نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مجلس التنمية…ماذا يعني النجاح ؟

تاريخ النشر : 16 فبراير  2008

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

عمدت البحرين ومنذ زمن نحو الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وتمكنت ان تضع اسمها على خارطة قطاع المال واصبحت محج للكثير من المؤسسات المالية التي جعلت من البحرين مقرا لها. كذلك اهتمت في فترة من تاريخها باقامة الصناعات الاساسية الكبيرة مثل صناعة الغاز والالمنيوم والبتروكيماويات والتي اصبحت اليوم رافدا اقتصاديا هاما يوفر فرص عمل مجزية لقطاع كبير من المواطنين. وفي هذا السياق التنموي بدا مجلس التنمية الاقتصادية مسيرته  2004 نحو تحقيق المزيد من النماء بتدشين مشروع “مكنزي” والذي اعتمد على ثلاث محاور وهي لاصلاح الاقتصادي واصلاح التعليم واصلاح سوق العمل. وفي عام 2005 صدر عن مجلس التنمية الاقتصادية دراسة اخرى مبدئية (للنقاش) قامت بها شركة ارثر د لتل (Arthur D Little) شملت السياسات الصناعية والاسس التي بنيت عليها، ومراجعة التشريعات والوضع القانوني من حيث مساندته للتنمية ووضع خطة للتنفيذ.

نتج عن هذه الدراسة استراتيجية مقترحة تسعى لتحقيق تنمية اقتصاد معرفي صديق للبيئة يوفر فرص عمل ذات مهارات عالية برواتب مجزية.  وتشمل عدد من الاهداف هي 1) وضع رؤية لمستقبل الصناعة في البحرين، 2) تحفيز القطاع الخاص، 3) تحسين البنية التحتية، 4) توفير عمالة مدربة منتجة، 5) توفير رأس مال مستعد للمخاطرة المحسوبة والمطلوبة، 6) تعظيم الاستفادة من الموارد مثل الارض والطاقة والماء، 7) والتخلص من الدعم الحكومي. ترتكز الخطة الاستراتيجية هذه على ثلاث دعامات هامة وهي اولا: تنمية القدرة الابتكارية من خلال البحث والتطوير، ثانيا: رفع كفاءة الحكومة والقطاع الخاص، وثالثا: تطوير العلاقات والقدرات مثل جلب الاستثمار ورفع الانتاجية وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وضمان توافر المواد الخام. 

كان من المفترض ان يباشر في تنفيذ الخطة في الربع الثاني من 2005 لتنتهي في منتصف 2007. ولكن حتى فبراير 2007 لم يتم الانتهاء من البرامج المخطط لها وقد قام سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد باصدار توجيهات الى اللجنة الوزارية للشئون المالية والاقتصادية بملجس الوزراء ومجلس التنمية الاقتصادية للبدء في تحديث الرؤية الاقتصادية الشاملة الموحدة للبحرين والانتهاء منها خلال ثلاثة اشهر. 

اما بخصوص تطوير التعليم فقد تم بتاريخ 14 يونيو 2007 الافصاح عن مبادرات المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب والذي يتلخص في خمس مبادرات هي: انشاء كلية تقنية، وحدة لمراجعة جودة التعليم الجامعي، وحدة لمراجعة جودة التعليم المدرسي، تطوير التعليم المهني والفني للمرحلة الثانوية  (التلمذه المهنية) ، وتطوير المعلمين. وسوف تؤتي هذه الخطة ثمارها بعد خمس سنوات. وحسب اهداف دراسة مكنزي فان الخطة تسعى الى ربط مخرجات التعليم بسوق العمل والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وقبل فترة شاهدنا مبادرات نحو اصلاح سوق العمل من خلال انشاء هيئة تنظيم سوق العمل وهيئة صندوق العمل الذان يسعيان لجعل المواطن الخيار المفضل في سوق العمل ورفع انتاجية المؤسسات. والان يتحدث مجلس التنمية عن “وضع اللمسات الاخيرة على الخطة الاستراتيجية للست سنوات المقبلة” وانه سوف يبدأ التطبيق في يونيو 2008 على ان يتم تقييم العمل كل عامين. 

هذا الطرح يقودنا الى تساؤلين اثنين، التساؤل الاول يتعلق بتعريف نجاح محاور الاستراتيجية التنموية الثلاثة وماهي نتائجها وما تأثيرها المباشر على المواطن وفي اي صيغة ستظهر نتائجها له؟ فمثلا ماذا يعني نجاح تنمية الاقتصاد وتجويد التعليم واصلاح سوق العمل بالنسبة للمواطن وماذا تعني بالنسبة للموظف والمدير والمستثمر؟ وكيف سيعرف انها تحقق نتائج واي المؤشرات سوف يستخدم لمتابعة النتائج هذه؟ هل سيعني رفع مستوى معيشة المواطن ورفع دخله، وماهو مستوى الدخل المستهدف في هذه الخطة؟ ونامل الا نكتفي فقط بذكر النمو في الناتج القومي الذي لايعني الكثير للمواطن العادي. كذلك ما ذا يعني جودة التعليم للطالب والمدرس وولي الامر والمسئول في الوزارات والمؤسسات؟ وكيف سوف يتم تقييم ذلك ومتى يتحقق؟ وهل ستكون مخرجات التعليم اكثر قدرة على مواجهة متطلبات السوق، وهل سيصبح المتخرج موظف وعامل منتج يلتزم بقيم العمل ونظامه وقوانينه؟ وهل سيكون المتخرج قادرا على التفكير النقدي والحوار الهادف؟ وهل سيكون المتخرج قادرا على الابداع والابتكار والبحث والتطبيق؟ وهل بعد ذلك كله سوف يحصل على وظيفة تناسب مؤهلاته وتحقق ذاته؟ وما هي المؤشرات المرحلية التي سوف نراقبها لمتابعة هذه النتائج؟ اما ان يكون التقييم كل سنتين (كما هو مقترح في الخطة) فهذا قد لا يكون مجديا في كثير من الحالات. وما ذا يعني نجاح اصلاح سوق العمل وهل سيتقلص عدد العمالة الوافدة التي كانت قبل دراسة مكنزي 250 الف عامل واليوم وبعد 4 سنوات تجاوز عددهم 380 الف وهل سترتفع انتاجية العامل والمؤسسات وماهي انتاجيتهم الان والمستقبلية المتوقعة؟ 

والتساؤل الثاني يتعلق بما نشر من الخطط التنموية وكيف انها قد اغفلت الجانب السياسي كما اغفلته دراسة مكنزي. فهل الفرضية التي يعمل من خلالها مجلس التنمية الاقتصادية تقوم على اساس ان السياسة مفصولة عن التنمية الاقتصادية؟ نرى بان هناك العديد من القضايا السياسية تشغل قطاع كبير من المجتمع وتؤثر في عطائه ومساهمته الاقتصادية، مثل توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية وصلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية وقضايا الفساد والاصلاح الاداري وملف المصالحة الوطنية والمواطنة، ودور المجتمع المدني وقدرته على خلق توازنات في السلطات. هذه القضايا وغيرها لها انعاكاسات هامة ومؤثرة في الاداء الاقتصادي. هذه قضايا تحتاج الى معالجة قبل او على الاقل بتزامن مع مشاريع التنمية الاقتصادية والتعليمية واصلاح سوق العمل لكي يكون البناء على ارض صلبة تجاوزت مخلفات الماضي وتوسس لبداية مبنية على الثقة المتبادلة بين مختلف القوى المجتمعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *