نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا وراء أرقام تقرير التنمية البشرية؟

تاريخ النشر :٢٥ أبريل ٢٠١٣ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقال الاسبوع تشير ارقام تقرير التنمية الى تناقض بين المراكز المتقدمة وبين الواقع المتردي في الاداء الاقتصادي، الارقام تخفي اخفاقات في تنويع مصادر الدخل

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12816/article/20856.html

 في الاسبوع قبل الماضي تحدثنا عن ما دار في حفل تدشين تقرير التنمية البشرية 2013 الذي وضع دول الخليج من بين الدول ذات الدخل العالي ومراكز متقدمة في سلم التنمية البشرية. وفي المقال اللاحق طرحنا مناقشة التعليم واسباب تدنيه المتمثلة في ضعف الكادر الوظيفي والمكانة الاجتماعية والوضع المادي المتواضع للمعلم. الآن سوف ننظر إلى مقياس التنمية البشرية وماذا يعني لدول مجلس التعاون وهل يمكن الركون إليه والاطمئنان إلى ما تشير اليه النتائج؟ 

 احتلت دول الخليج مواقع متقدمة توحي بتقدم اقتصادي كبير. فقد احتلت قطر المركز 36 والامارات 41 والبحرين 48 والكويت 54 والمملكة العربية السعودية 57 وعمان .84 جميعها تقع في التنمية المرتفعة او المرتفعة جدا. اصدر مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية مقالا مطولا يتحدث عن الاقتصاديات الخليجية وكيف انها تتمتع بمستوى عال من تنويع مصادر الدخل (اخبار الخليج عدد 12803). يعدد التقرير الانشطة التي تقوم بها دول الخليج لتنويع مصادر دخلها مثل: تنمية صناعات وصادرات المشتقات النفطية؛ تنمية صناعات تعتمد على الطاقة المتولدة من النفط والغاز؛ تنمية خدمات مرتبطة بقطاع النفط والفوائض المالية المتوفرة منه. هذه اربعة انشطة يرى مركز الدراسات انها تعتبر من تنويع مصادر الدخل. لا يحتاج القارئ إلى كثير من المعرفة الاقتصادية ليدرك انها جميعا تعتمد على النفط بشكل مباشر. اما النشاط الخامس وهو «تنمية صناعات احلال الواردات الصناعية والغذائية» فهذا النشاط يعتمد كذلك على وجود موارد مالية لشراء المواد الاولية ليتم تصنيعها، والنشاط السادس يعتمد على جذب استثمارات خارجية ونقل التكنولوجيا، وهذا النشاط يفترض استعداد الدول لبيع تكنولوجيتها المتقدمة. 

 هذه الانشطة التي يعتبرها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية على انها انشطة تمثل تنويع مصادر الدخل، نرى انها مازالت إما تعتمد على النفط وإما مرتبطة به بشكل مباشر. وهكذا فان السياسات المتبعة حاليا لن تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل بما يكفي للتعويض عن العوائد النفطية. لكي نستفيد من هذا التقرير يتوجب ان نقرأه في مجمله واستخلاص ما تمثله المؤشرات والعلاقات بينها. والان لنطرح السؤال الأهم: على ماذا اعتمدت النهضة في دول الجنوب؟

 اولا لتقدير مستوى الانجاز لدول الجنوب ننظر إلى تجليات النهضة هذه. يقول التقرير ان الناتج القومي للصين والهند والبرازيل قد تساوى مع الناتج القومي للدول الست المتقدمة (امريكا وبريطانيا وألمانيا وكندا وفرنسا وايطاليا). ويقول التقرير انه عندما توقف النمو في البلدان المتقدمة على أثر الأزمة المالية التي وقعت في عامي ؟ 2008و 2009، استمر النمو في البلدان النامية، هذه الظاهرة أثارت اهتمام العالم بأسره. فما هي معالم هذه الظاهرة؟ أهم خاصية مكنت بعض دول الجنوب من تبوء المكانة المتقدمة هي القدرة الابتكارية التي ارتفعت بفعل التكنولوجيا ونظم التعليم المتطورة. اعتمدت على عوامل ليست كلها اقتصادية بل امتزجت بالاصلاح الاجتماعي والسياسي في منظومة متكاملة قامت على المساواة الاجتماعية في بعض الدول، وعلى التخطيط الاقتصادي الذي يزاوج ويمزج بين القطاع الخاص والعام في دول اخرى. وفي حالات ثالثة قامت على الحكم الديمقراطي واستثمارات في التنمية البشرية. 

 في جميع الحالات ارتكزت التنمية على رؤية واضحة تمثلت في ثلاثة محركات هي الدولة الانمائية الفاعلة، اختراق الاسواق العالمية، والابتكار في السياسات الاجتماعية. كذلك انطوى التقرير على عدد من المحاذير مخفية خلف الارقام، اهمها الحذر من تقلص الطبقة الوسطى لما لها من تأثير سلبي على مسار التنمية بالاضافة الى:

 .1 خطورة تفاوت الدخل بين الفقراء والاغنياء او بين الطبقات الحاكمة والمحكومة.

 .2 انتشار انواع الاستهلاك غير الانتاجي وغير المستدام.

 .3 ارتفاع الانفاق العسكري.

 .4 عدم المساواة وما ينتج عنها من ضعف التماسك الاجتماعي.

 كذلك نجد ان من الامور المخفية خلف الارقام هي ان نهضة الجنوب تركزت على البلدان الكبيرة القادرة على المنافسة مثل الصين والهند والبرازيل وماليزيا وجنوب أفريقيا. هذه الحقيقة لها مدلول ورسالة لنا في دول مجلس التعاون ودول المنطقة قوامها تأسيس اقتصاد تكاملي يتخذ المنطقة بتعدادها السكاني الذي يفوق 100 مليون نسمة في تخطيطنا التنموي. هذه المحركات تُجْمِل عددا من الاسس الهامة التي ابرزها التقرير في امرين: الاول (ذكرناه سابقا) وهو قدرة ابتكارية تطورت بفعل التكنولوجيا ونظم التعليم المتقدمة. والثاني يركز على قدرة الدول ذات الصناديق السيادية على تسريع عملية التنمية بفضل فوائضها المالية (وهذا ينطبق على مجلس التعاون بشكل مباشر). 

 خلاصة ذلك ان تقرير التنمية البشرية يركز على اهمية الفرد وتنميته وليس فقط على المجتمعات او الدول. يرى التقرير ان الفرد هو العنصر الاهم وبالتالي يعطي لكل فرد الحق في ان يعيش وفق معتقداته وقيمه وتطلعاته، ولا يجوز ان يعيش فرد حياة قصيرة او بائسة لمجرد انه ينتمي إلى طبقة معينة او فئة او اثنية مختلفة. يؤكد التقرير على ان عدم المساواة تعيق التنمية وتبطئها. بعبارة اخرى تشكل نهضة الجنوب فرصة لبناء مؤسسات للحكم تمثل الجميع وتستفيد من التنوع لايجاد حلول محلية لعوائق التنمية، كما انها تدعو المنظمات الدولية للاستعانة بمنظمات المجتمع المدني المحلية لنشر ندائها من اجل العدالة والانصاف في الحكم.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *