراكمات في نظرة شمولية تضع الحلول لتجاوز هذه المرحلة والبدء في مرحلة جديدة، وليكن اول خطواتها ايقاف حملات العنف التي تدور في الشوارع والشحن الطائفي والحملات الاعلامية. وان نحاول بكل تجرد الاجابة على السؤال مالذي ادى الى هذه الازمة؟ وان نترك لكل طرف حرية التحليل والاجابة والنقاش وان نستمع الى هذه الاجابات بكل انفتاح دون تشكيك في النوايا. فمن هذا النقاش يمكن ان نستخلص حلول عملية مبتكرة تناسب وضعنا وتوفر على المجتمع معاناة الانشقاق الذي لن يكون في مصلحة اي طرف. 

لدينا فرصة سانحة علينا ان لا نضيعها وهي انتهاء لجنة تقصي الحقائق من مهمتها. بعدها يمكن ان نبدأ النقاش وننشئ هيئة الانصاف والمصالحة لنخرج منها بمشروع متكامل لنهضة سياسية واقتصادية تقوم على العدالة والانصاف والتنمية تنتشل البحرين من هذا المأزق وتزيل المرارات والاحقاد التي تَحَدث عنها جلالته، والله ولي التوفيق.

  1. الازمات المالية والمشاكلل الاقتصادية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *