نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا بعد مؤتمر نحو مجتمع الابتكار

تاريخ النشر : 10 ابريل  2010 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

انطلق يوم الاربعاء (17 ابريل الجاري) تحت رعاية نائب سمو رئيس الوزراء “مؤتمر ابتكار البحرين” كمساهمة مشكورة من مجلس التنمية الاقتصادية وصندوق العمل “تمكين” في تعزيز ثقافة الابتكار كونه اصبح موردا هاما ورافدا اساسيا في التنمية الاقتصادية في العالم. ياتي المؤتمر في سياق تطوير التعليم وتنمية القدرات البشرية وتشجيع الابداع والابتكار. ويهدف الى تحفيز الابتكار في المجتمع وتطوير السياسات الداعمة له والتعرف على الصعوبات التي تعترض طريقه. ويرى وزير الدولة للشئون الخارجية ورئيس مجلس ادارة تمكين الدكتور نزار البحارنة ان المؤتمر يشكل نقطة البداية لتوضيح ومناقشة المستقبل والنجاح في المجال الصناعي. يتضح من محاضرات الخبراء في الندوة ان الابتكار واقتصاد المعرفة يعتمد على عدة عوامل منها: اولا وضع سياسة وطنية، ثانيا ايجاد البيئة المناسبة، ثالثا تهيئة البنية التحتية البحثية، رابعا تعاون مركز الابحاث ومؤسسات الاعمال والحكومة، خامسا توفير التمويل والموارد اللازمين، سادسا تعزيز حرية التعبير والنشر، وسابعا وضع معايير القياس التي يمكن استخدامها لمتابعة النجاح في هذا المسعى. تم طرح عدد من المؤشرات مثل قدرة المجتمع على تحديد المعضلات والقضايا التي تحتاج الى بحث، ومدى قابلية الحلول للتطبيق. وقدرة هذه الحلول على الانتتشار والتغلغل في الصناعات الاخرى، وماهو المردود المادي من الابتكارات، وما تاثير الابتكارات في المجتمع، وعدد ونوعية المهندسين والتكنولوجيين الذين ينتجهم المجتمع؟

اثارت هذه العوامل ومعايير القياس اسئلة في اذهان الحضور، اولها كيف نحول الاقتصاد البحريني الى اقتصاد ابتكاري ابداعي معرفي؟ ثانيا ماهي الخطوات العملية التي علينا القيام بها؟ وثالثا ماهو دور الحكومة ومجتمع الاعمال والمؤسسات الاكاديمية والمجتمع في جعل ذلك حقيقة؟

ولكون معظم الخبراء المشاركين في الندوة هم من دول متقدمة فان تناولهم للعوامل والمؤشرات التي تطرقوا اليها تختص بمتابعة وتقييم تطور دولة متقدمة تتوافر فيها العوامل الاساسية والبنى التحتية للابتكار، لذلك لم يتطرقوا الى من المسئول عن وضع هذه العوامل الاساسية لمجتمع المعرفة، ففي الدول المتقدمة هناك مؤسسات تقوم بذلك تم تاسيسها منذ عشرات او مئات السنين. فمراكز الابحاث متوافرة والجامعات تقوم بدور التعليم القائم على البحث العلمي الاساسي والتطبيقي. كما توجد في الدول المتقدمة شركات كبيرة تمتلك الثروة وتتعاون مع الجامعات ومراكز الابحاث في تطوير منتجات ومعالجة مشاكل وقضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها. ومع ذلك فان الحكومات المحلية والمركزية تساهم في تمويل انتاج المعرفة مثل الجيش الامريكي وناسا وغيرها من الجهات التمويلية الحكومية. للاسف هذا الوضع غير قائم في البحرين. وافتراض ان الاسس اللازمة لتحفيز انتاج المعرفة سوف توجد بقدرة قادر او سيوفرها القطاع الخاص، كما يرى مجلس التنمية، امر غير واقعي ولا ينم عن رغبة اكيدة في تبني خيار الاقتصاد المعرفي.

ففي دولنا النفطية، الدولة هي التي تملك الثروة وليس الشركات، والحكومة بيدها القرارات الاقتصادية والتجارية والخدمية والمجتمع التجاري يعتمد على الانفاق الحكومي. كما ان العقلية السائدة في القطاع الخاص هي في الغالب عقلية تجارية تسعى الى الربح السريع ولا يمكن الاعتماد عليها في توفير التمويل لبناء مراكز ابحاث وجامعات مرموقة وتمويل ابحاث لا يظهر مردودها الا بعد عشرات السنين. وفي كلمته الافتتاحية شدد سمو نائب رئيس الوزراء على ان تعزيز ثقافة الابتكار يعتمد اولا على تطوير العنصر البشري، ثانيا توفير الادوات التقنية الحديثة وشبكة المعلومات. وثالثا ايجاد البنئة التحتية وقاعدة الاتصالات. لذلك تبقى التساؤلات حول من سيضع البنى التحتية ومن سيرسم السياسات البحثية والعلمية ومن سيهيئ البيئة المناسبة للابتكار، ومن سيشيع ثقافة حرية الرأي والبحث والنشر، وكيف ستتوافر المعلومات من الاجهزة الحكومية للبحث العلمي في القضايا الاجتماعية والاقتصادية؟ لم يتطرق المؤتمر الى هذه الاسئلة ونتمنى من مجلس التنمية الاقتصادي ان يكون اكثر وضوحا وواقعية.

ورد في الصحافة المحلية عن مقترح في السعودية بتشكيل وزارة للبحث العلمي يهدف الدخول الى “اقتصاد المعرفة” والتخفيف بذلك من اعتماد السعودية على عائدات النفط. كما ان التجربة الكورية واليابانية والصينية والسنغافورية كلها تشير الى دور اساسي وكبير للحكومة في وضع الاسس والتمويل المطلوب لتحفيز الابتكار والابداع والاقتصاد المعرفي. ان عدم وجود مراكز ابحاث ضمن استراتيجية وطنية تحدد اوجه البحث المناسبة للتوجه المستقبلي وتخصيص ميزانيات مناسبة (وليس فقط 3% من ميزانية جامعة البحرين) هو اهم عائق في سبيل ولوج الاقتصاد المعرفي والاعتماد على القطاع الخاص في ايجاد هذه البنية التحتية (بعد ان اتضح من تقرير املاك الدولة ان المال ليس مشكلة) هو اما انه احلام غير واقعية او تملص من المسئولية كما انه امر رفضه حتى الخبراء المشاركون الذين تباحثنا معهم في هذا الجانب.

وبعد هذا المؤتمر نحتاج الى خطوات عملية تجيب عن التساؤلا التي برزت. فمازالت الكرة في ملعب مجلس التنمية في تحديد امرين، اولا هل تريد اقتصادا معرفيا قائما على البحث العلمي وايجاد المعرفة من خلال الاستثمار في البنى التحتية والعقل البشرة تتولى الحكومة كرسي القيادة فيه وليس القطاع الخاص، ام تريد فقط الحديث عن اقتصاد معرفي يقتصر على استخدام تقنية المعلوما في الوزارات للتباهي به امام العالم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *