نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. مجلس النواب.. لماذا دمج المجالس البلدية؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/AAK/images/date_icon.jpg  تاريخ النشر :٢٣ مارس ٢٠١٦


بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

مقال الاسبوع- لماذا مجلس النواب يقلص تعددية القرار بالغاء المجالس البلدية بدلا من تقويته؟

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13879/article/12837.html
تقدم النائب عبدالرحمن بوعلي بمقترح دمج المجالس البلدية في مجلس واحد ينتخب عشرة من أعضائه ويتم تعيين ثمانية، على أن يقوم هذا المجلس المركزي بمهام المجالس وتحال بعض مهام المجالس إلى المحافظات.
كثيرا ما يطلق المجتمع البحريني على النواب أنهم «نواب خدمات»، كونهم يتعاملون مع شكاوى المواطنين حول سوء الخدمات. وصل الأمر بالنواب إلى المراجعة عن مطبات الشوارع، وازدحامات مداخل المدارس والتدخل في تصنيف الشوارع. هذا نتيجة عدم القيام بصلاحيات المجالس البلدية من ناحية ومن ناحية ثانية غياب تفعيل صلاحيات المجلس النيابي في التشريع والرقابة مما يجعل النواب يتجهون أحيانا إلى مجال البلديين لتقديم خدمات للمواطنين. ومن ناحية ثالثة حاجة الموطن إلى الواسطة لتسيير أمور حياته العادية وتوظيف أبنائه في اقتصاد لا تتوافر فيه دائما فرص عمل كافية.

هذا الوضع يجعل تقديم مقترح من قبل أحد النواب بإلغاء المجالس البلدية واستبدالها بمجلس واحد مركزي نصفه تقريبا معين في غاية الغرابة وغير مفهوم دوافعه وأسبابه. كما أن اعتراض بعض البلديين اغرب من المقترح نفسه، فقد اعترض البعض على أسلوب طرح الفكرة وعلى عدم التشاور معهم في المقترح قبل تقديمه وليس على أبعاده وتداعياته، وللإنصاف فقد أدرك البعض تداعيات المقترح وآثاره السلبية.

هذا المقترح غامض ولا تُعرف أسبابه ودوافعه. لا نرى أن تكاليف المجالس البلدية هي السبب. فمصاريف المجالس البلدية الخمسة لا تتعدى نصف مليون دينار على أكثر تقدير (بحسب أحد البلديين). إن منطق تقليص النفقات بهذا الأسلوب يقود إلى حل مجلس الشورى وإلغاء مجلس النواب. إذا كان لا بد من الترشيد فإنّ أوجه التوفير في الدولة كثيرة. فهناك الكثير من النفقات غير الضرورية وإلغائها لا يمس الحركة الديمقراطية ولا يضر بمصالح المواطن مباشرة. أما أن نقفز على مكتسبات المواطن الديمقراطية والتمثيل والمشاركة ونقترح رفضها فهذا قصر نظر.

السبب الآخر المطروح هو أن المجالس البلدية لا تقدم خدمات نوعية للموطنين وأن تجميعها في مجلس واحد سوف يحسن مستوى الخدمات. هذا أولا لا يتوافق مع مبدأ اللامركزية التي من شأنها أن تجعل الخدمات قريبة من الناس، ثانيا تفقد المواطن القدرة على التأثير على المرشح وتزيح الضغط المحلي الذي يؤثر على النائب البلدي. وهناك من يرى ان المقترح هو بالون اختبار من الدولة، مما يطرح السؤال لماذا يقدمه احد النواب؟ الذي يفترض أن يكون وكيلا عن المجتمع وليس السلطة، مما يستوجب إعادة النظر في العملية الانتخابية كمؤسسة تفرز هذا التوجه من النواب. وفي جميع الحالات فإن هذا النوع من التفكير خطير ويساهم في مزيد من إضعاف المجتمع وإضعاف قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها الضرورية وتأخير التحول الديمقراطي وإعاقته.

تعرضت المجالس البلدية إلى عدة انتكاسات في تقليص صلاحياتها آخرها سعي وزارة المالية إلى ضم إيرادات البلديات إلى الميزانية العامة بدلا من زيادة استقلالية البلديات ماليا. لم يسع مجلس النواب في تعزيز قدرات وصلاحيات المجالس البلدية بل أسهم في تقليص هذه القدرات.

وزارة المالية تفكر في إيداع إيرادات البلديات في الميزانية العامة وتقضي على آخر معاقل استقلاليتها. لماذا لا يكون للبلديات ميزانيتها الخاصة تنفق منها على الخدمات المحلية وعلى المشاريع الخدمية مثل ما تبقى من الشواطئ والمنتزهات. يمكن أن تتنافس البلديات في تقديم الخدمات للمواطنين وليس تقديم الرأي الاستشاري فقط. كذلك تعرضت قوانين الإنشاء للتغيير والتجميد المفاجئ في بعض المناطق، مثل تراخيص البناء في الشوارع التجارية. 
المجالس البلدية هي حلقة مهمة وأساسية في التحول الديمقراطي، وفي تقريب الخدمات من المواطن وتقريب المواطن من بعض أدوات صنع القرار وخصوصا فيما يتعلق بالمتطلبات المحلية بالإضافة إلى كونها مجالا لتدريب كوادر تقوي المجتمع.. كما أن التمثيل البلدي له القدرة على إشراك المواطن في الكثير من القضايا المتعلقة بمنطقته وإعطائه رأيه في نوعية الخدمات المقدمة وأسلوب تقديمها. في نهاية المطاف فإنّ المجالس البلدية هي نوع من التعددية في صنع القرارات وإن كانت على مستوى محلي.

العلاقة بين المواطن والبلدي هي علاقة الأصيل والوكيل، وقرب الوكيل من الأصيل فيه الكثير من المصلحة للاثنين، قرب المواطن (الأصيل) من الخدمات وقرب النائب (الوكيل) من المنطقة وحضوره مجالسها والتقائه بهم في المساجد وحضور أفراحهم وأحزانهم يمنح الاثنين قدرة اكبر على تقييم الانظمة المحلية المؤثرة في حياة المواطن، وأكثر قدرة على تقدير تأثير بعض الأوامر التي تصدر عن الحكومة على المواطنين وعلى الحركة الاستثمارية في المنطقة، وأقدر على مراقبة الأداء وجودة الخدمات. تحويل المسؤولية إلى جهاز مركزي بعيد عن المواطن يفقد التجربة هذه الخاصية. أداء النائب البلدي ليس من النوع الممكن قياسه أو حتى تقييمه بسهولة، وبالتالي فإن قرب النائب من الناس يجعل التقييم أكثر موضوعية. 

نرى أن المجلس النيابي وعلى مر الدورات السابقة قصر في تطوير التجربة الديمقراطية وتقوية المجتمع ومؤسساته التمثيلية. كان الجدير بالمجلس النيابي أن يشرع لتقوية نفسه والمجالس البلدية وزيادة صلاحياتهما واستقلاليتهما.
هذا لا يعني ان المجالس البلدية خالية من المشاكل ولا تحتاج إلى إصلاح. المشاكل التي يعاني منها المجلس البلدي لا تنفصل عن مشاكل المجلس النيابي من حيث نوعية المرشحين وقدرتهم على التحرك ومستوى الصلاحيات الممنوحة لهم. إن محدودية هذه الصلاحيات في المجلس النيابي والبلدي هي ما يجعل المجالس (النيابي والبلدي) محدودة الفاعلية ولا نرى أن دمج المجلس البلدي سوف يعالج الأمر. فالدمج يبعد المجلس عن محيطه المحلي وقربه من المواطن ويكون تراجعا في التحول الديمقراطي وإضعاف المجتمع.


mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *