نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا بعد غزة (2)

تاريخ النشر : 19 يناير  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

اوشك العدوان على غزة انهاء اسبوعه الثالث وتستمرمنظمات المجتمع المدني البحريني في هبتها لنصرة غزة من مظاهرات واعتصامات وجمع تبرعات وتنظيم الندوات. فقد قامت جمعية الاصلاح وجمعية الوسط العربي الاسلامي وغيرها من الجمعيات بتنظيم حملة تبرعات، وقام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتنظيم زيارات لرؤساء الدول، ونظم علماء الشريعة الخليجيين ندوة تضامنا مع عزة. وتتوالى المظاهرات والتبرعات متماشية مع ما يشعر به البحرينيون تجاه اخوانهم في غزة. وكذلك الحال في جميع المجتمعات العربية والاسلامية وحتى المجتمعات الغربية، باستثناء المجتمع الرياضي الخليجي الذي اصر ان يقيم دورته الخليجية في موعدها بالرغم من الفاجعة التي تحل باخوانهم وبالامة العربية. يجري كل ذلك والانظمة العربية عاجزة على وقف هذه المجزرة بل وعاجزة عن توحيد كلمتها وعقد قمتها. وسوف ينتهي العدوان بقرار من مجلس الامن وتعود الانطمة العربية في قمع شعوبها. فهل سيعود المجتمع المدني الى سكونه وبياته الى ان تتجرأ اسرائيل مرة اخرى في عدوان اخر دون ان نستفيد من تجاربنا ودماء شهداءنا؟ 

يتساءل السيد زهرة في مقاله المنشور في اخبار الخليج (5-1-2009) بعنوان “كي لا تكون نهاية العرب”، ماذا بمقدور الدول العربية فعله؟ ويطرح بعض الخيارات الممكنة والتي عجز العرب عن استخدام اي منها. ويتساءل المفكر فهمي هويدي لماذا لم يؤدي الغضب العارم في العالم العربي الى تحريك السكون في بحر العرب الراكد، ويتساءل د. على فخرو عن المخاطر التي ستتحملها الدول العربية فيما لو رفضت الاملاءات الغربية والامريكية ورفضت التطبيع والمفاوضات العبثية والتنازلات المهينة واعتبروا امريكا عدوا وليس صديقا؟ ويقول بان “غياب معرفة المخاطر يسبب الفوضى التي تخيم على المشهد الفلسطيني”. ونحن بدورنا نلخص مايدور في الساحة المحلية والعربية في ثلاث تساؤلات مبدئية. اولا لماذا حدث العدوان على غزة من الاساس؟ وثانيا لماذا عجزت الانظمة العربية عن ايقافه؟ وثالثا ما دور المجتمع المدني في تفادي تكراره؟

بالنسبة لاسباب الحرب بحسب العدو الاسرائيلي، فان العدوان على غزة بدأ نتيجة اطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائلية، وقد سارعت الدول الغربية في تبني هذا الموقف وشاركتها في موقفها هذا بعض الانظمة العربية. هذا مثال صارخ على اجتزاء الاحداث من سياقها ومسبباتها. ان اطلاق الصواريخ لم يكن ليحدث لولا الحصار، ولم يكن الحصار ليحدث لولا مشاركة دول عربية في تنفيذه، ولم يكن الحصار ليحدث لو لم يحدث شرخ في الصف الفلسطيني، ولم يكن هذا الشرخ ليحدث لوتقبلت منظمة فتح والدول العربية “المعتدلة” والغرب نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها حماس. لم يكن ليحدث الانشقاق لو قبلت منظمة فتح المشاركة في تشكيل الحكومة الوطنية التي نادت بها حماس بعد فوزها مباشرة. هذا الحصار ادى الى لجوء حماس الى دول اقليمية للمساعدة فاستخدم ذلك فيما بعد ضدها لتكريس الفرقة. 

رفضت الدول الغربية فوز حماس بسبب رفض اسرائيل له، ولم تتصدى الانظمة العربية للشروط الجائرة التي فرضها الغرب على حماس ومنها الاعتراف باسرائيل دون ان تطالب هذه الانظمة العربية اسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية وبتنفيذ قرارات مجلس الامن والامم المتحدة، ولم تتصدى للتصلف الامريكي والغربي في مقاطعة حماس بل ساهمت فيه. لذلك يمكن القول بان العدوان على غزة بدأ منذ قبول الدول العربية بتلك الشروط ومناصرتها لفتح التي خسرت في انتخابات حرة ونزيهة واعتبارها شرعية حماس لاغية. واخيرا فان انقسام الدول العربية وموقفها من الحرب على العراق والنفوذ الايراني قسمها بين مؤيد لحماس ومعارض لها بناء على حسابات داخلية وعلاقات دولية ساهمت في تشجيع اسرائيل على العدوان. هذا العدوان لا يقتصر على عزة وحماس بل يطال روح المقاومة العربية التي تريد امريكا كسرها بمساعدة من انظمة عربية لصالح المشروع الصهيوني.

اما فيما يتعلق بعجز الانظمة العربية في منع هذه المجازر والتصدي للعدو الصهيوني ومناصريه من الدول الغربية في حين استطاعت دول مثل تركيا وفنزويلا من اتخاذ مواقف واضحة وقوية وجريئة في مواجهة العدو. يورد السيد زهرة عدد من الخيارات الممكنة والمتاحة للانظمة العربية والتي يمكن استخدامها للضغط على امريكا بايقاف العدوان على غزة منها ان يعلن القادة العرب الغاء المبادرة العربية للسلام؛ اعلان قطع العلاقات مع العدو الصهيوني؛ الضغط نحو اصدار قرار يعلن الكيان الاسرائيلي نظام فصل عنصري وفرض مقاطعة شاملة عليه؛ محاكمة قادة العدو الصهيوني كمجرمي حرب؛ التلويح باستخدام النفط والاستثمارات والعلاقات التجارية والسياسية من اجل الدفاع عن مصالح الامة، التلويح بفرض مقاطعة اقتصادية شاملة على كل الدول التي تدعم العدو الصهيوني، اعلانها بدعم كل فصائل المقاومة للعدو الصهيوني بكل سبل الدعم. ونضيف الى القائمة التلويح بفتح باب الجهاد. والسؤال هل هذه الخيارات متاحة للحكام العرب؟ نكمل في المقال القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *