نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مجلس التعاون والنهوض الاقتصادي العربي 

  تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مقالنا اليوم التحديات التي تواجه مجلس التعاون تشمل اقتصادية وسياسية واجتماعية والدور المستقبلي المرتقب للنهوض بالامة العربية بالتعاون مع دول الربيع العربي – فهل تقوم بهذا الدور ام تتقاعس؟ 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12534/article/38800.html

الخليج والاقتصاد العالمي كان موضوع ندوة من أربع حلقات نظمتها وحدة الخليج للدراسات الاستراتيجية بكلية لندن للاقتصاد بتمويل من دولة الكويت. ناقش المحاضرون تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد موجات التحرر. هذا التحول يضع أمام دول مجلس التعاون تحديات تفرض ضرورة التأقلم معها بتغيير بوصلتها ونهجها الاقتصادي والسياسي.

ركزت الحلقة الأولى في حاجة الصين إلى النفط لتغذية نموها الاقتصادي فاستثمرت في مناطق مختلفة من العالم ووضعت مجلس التعاون في بؤرة اهتماماتها؛ نرسل لهم نفطا ويرسلون لنا بضائع مصنعة لسد النهم الاستهلاكي لدينا. تستثمر دول الخليج بكثافة في الاقتصاد الصيني تضاعفت هذه الاستثمارات منذ .٢٠٠٤ ولكن هل يغني هذا الاستثمار عن تنمية القدرات الخليجية في التصنيع وانتاج المعرفة؟ وهل يسهم ذلك في الحفاظ على الأمن القومي الخليجي؟ 

الحلقة الثانية كانت بعنوان النفط وتحدياته على المدى القريب، وتناولت المصادر البديلة للنفط التي تنذر بتهديد مصدر ثروة الخليج، منذ الصدمة النفطية في عام ١٩٧٣ وما حدث بعدها من تكالب على ايجاد بدائل مثل الصخور الزيتية والرمال الزيتية وما تمثله من تهديد للعصر الذهبي الخليجي. في الوقت الحالي تعاني هذه الموارد الجديدة مشاكل بيئية وارتفاع كلفة الانتاج، الا انه يطرح تساؤل مهم على خطورة اعتماد دول الخليج على مصدر وحيد للدخل.

اما التحدي الثالث فهو التغيرات في النظام النقدي العالمي واثاره في دول الخليج التي تبيع نفطها بالدولار الامريكي وترتبط عملاتها به. ترى دول الخليج ان مصلحتها تقتضي ربط عملاتها بالدولار (باستثناء الكويت)، وبالتالي فان سقوط الدولار لا يؤثر فقط في عملاتها ولكن يضر باستثماراتها واحتياطياتها في أمريكا كما هو الشأن بالنسبة إلى دول كثيرة ومنها الصين. الحديث عن ايجاد بديل عن الدولار لن يكون سهلا او تسمح به أمريكا في الوقت الحاضر، والحل الوحيد الآن هو تعدد العملات وليس عملة بديلة للدولار. فكيف ستواجه دول الخليج هذا التحدي؟

التحدي الرابع هو مستقبل الاقتصاد الخليجي بعد النفط. لم يتوقف الحديث عن أهمية وضرورة تنويع مصادر الدخل في بلدان تعتمد على مصدر واحد ناضب هو النفط، ويمثل ٨٠% من عوائد الصادرات والايرادات الحكومية. اكتسب الحديث عن تنوع مصادر الدخل قوة دفع لقرب نضوب هذه الثروة والضغوط البيئية وامكانية ان تسفر الجهود العلمية عن ايجاد بدائل منافسة في القريب المنظور. لهذا أكد المنتدون ضرورة التنويع بعيدا عن صناعة النفط ومشتقاته والتخطيط لاقتصاد ما بعد النفط. 

بحسب ما قاله رئيس الوزراء القطري فان المخزون العالمي ١٢٠٠ مليار برميل، والاستهلاك العالمي الحالي ٩٠ مليون برميل يوميا (٣٠ مليار برميل سنويا) فان هذه الكمية تكفي مدة ٦٠ سنة تقريبا. التهديد اذًا من جهتين: التوصل العلمي إلى بدائل أنظف من جهة، ومحدودية الاحتياطي من جهة أخرى، هذا يجعلنا ندرك جسامة المشكلة وأهميتها.

تتوصل الندوة إلى نتيجة انه ما لم تتحول الأموال السائلة إلى أصول منتجة تدر عائدا بديلا عن النفط فان رفاهية دول مجلس التعاون تصبح مهددة. 

هذه الجوانب الأربعة تبين بعض التحديات التي تواجه دول الخليج في مستقبلها الاقتصادي والوجودي. وقدرتها على الصمود والبقاء تعتمد على مدى قدرتها على التعامل مع هذه التحديات وغيرها على المستويين الاقتصادي والسياسي. 

وإذا اضفنا إلى ذلك التحديات التي أفرزتها الثورات العربية نتيجة التدهورين الاقتصادي والسياسي بشكل عام، نخلص إلى ان المتطلبات تكاد تتشابه مع دول الخليج في الحاجة إلى إقامة صناعات كبيرة (صناعة السيارات مثلا) تغذي الصناعات الصغيرة والمتوسطة لتوفير فرص عمل مجزية تعدل من عدالة توزيع الثروة وتحسن المستوى المعيشي.

والتساؤلات التي تطرحها الندوات تتلخص في:

ما هي الاستراتيجيات التي وضعتها دول الخليج لهذا المصير؟ وما هو هدف تنويع مصادر الدخل الذي سمعنا عنه الكثير؟ وكيف يمكن تنمية القدرات والامكانيات الموجودة القابلة للتنمية؟ واين خطط التكامل الخليجي المصاحبة لمشروع وحدة الخليج؟ وهل الوضع السياسي مستقر للمحافظة على المكتسبات؟

تصل الندوة إلى نتائج أهمها: 

أولا: ان تحقيق تنويع مصادر الدخل يحتاج إلى توطين الصناعات التي تتلاءم مع السوق الخليجية وإنتاج المعرفة والتقنيات التي تحتاج إليها.

ثانيا: الخيار الأنجع هو التنمية البشرية بمعناها الصحيح الذي يشمل التنمية السياسية وليست المؤشرات الكمية التي ينتجها بعض المراكز مثل مؤشرات التنافسية التي تحصل دول الخليج فيها على مواقع متقدمة. 

ثالثا: الاتعاظ من تجربة النمور الآسيوية التي استيقظت على تراجع تقدمها بسبب انظمتها السياسية التي احتاجت إلى التحول الديمقراطي لمواصلة تطورها. (أزمة الدولة في الوطن العربي- ص٢٦٩).

رابعا: يجب ان ترتكز التنمية البشرية على التعليم وتنمية قطاعات الصناعات التحويلية وتقنين الإنتاج النفطي بما يتفق مع متطلبات التنمية ومراعاة الأجيال القادمة، وايقاف استنزافه بسرعة تفوق سرعة التحولات الاقتصادية البديلة.

خامسا: احداث تغيير في أسلوب تفكير القيادات بما يعزز التعاون الاقتصادي في منظومة مجلس التعاون على أساس تكاملي وليس تنافسيا وترشيد الانفاق الحكومي بما يتفق مع أسس الحوكمة الاقتصادية والإدارية. 

سادسا: ان تجيب الدول عن الأسئلة المتعلقة بالقدرات التي تحتاج إلى بنائها والمميزات التي يتطلب استثمارها؟ وهل سيكون ذلك ممكنا في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة؟ 

وفي نبرة تفاؤلية يتوقع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (أخبار الخليج ١٥ مايو ٢٠١٢) ان تأخذ دول مجلس التعاون الدور القيادي والمسئولية التاريخية في قيادة التحولات في العالم العربي. هذا يضع مسئولية كبيرة على دول الخليج يتطلب منها إصلاح البيت الداخلي لتحقيق الاستقرار والأمن القائمين على الانفتاح السياسي وان تضع يدها في يد دول الربيع لتنهض بالأمة كما فعلت في صدر الإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *