نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

مجلس النواب وقانون استثمار لجذب رؤوس الأموال

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٧ مايو ٢٠٢٠ – 02:00

في حديثٍ مع عددٍ من النوابِ منشور في الصحافةِ المحلية تحدث أحدهم عن أهميةِ سن قانون للاستثمار يُبحث خلال الفترةِ القادمة من أجل استقطابِ رؤوس أموال جديدة في البحرين. ونرى أن هذا توجُّهٌ حميد بأن يُنظر في موضوع جذب الاستثمار المحلي والأجنبي وتشجيعه لخلق فرص عمل وتنوع الخيارات الاقتصادية في السوق. لكن ما التوجهات التي سيتم التركيز عليها في هذا القانون والتي من شأنها أن تحقق ذلك؟. ومن ناحية أخرى كيف سيسهم القانون في دمج مجتمع الأعمال مع الجامعات والحكومة لخلق منظومة ابتكار ومنظومة ريادة وبيئة استثمارية جاذبة؟ وثالثا ما هو دور مجلس النواب في هذا الصدد؟

نبدأ بدور «النواب» لنطرح أهمية تزامن طرح القانون مع فتح نقاش مجتمعي مع الجهات المعنية لوضع الخطوط العريضة لاستراتيجية تنموية شاملة ترتكز على المعطيات الجديدة في المنطقة وفي سوق النفط والتحولات التكنولوجية والمعرفية. قبل أسبوع تم إعلان أن المنطقة الصناعية في الحد ستصل إلى طاقتها خلال عامين، وأن هناك توجهًا إلى إنشاء منطقة جديدة. ونرى أن هذه فرصة في أن يتزامن طرح النقاش حول الاستراتيجية مع بداية إنشاء هذه المناطق لتقوم وفق منظور تنموي شمولي يعيد النظر في نوعية الاستثمار المستهدف، استثمار قادر على نقل تكنولوجيا وخلق قدرة على استيعاب المعرفة ونشرها وتوطينها، استثمار بإمكانه المساهمة في تكوين منظومة ابتكار محلية، استثمار يسهم في خلق مجتمع المعرفة الداعم لمثل هذا التوجه ورفع قدراتنا الريادية في الأعمال لاستغلال الفرص التي تتيحها، وهذا يحتاج إلى تعاون أكثر من جهة من بينها الحكومةُ ومجتمع الأعمال والجامعات ومركز الأبحاث والجهات الاستشارية في مجال التنمية. ولكي تعمل هذه الجهات في تناغم لا بد من استراتيجية واضحة الأهداف والمؤشرات والنتائج.

في نوفمبر 2019 تحدث الشيخ الدكتور عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجس إدارة مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والطاقة (دراسات) وقال: «إن دول المجلس بإمكانها أن تصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم» وقال: «إن على دول الخليج تقوية اقتصاداتها بالاستثمار في الصحة والتعليم ورفع مستوى رأس المال البشري». وأشار إلى ثلاثة احتمالات لسيناريوهات أولها أن تكون دول الخليج كتلة سياسية تشكل «مركز الابتكار والريادة والتعاون في التنمية المستدامة». السيناريو الثاني هو مستقبل تخيم عليه أجواء من الإرهاب وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. والسيناريو الثالث، مستقبل سكوني يحكم على دول المنطقة بفترة من عدم الاستقرار وتدخل مستمر من دول المنطقة والقوى العالمية في شؤونها الداخلية.

هذا يعني أن السيناريو المتفائل لمستقبل دول الخليج مرهون بإصلاحات يقودها الاهتمام بتنمية وتطوير الإنسان صحيا ومعرفيا وعلميا وفكريا لكي يكون عنصرًا فاعلا في الاقتصاد المعرفي الذي تعوِّل عليه دول المنطقة. غير أن التنمية الإنسانية تقول بأن خلق مجتمع المعرفة الذي تعول عليه الدول العربية ودول الخليج لتكون رائدة في الابتكار «السيناريو الأول» له ركائز تسمح بانتشار المعرفة وإنتاجها وتوظيفها. منها توسيع حريات الرأي والتعبير والتنظيم وضمانها، النشر الكامل لتعليم راقي النوعية، توطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير التكنولوجي في جميع النشاطات المجتمعية، التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية العربية، وأخيرا تأسيس نموذج معرفي عربي عام أصيل منفتح ومستنير. إلى أي حد نجحنا في خلق مثل هذه البيئة؟ وهل الاستراتيجية ستكون بهذا العمق من المقاربة؟ 

على ضوء ما تقدم نتساءل هل يكفي فقط وضع قانون استثمار؟ أم أن هناك بيئة يجب أن تكون متوافرة ومحفزة للاستثمار في القطاعات التي حددتها الدولة في سعيها للتحول نحو اقتصاد المعرفة والإبداع والابتكار الذي يتناسب مع الوضع في البحرين بسبب نوعية رأس المال البشري الموجود ومحدودية السوق والحاجة إلى التعامل مع أسواق، وبالذات السوق الخليجية والعربية، والمستجدات التي يفرضها الواقع العالمي الجديد.

جذبُ المستثمرين بطبيعة الحال يحتاج إلى قانون يحمي استثماراتهم ويوفر لهم الوقت والجهد في إنشاء مؤسساتهم الاستثمارية. فمثلا يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة «أصول» الشيخ عبدالله بن خليفة آل خليفة «أهمية أن تقوم الدولة بتشجيع المستثمرين، خصوصًا مع وجود تنافس بين دول العالم». فمثلا وضعت أبوظبي استراتيجيات شاملة وأسست مكاتب متخصصة لإدارة الاستثمار. والتسهيلات في دول المنطقة تشمل خفض الضرائب وتقليل البيروقراطية المرتبطة بإنهاء معاملات الاستثمارات والإقامات. كذلك برزت أثناء مؤتمر المستثمرين العرب الذي عقد في البحرين في 2018 حاجة إلى تطوير التشريعات لجذب الاستثمارات غير التقليدية. أي إننا في حاجة إلى وضع محفزات تنافسية للمستثمرين. المحفزات العادية مثل خفض الضرائب والتسهيلات الإدارية مهمة ولكن الجميع يقوم بذلك عمليا، ولا توجد فيها ميزة تنافسية حقيقية يصعب تقليدها.

في تقرير هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية المنشور تقول إن نتائج الاستثمار الأجنبي بلغ 11 مليار دينار بحريني، وأن معظم الزيادة في الأنشطة المعلومات والاتصالات، والمالية والتأمين. وأن أهم مصادر الاستثمارات هي الكويت والهند والسعودية، وينحصر معظمها في قطاع المال والتأمين والعقارات. فما نوع التقنية التي نقلت من هذه الاستثمارات؟ وهل هي كفيلة بالمساهمة في الاقتصاد المعرفي الإنتاجي، وهل ستسهم في خلق منظومة الابتكار التي نعول عليها؟

وبالتالي فنحن في حاجة ماسة إلى وضع استراتيجية شاملة لرفع قدرتنا التنافسية، وليس فقط قانون للاستثمار. وإذا كانت مثل هذه الاستراتيجية موجودة ومحدثة، فمن الأجدى أن تنشر وتدرس بتزامن مع القانون المزمع وضعه، مع مراجعة الأداء في السنوات الماضية وتقييم نتائجها وفق هذه الاستراتيجية. 

ما يحقق ميزة تنافسية حقيقية هو الاستثمار في بناء منظومات التنمية والمعرفة والابتكار والريادة. وأساسها التعليم وخلق البيئة الاستثمارية المنفتحة. وقد أشار إلى ذلك الفريق البحثي لجامعة الخليج العربي الذي شارك في المؤتمر الدولي للبحوث التطبيقية الذي انعقد في بريطانيا، قالوا فيه إن «البحرين تتجه نحو تعليم الابتكار التكنولوجي والريادي» وهي تضع التصور للتقدم في هذا المجال. هذا مجال يستحق الاستثمار فيه كونه موجه مباشرة إلى تنمية القدرات الابتكارية والإبداعية، وإذا ما تهيأت له البيئة التعليمية والمجتمعية المناسبتين والقدر الكافي من الاستقلال للجامعات «كما طالبت الجامعة نفسها»، فهناك فرصة للتقدم وتخريج شباب يضيف إلى القوة البشرية المهنية والفنية والريادية. وللدولة دور قيادي في خلق مثل هذه البيئة الاستثمارية وتحقيق التحول المطلوب.

mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *