نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1.  ماذا بعد رفض النواب مرسوم الدين العام؟

تاريخ النشر :١ أبريل ٢٠١٥ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الأسبوع- معالجة الدين العام تحتاج الى شفافية وافصاح عن دخل البحرين بالكامل وكيف يتم توزيعه، عندها يمكن للمواطن الثقة بالسياسات التي تريدها الحكومة لشد الاحزمة.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13522/article/14667.html

 في جلسة يوم الثلاثاء 24 مارس صوّت 29 نائبا لصالح رفض مرسوم يهدف إلى رفع سقف الدين العام إلى 7 مليارات دينار. وكما بينا في مقال سابق فإن خطورة الدين العام ليست في نسبتها من الناتج المحلي المرتفعة، ولكن الخطورة تكمن في قدرة البحرين على السداد. لخص ذلك وزير المالية الذي قال إن البحرين بحاجة إلى ارتفاع سعر النفط إلى 140 دولارا لتحقيق توازن بين الإيرادات والمصروفات. أي ان البحرين تبقى مضطرة إلى الاستدانة بشكل مستمر مما قد يجعل ارتفاع الدين العام مرضا مزمنا. ويعزز ذلك تصريح البنك المركزي في أهمية تخفيض الدين العام ويحذر من خطورته.

 بناء على حديث معالي وزير المالية فإن رفض المرسوم يعني ان الميزانية ستوضع على أساس 60 دولارا وبالتالي فإن كثيرا من المشاريع سوف تقف، وبحسب رئيس اللجنة فإن بعض المكتسبات مثل علاوة الغلاء وبدل السكن سوف تتأثر، والسؤال: كيف وصل الوضع في البحرين إلى هذا الحال؟ هل يكفي القول إن سعر النفط هو خارج سيطرة الحكومة؟ الجميع يدرك تذبذب سعر النفط وأنه يخضع لتقلبات السوق وسياسات الدول الكبرى، لماذا لا نزال نعتمد على النفط وغير قادرين على تنويع مصادر الدخل بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين سنة على هذا الكلام؟ يقول احد النواب «نريد استراتيجية واضحة من وزارة المالية في كيفية زيادة الدخل». 

 الواقع ان الدين العام يمثل معضلة كبيرة كونه تضاعف أكثر من ست مرات منذ عام 2008، فقد كان اقل من مليار وتجاوز في 2014 الخمسة مليارات ونصف المليار دينار في حوالي ست سنوات. الحقيقة الثانية هي ان الدولة تدرك ضرورة وأهمية تنويع مصادر الدخل ولكنها إلى اليوم لم تنجح في ذلك. والحقيقة الثالثة هي ان الدولة مازالت تعتمد في إيراداتها على النفط بنسبة 86%.

 الحقيقة الرابعة ان المجتمع والنواب لا يعرفون كم الدخل بالضبط، وهناك حديث عن أبواب إنفاق خارج الموازنة. الحقيقة الخامسة هو ان المجتمع لا يعرف كيف يتم توزيع العوائد الاقتصادية. في ظل هذه الحقائق كيف ستتصرف الحكومة والنواب في إقناع المجتمع لكي يقف مع سياسات الدولة ومع جهود النواب في التغلب على الوضع الاقتصادي الراهن؟

 في دراسة للبنك الدولي في 2002 يقول إن الحكومات اعتمدت سياسات منذ الثمانينيات لإدارة الموازنات منها تقوية الميزانية هيكليا، تحصين الاقتصاد ضد معدلات التبادل التجاري، تحقيق العدالة بين الأجيال، اعتماد نظام ضريبي حديث، تحسين الحوافز للقطاع الخاص، إعادة توجيه النفقات (الدعم)، توسيع القطاع الخاص وفتح المجال للاستثمار الأجنبي وتحرير التجارة وفتح المنافسة، إصلاح سوق العمل وإصلاح التعليم والتدريب وبناء رأس المال البشري، والتكامل الخليجي. كل هذه السياسات تم تجربتها منذ الثمانينيات ولكن إلى الآن لم تنجح في تنويع الاقتصاد ولم تنجح في تحصين الاقتصاد من هزات أسعار النفط.

 في تقرير صدر عن معهد دراسات الأمن الوطني الأمريكي يرى ان قدرة دول الخليج على الصمود في وجه انخفاض سعر النفط محدودة، بسبب اعتمادهم على إيراداته للإنفاق على الخدمات المجتمعية التي تقدمها والتي تمثل ركنا من أركان الاستقرار في دول المجلس. وأي خلل في هذه الخدمات أو تقليص قد يؤثر على الوضع السياسي في المنطقة. تواجه دول الخليج جملة من التحديات منها إيجاد بديل للطاقة، حيث إن المنطقة أصبحت تستهلك نسبة كبيرة من إنتاجها من النفط، وإذا لم يتغير نمط الاستهلاك الداخلي قد تضطر السعودية إلى توريد النفط في مرحلة ما.

 والسؤال الذي يطرحه التقرير: كيف يمكن تعظيم الكفاءة الاقتصادية وتلبية متطلبات المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية من دون تعريض المجتمع لهزات اجتماعية وسياسية؟

 لجأت بعض الدول مثل سلطنة عُمان إلى فرض ضرائب وخصخصة الشركات لتمويل الميزانية. لكن هذا الحل يعالج العجز في الميزانية، ولا يعالج المشكلة الاقتصادية المتمثل في القدرة على خلق فرص عمل ومعالجة مستوى الفقر، ورفع الدعم من بعض السلع، بالإضافة إلى ان هذه الإجراءات تواجه خطورة تعريض الاستقرار للخطر. وفي ظل الزيادة السكانية السريعة فإن الخطر يتضاعف والحاجة لخلق فرص عمل تصبح قضية امن وطني.

 وزير المالية يرى ان تخفيض الإنفاق بشكل سريع غير ممكن والمطلوب «إعادة هيكلة لعملية إدارة المالية العامة» ومنها إعادة توجيه الدعم، ترشيد الإنفاق وتحسين الأداء، وتنفيذ برنامج الحكومة من ناحية ومن ناحية أخرى محاولة «إيجاد البنية الاقتصادية والتشريعية اللازمة لتعزيز عملية التنمية وتنويع مصادر الدخل». المشكلة ان هذا الكلام تم طرحه منذ الثمانينيات، ومازلنا غير قادرين على تنويع مصادر الدخل ولا نعرف ما هي البنية الاقتصادي والتشريعية التي يقترحها معالي الوزير. الدولة تدرك ان لها ثلاثة أدوار متكاملة ومترابطة، هي الأمن وتقديم الخدمات وتحقيق التنمية. الأمن والخدمات تحتاج إلى المال الذي توفره التنمية، لذلك فإن التنمية هي ركيزة الأمن القومي والاستقرار. هذا يفرض ضرورة التوازن في هذه المهام وعدم هيمنة أحدها على الآخر. فتحسين الخدمات والتنمية والعدالة والمساواة تسهم في تقليل الإنفاق الأمني والعكس صحيح.

 هذا الوضع يضعنا أمام خيار واحد وهو العمل الجاد على تنويع مصادر الدخل لرفع مستوى المعيشة مع اعتبار العدالة والمساواة في التوزيع للمحافظة على الاستقرار. تحقيق ذلك يتعثر في الوقت الحاضر لعدة أسباب منظومية أهمها عدم اعتماد الشفافية كسلوك عام يجعل المجتمع يثق بالسياسات المطلوبة لترشيد الإنفاق وتوجيه الدعم في قنوات تحقق أعلى قدر من الكفاءة والاستفادة وتحقق إمكانية الاستثمار، مع جهد حقيقي لتطوير التعليم وبناء اقتصاد منتج متنوع. 

 mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *