نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مجلس التعاون ومسيرة الثلاثين عاما

تاريخ النشر : 2 يناير  2010

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

ترتفع الاكف في شهر ديسمبر من كل عام تدعوا لقادة المجلس بالتوفيق في تحقيق امنيات مواطني الخليج العربي في الوحدة النقدية والوحدة الجمركية والوحدة الاقتصادية والوحدة الامنية، واستقلال القرار السياسي. وفي كل عام تسدل هذه الاكف خالية خاوية لم يتحقق شيئ يذكر من دعواتها. والاسوء هو ان في كل عام تتفجر خلافات بين القادة اما على مقر المجلس او على خلافات حدودية او بطاقة هوية او غيرة من محاولة البعض اخذ دور اكبر منه. وفي هذا العام الثلاثين لم يختلف الامر في رفع الاكف وفي اسدالها فمازالت الاحلام كبيرة والانجازات قليلة، مازلنا نتحرك ببطئ شديد في حين يسير العالم في خطوات ثابته ومتسارعة نحو التنمية والارتقاء. ويبقى السؤال الاهم والمحير هو لماذا؟

هذا لا يعني انه لا توجد انجازات للمجلس، ويكفي انه خلق الوعي بالهوية الخليجية والحلم في الوحدة. غير ان البيان الختامي بدى وكأنه يلخص الاخفاقات التي مُنيت بها دول المجلس وليس خطة مستقبلية لمواجهة التحديات في تحقيق التنمية البشرية. 

بالرغم من ان المجلس أقيم لهدف امني فانه اخفق في تطوير مفهوم للامن القومي الخليجي يجنب الخليج الكثير مما يحدث اليوم من تفاقم القضية اليمنية وماحدث للعراق والكويت وتطورات القضية الفلسطينية، فجميع هذه القضايا تدلل على اخفاق في مفهوم الامن القومي الذي يتخذ مقومات الخليج والجوار الاقليمي ويبنى عليها عسكريا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا. وجل ما تفتقت عنه قريحته في هذا المجال هو قوات درع الجزيرة التي اعيد احيائها، بتسمية مختلفة، في بيان هذه القمة بالرغم من فشلها.

وعلى الصعيد الاقتصادي يرحب البيان بالجهود التي تبذلها دول المجلس للحد من الازمة الاقتصادية التي المت بالشقيقة دبي. وهذا اخفاق في التصدي للتحديات المالية والاقتصادية التي شهدها العالم، واخفاق الى حد كبير في تنويع مصادر الدخل وجعل الاقتصاد مقصورا على المضاربات العقارية والاسهم. ومن جملة الانتقادات التي وُجهت الى دول الخليج في هذا الصدد ما اوردته السيدة مها الغنيم، رئيس التنفيذي لشركة جلوبل، ان دول الخليج تباطأت في اتخاذ الاجراءات للحد من تأثير الازمة الاقتصادية وان هذه التاثيرات قد تطال الخليج في عام 2010. اما انجازاتنا الاقتصادية والتي تقاس بارتفاع النمو الى 6% فان ذلك يعود الى ارتفاع سعر النفط وليس بسبب كفاءة السياسات الاقتصادية والتنموية. بدليل الاخفاق في خلق فرص عمل وتنويع مصادر الدخل الذي تحدث عنه التقرير الاخير من زيادة عدد الفقراء والبطالة التي بلغت في بعض الدول الى 25%. فما هي المؤشرات التي اعتمدتها القمة لتبارك النجاح؟ 

اما في مجال التعاون المشترك فان الاتحاد الجمركي مازال لم يطبق بالرغم من مرور عدة اعوام على اقراره وهناك العديد من العقبات التي لم يتم تذليلها، والسوق الخليجية تحتاج الى العملة الموحدة والتي مازالت في صراع بين اكبر اقتصاديات الخليج حول مقر البنك المركزي وتخلي عمان عن المشاركة. 

ومما يدلل على ان القادة مدركين للاخفاقات هو قبولهم بمقترح قطر في تفعيل دور مجلس التعاون. هذا اقرار من القادة بان دوره غير فعال ويحتاج الى دفعة قوية لجعله مؤثرا على المستوى الداخلي والخارجي. وهذا الاقرار يحسب للقادة، فالاعتراف فضيلة. فماهو التفعيل المأمول؟ المقصود بالتفعيل هو المادة الخامسة من الاتفاقية الاقتصادية الخاصة بتعزيز بيئة الاستثمار، والمادة 12 الخاصة بتشجيع اقامة مشروعات مشتركة وزيادة الاستثمارات البينية للوصول الى التكامل. وتوصل القادة الى ضرورة اقامة بنك خليجي انمائي، وهذا يحتاج بالطبع الى دراسة مستفيضة وقرر القادة ان تكون جاهزة للدورة القادمة؟ هذا يبين ان ايقاع الاقتصاد المتسارع يجب ان يخضع لرغبة اصحاب الجلالة في اتخاذ القرارات مرة كل سنة فقط؟ ماذا لوتم انجاز الدراسة خلال شهرين؟ خصوصا وان هناك العديد من البنوك المشابهة مثل بنك التنمية الاسيوي والاوروبي وغيرهم. 

بالنسبة للعلاقات مع الدول والمجموعات الاقتصادية فقد تم بحث العديد من الاتفاقيات الثنائية وبين الكتل الاقتصادية مثل آسيان، والاتحاد الاوروبي وتحقق بعض النجاح في هذا الصدد خصوصا التوقيع مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية ومع نيوزيلدن وتركيا. هذه النجاحات هامة غير انها تحتاج الى وقت لترجمتها الى انجاز ملموس، كما تحتاج الى قدرة على التصدير الى هذه الدول لكي يكون التبادل مجديا للطرفين. اما ان يكون التبادل قائما على تصدير نفط مقابل بضائع، فهذا يزيد من اخفاقات الدول الخليجية في خلق مجتمع منتج قادر على المنافسة والمشاركة العالمية في التجارة البينية.

ان ما سرده البيان الختامي يمكن ان يكون برنامج عمل يحاسَب عليه القادة ويساءلون عن جدول زمني لانجازه، ويمكن ان يكون مجرد كلام انشائي لايختلف عن ما سبقه من بيانات. ان عصر العولمة والسرعة يتطلب من دول المجلس مجارات وتيرة التسارع العالمي، والتخلي عن الجدول الزمني للقادة الملوك والامراء. فقد استمر القادة 30 عاما يحاولون التغلب على شعورهم المفرط في السيادة مما عطل الكثير من المشاريع والقرارات. لذلك فان مواجهة التحديات الحديثة تحتاج الى آليات وادوات حديثة تتمثل في تطوير الديموقراطية التي تعطي المواطن الالية للمساءلة والمحاسبة، وبرلمان خليجي وجهاز قيادي مركزي يتخذ قرارات تجاري الوتيرة العالمية، وبدونهما ستبقى البيانات الختامية تستمر في سرد الاخفاقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *