نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

 مجالس رمضان  تسبر قضايا المجتمع والتنمية

تقوم المجالس الرمضانية بدور كبير في الترابط الاجتماعي وفي توثيق العرى بين مختلف فئات المجتمع ومكوناته. الزيارات التي نقرأ عنها في الصحافة تثلج الصدر وتشعر الانسان بانتمائه الى ثقافة متجذرة في المجتمع وتطورت لتصبح بالنسبة لشريحة كبيرة من المجتمع النشاط الاجتماعي الوحيد. صحيح ان ما نشر هو زيارات الى مجالس الوجهاء والاعيان وافراد العائلة الحاكمة. لكن ما يدور في المجتمع ككل هو تواصل مستمر تُطرح فيه الكثير من القضايا والحوارات، وان كان الطرح سريعا وسطحيا في كثير من الحالات، بسبب ضيق الوقت، الا انه يشير الى قضايا مهمة في المجتمع تحتاج الى معالجات وحلول. هذا امر لا يمكن الا ان يباركه المواطن. لكن السؤال هو لماذا تتوقف هذه الحوارات والنقاشات الساخنة والمفيدة والتي تسلط الضوء على قضايا اجتماعية هامة؟ ولماذا لا يقوم الاعلام وجهات البحث بالتوسع في طرح هذه القضايا ومناقشتها وبلورة رؤى حولها بعد انتهاء شهر رمضان لكي تتحقق الفائدة؟ 

فمثلا في زيارة سمو ولي العهد لمجلس سمو الشيخ محمد بن خليفة وعبدالحسين العصفور وعلى الصالح تم مناقشة أسس الابتكار والابداع والتوظيف الأمثل للإمكانيات والموارد لتنمية الاقتصاد المعرفي بهدف تعزيز القدرات والخبرات والكفاءات الوطنية. أي اننا نتحدث عن جهود في التعليم والتدريب وتوفير البيئة المناسبة التي تنتعش فيها القدرات الابتكارية والابداعية للمواطن، سواء كان ذلك في حياته التعليمية او العملية. وهذه قضية هامة واساسية للتنمية وقد تم طرح جوانب منها في العديد من المناسبات دون ان ننتهي الى خارطة طريق او رؤيا متفق عليها تقودنا الى هذه النتيجة. 

في مجلس كانو تم مناقشة قضايا عملية مثل انقطاع الكهرباء وتوفير اللحوم. وبالرغم من رفع الدعم عنها يقول رجل الاعمال إبراهيم زينل ان المواطن اعتاد السعر المرتفع وقلص من استهلاكه للحوم او رشد هذا الاستهلاك بنسبة 50%، وانعكس ذلك في كسر الاحتكار وتوقف تهريب اللحوم خارج البلد وانخفاض الأسعار بشكل عام. ما يطرحه السادة الحضور هو ان سلوك الانسان تستجيب لتأثير القوانين والأعراف والتقاليد، ويجب الاستفادة من هذا الاستعداد لتغيير السلوك في تعزيز القيم المجتمعية المحفزة على الادخار وعدم التبذير على جميع المستويات وليس فقط المواطن البسيط. أي ان قيم المجتمع يمكن التأثير فيها من خلال جهود منظمة ومتكاملة مع خطط التنمية المستدامة.  

سؤال آخر تمت اثارته هو: ماذا نحتاج في البحرين من هذه المحفزات لجذب الاستثمار وخلق البيئة المناسبة له والتي تجعل البحرين منافسا قويا في المنطقة وفي العالم؟ تتاثر خلق البيئة بمدى حيوية الحوار بين الوزراء والقطاع الخاص ومدى اشراك المواطن والتاج والمستثمر في هذا الحوار. ويطالب الحضور بتعاون بين الغرفة والحكومة والمجتمع التجاري في تحديد متطلبات البيئة الاستثمارية. وبذلك فهو يطالب القطاع الخاص بالمزيد من اليقظة وحسن توجيه الاستثمار ليكون ضمن سياق المصلحة الوطنية. وطالب الحضور بشكل مباشر بالانفتاح على جميع الآراء وعلى حرية النقد والصراحة فيه لتحقيق التقدم. 

نرى من خلال النقاش ان السؤال الموجه الى وزارة التجارة ومجلس التنمية الاقتصادية هو: ما هو تعريفنا للبيئة الاستثمارية المناسبة؟ وكيف تم التوصل لهذا التعريف؟ وهل تمت مناقشته وإبراز جميع خصائصه بشكل متفق عليه بين التجار والحكومة ومراكز الأبحاث والهيئات المهنية الوطنية؟ والى أي حد نحن قريبين من تحقيق هذه البيئة؟

من حديث التجار يمكن ان نستشف نوع من الإحباط بسبب تخلف القطاع الخاص في البحرين عن بعض دول الخليج بالرغم من السبق للبحرين في جميع الميادين. وهنا لا ينبغي ان نخشى طرح السؤال والدخول في مداولات حول سبب هذا التأخر عن الركب الخليجي. نقول بان ذلك يحتاج الى تعريفات واضحة لمعنى النمو والتنمية والنتائج المطلوبة سواء على مستوى القطاع التجاري او الحكومة او متطلبات المجتمع والمواطن الفرد. وان نحلل بالضبط اين هي مواقع الخلل ووضع الاستراتيجيات لتلافيها. كذلك مطلوب قيادة هذا التداول والحوار وان يقوم طرف بتبني هذا التوجه التشاركي. 

في كثير من المناسبات ناشدنا، كما ناشد غيرنا، مجلس النواب بان يتبنى ذلك لكنه لم يستجب الى الان، واليوم في ظل وجود قيادة جديدة لغرفة التجارة، فإننا نناشدها بفتح باب الحوار بشكل منظم ومنسق وان تتوفر لهذا الحوار البيئة المناسبة والمنفتحة المحفزة على طرح الآراء بكل وضوح. قد يحتاج الامر الى بيانات ومعلومات موثوقة ليكون الطرح موضوعيا وليس انطباعات تخضع للمغالاة او التقتير. وهذا دور الوزارات المختلفة في توفير المعلومات. من هنا تأتي أهمية قانون حق الحصول على المعلومات الذي ما يزال قابعا في ادراج الجهات التشريعية.

الحوارات والنقشات التي تدور في مجالس رمضان تتناول قضيا هامة ومؤثرة في مسيرة التنمية، لكنها تفتقد الى اطار تنظيمي مؤسسي يحولها الى مشاريع بحوث تهدف الى الوصول الى حلول ومقترحات عملية تعالج جوانب القصور. ما يحدث من نقاش هو طرح هموم الشارع التجاري وكذلك هموم المواطن والمجتمع بشكل عام. اما المواصلة في البحث والنقاش فانه يحتاج الى عمل مؤسسي تقوده جهة قادرة وتملك النفس الطويل. لذلك نقول ان هذا دور مراكز أبحاث وجامعات ومؤسسات المجتمع المدني المهنية والتخصصية وأجهزة الدولة المختلفة. مالم تتظافر هذه الجهود في تعزيز ثقافة الحوار والتداول والنقاش والتعاون وتعميمها لتكون ثقافة مجتمعية فان الحديث سوف يستمر في المجالس دون تحقيق الفائدة المرجوة. ومن هنا نكرر مناشدتنا لقيادة الغرفة الجديدة في ان تبني هذا العمل وتقوم بقيادته؟

mkuwiati@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *