نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ماذا يعني تقرير لجنة املاك الدولة؟

تاريخ النشر : 4 ابريل  2010

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تمر الشعوب بعدد من المحطات والتجارب التي تراكم النجازاتها وتطورها نحو الديمقراطية وحكم القانون وانشاء دولة المؤسسات. فقد ناضل المجتمع الانجليزي الى ان تحقق له الميثاق العظيم (Magna Catra) في عام 1215 حدد بموجبها سلطات الملك جون ووضعت الدولة في ظريق حكم القانون. كذلك شكل كتاب العقد الاجتماعي لروسو اول خطوات وضع المجتمع الفرنسي على طريق الديمقراطية والحقوق السياسية. تحقق ذلك بخطوات لا حقة قام بها المجتمع لتعزيز مسيرته نحو الديمقراطية. 

بالنسبة لنا في البحرين، شكل الميثاق اول هذه المحطات التي افرزت قدرا كبيرا من الانفتاح وحرية التعبير والمشاركة المجتمعية وضعت المجتمع على اولى خطوات الحرية السياسية والمسيرة الديمقراطية. لكن اكمال المسيرة يحتاج الى مجتمع حي قادر على انتهاز الفرص واستغلالها لتحقيق مزيد من الانجازات نحو الديمقراطية والتنمية. ونرى ان تقرير املاك الدولة وتقرير التجريف والدفان الذي سبقه يمثلان محطة هامة في تطورنا، لا تقل اهمية عن الميثاق الوطني في تكوين الوعي الديمقراطي وتكريس واجب الدفاع عن الحقوق يستلزم استثمارهما لايجاد مزيد من التوازن بين قوى المجتمع وسلطة الدولة. وكلما تمتع المجتمع بقوة توازي قوة الدولة تحقق تطورا وتقدما يخدم المجتمع ويرفع من سمعة وتقدم الدولة.

ان واجب استثمار التقرير يقع على عاتق جميع مؤسسات وافراد المجتمع. فالحركة الديمقراطية لا تتم بجهد الجمعيات الممثلة في المجلس النيابي فقط وانما تحتاج الى جهود الجمعيات السياسية الاخرى ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين. لا بد ان يشارك الجميع في استثمار هذه الفرصة السانحة لزيادة سلطة المجتمع وتقويته لاحداث التوازن المطلوب بين سلطة الدولة والمجتمع.

ندرك ونثمن ما تمثله مبادرة جلالة الملك من تشكيل اللجنة الوزارية من اهتمام بالتقرير واضفاء الشرعية عليه التي حاول الوزراء انكارها، غير ان الاستفادة من المبادرة الملكية السامية ومن نتائج التقرير يحتاج من المجتمع اظهار مواقف واضحة من التعديات التي حدثت. لذلك فان السؤال الذي يجب ان يشغل النواب والمجتمع من الان وصاعدا هو كيف يمكن استثمار هذا التقرير لتحقيق مكاسب في المسيرة الديمقراطية؟ وعلينا ان ندرس ما تمخضت عنه التجربة من قصور تشريعي وقيمي ومفاهيمي ليشكل اولويات هذا المجلس والمجلس القادم. واول هذه الدروس التي يجب ان نعيها ونستثمرها هي ان القضايا التنموية والاقتصادية والمعيشية والحقوق الوطنية تحدد المجلس وتساهم في تكريس حكم القانون والمواطنة وتراكم مكاسبنا الديمقراطية. واستمرار الوحدة يقتضي الابتعاد عن القضايا الهامشية والخلافية التي تشق صف المجتمع وتضعفه.

بالنظر الى توصيات المجلس والمعوقات التي برزت وما تمخض عن التجاوزات من خسارة المليارات، نجد انها تشكل برنامج عمل تشريعي يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة. تتلخص التوصيات في ضرورة اعادة الاراضي التي تحولت الى املاك خاصة. ان اعادة الاراضي يمكن بوسائل تختلف باختلاف الحالة وهناك خيارات عدة تنفي القول باستحالة استرجاع الاراضي. كما تضمنت محاسبة من تسبب فيما حدث من تجاوزات بما في ذلك منع لجنة البرلمان من الاطلاع على السجلات والقيود الخاصة بالاملاك الحكومية. كما يطالب التقرير بالتصرف في الاراضي المغمورة. وتكليف اللجنة المالية والاقتصادية بمتابعة عدم تكرار التجاوزات. كذلك اضاف المجلس توصية اقتصار الهبات على المنفعة العامة من اسكان وتعليم وخدمات.

ان تحقيق هذه التوصيات والاستنتاجات الكبيرة يحتاج الى حراك مجتمعي تقوم فيه مكونات المجتمع بدور فاعل لمساعدة البرلمان. ومن اهم فئات المجتمع التي يجب عليها الوقوف بوضوح مع الحاجة الى العدالة هم رجال الدين. وضع التقرير رجال الدين امام مسئوليتهم الدينية في اصلاح المجتمع والتركيز على قيم النزاهة والعدالة والتوزيع العادل للثروة. والادارك ان المجتمع لا يستقيم اذا حصرنا الامر ابالمعروف والنهي عن المنكر في العبادات والمحرمات الفردية واغلفنا المنكر المترتب على حرمان المواطن من المدارس والسكن والعناية الصحية والرعاية الاجتماعية بحجة شح الاراضي ونقص المال، فهل يتصدى رجال الدين لهذه القضية في خطب الجمعة المقبلة؟

كذلك ابرز التقرير اهمية حرية الرأي وحرية التعبير والشفافية والحق في الحصول على المعلومات وجميعها قضايا يجب ان يتوحد المجلس النيابي لتكريسها في المجتمع من خلال قوانين واضحة تعطي الاولوية لمكافحة الفساد وزيادة قدرة مجلس النواب على المساءلة والمحاسبة. كما اوضح التقرير للجميع اهمية حكم القانون ودولة المؤسسات فلا توجد دولة قانون عندما تتحول المدارس والحدائق والمستشفيات الى املاك خاصة.

واخيرا ابرز التقرير بوضوح ان النزعة الانسانية في حب الذات وحب التملك التي اوجدها الله في الانسان لتدفعه نحو التنافس للارتقاء بالنوع الانساني، ابرز التقرير جوانبها السلبية التي عملت الاديان والقيم والاخلاقيات على الحد منها وكبحها لكي لا يبطر الانسان ويتسلط، فالسلطات السياسية المطلقة تفقد الانسان الخشية من المحاسبة فتطلق العنان للجوانب السلبية من هذه النزعة الانسانية. لذلك فان العمل السياسي يجب ان يعترف بهذه الغرائز في الانسان، ويضع القوانين والرقابة التي تحد من الرغبة في التملك على حساب المجتمع. وما لم نؤسس لذلك، بعد هذا التقرير، فان الفرصة قد لا تتوافر مرة ثانية في اجماع برلماني واجماع شعبي، وفوق ذلك قناعة ملكية على جسامة ما حدث ورغبة في تصحيح الوضع وارجاع الحق الى مستحقيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *