نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

رسوم استرجاع البنى التحتية او اي ضرائب اخرى يجب مناقشتها واخذ رأي المعنيين والمجتمع قبل الاقرار وليس بعده. النواب فشلوا في ذلك.

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1080644

في 1 يونيو الماضي تم الكشف عن اللائحة التنفيذية الصادرة عن وزير الاشغال لتنفيذ المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 2015 بشأن تحصيل كلفة إنشاء وتطوير البنية التحتية. عرف القانون البنية التحتية في الشبكات الرئيسية والفرعية للطرق والكهرباء والماء والصرف الصحي والساحات والمواقف العامة وتجميل وتشجير الشوارع والمسطحات الخضراء. فرضت اللائحة 12 دينارا عن كل متر مربع من صافي المساحة المطلوب بناؤها لأي عقار، سواء كان سكنيا أو تجاريا أو استثماريا.

ما يؤسف له أن هذا القانون تم تمريره من قبل مجلس النواب في العطلة التشريعية، ما قلص فرص مناقشته علنيا وتحليل أبعاده وتداعيات تنفيذه على الاستثمار وعلى الإيجارات في البحرين وعلى مستوى معيشة المواطن. وزير الأشغال يرى أن المواطن لن يتأثر، ونقول حبذا لو وضع سعادته أمام الرأي العام دراسة حصيفة تظهر تأثير هذا القانون على مختلف القطاعات ومن هو المستفيد ومن هو المتضرر وكيف يمكن لمثل هذا القانون أن يشجع الاستثمار كما أورد سعادته.

السؤال الموجه إلى النواب في هذا المقام هو: ما هي المعايير التي وضعها الدستور لتقديم مراسيم في العطلة التشريعية وما هي صفة الاستعجال في مثل هذه القوانين التي لها وقع كبير على حياة الناس وعلى الاستثمار وتحتاج إلى دراسة ونقاش من مختلف الفئات والمصالح المتأثرة بالقانون وطرح أسئلتهم حول تفاصيل تنفيذه وتأثيره المباشر والطويل الأمد. ماذا كان رأي غرفة التجارة في هذا القانون وهل تقدمت بورقة مكتوبة توضح رأيها المستقل فيه؟ وهل تم مناقشته من قبل اللجان المختصة في الغرفة؟ كان الأجدر بالمجلس النيابي أن يجعل تمرير مثل هذا القانون ضمن الموسم التشريعي ويُخضعه للنقاش والتشاور مع الجهات المعنية، لدراسة أبعاده وخيارات تنفيذه وتقييد الرسوم في القانون نفسه ولا يترك المجال مفتوحا تحدده الوزارة وتفاجئ المواطن به.

يبرر الوزير هذا الاستعجال في نقطتين، الأولى: انخفاض إيرادات الحكومة إلى مستوى النصف، ثانيا: ضرورة تمويل مشاريع البنى التحتية لكي لا يهرب المستثمرون وتتوقف عجلة الاقتصاد، وأن هذا القانون مطبق في بعض دول مجلس التعاون وخاصة في دبي.

هذه الاعتبارات مهمة، لكنها لا تدعو إلى الاستعجال، بل تحتاج إلى حلول طويلة الامد، فأين هي الحلول والاستراتيجيات الطويلة الأمد التي تنتشل الاقتصاد من الاستثمار الاستهلاكي في العقار؟ وتمنح المستثمر فرصا استثمارية إنتاجية تصديرية؟

بموجب هذا القانون تم تشكيل لجنة لوضع تقديراتها وانتهت بفرض 12 دينارا رسوما على كل متر مربع من مساحة البناء. نفترض ان هذه الكلفة محسوبة على الكلفة الفعلية التي تدفعها الوزارات على مشاريع البنى التحتية والخدمات المصاحبة لها، من دون الدخول في تفاصيل لا نملك بياناتها نقول إن المبدأ مقبول ولكن المشكلة في أن هذه الكلفة تعكس مستوى الكفاءة في أداء الوزارات والجهات المعنية في التنفيذ. ومن المعلوم أن التضخم الوظيفي في الوزارات والتعيين الذي لا يستند إلى الكفاءة والتجاوزات التي ترد في تقارير ديوان الرقابة الإدارية والزيادة التي يضعها المقاول لتأخير الدفع وغيرها من التكاليف الفوقية تقول إن هذه الكلفة تتحمل أعباء أخرى. لماذا يتحمل المستثمر والمواطن تكاليف تدني الكفاءة؟ ألا يجدر بالوزارات المعنية في هذه الحالة اعتماد الشفافية وعرض الكلفة الفعلية للبنى التحتية أمام المجتمع ومؤسساته المختصة وإفساح المجال لمراجعة ونقد هذه الأرقام؟

بالحديث مع عدد من المستثمرين البحرينيين والمطورين فإن التوجه كما يبدو يسير نحو التوقف عن البناء وقد ألغى المستثمرون والمطورون عددا من المشاريع الجاهزة للتنفيذ بسبب هذا القانون. فمثلا لبناية مساحتها 15 ألف متر تصل الرسوم إلى ربع مليون دينار، ومطور آخر أوقف المشروع لأن الرسوم بلغت مائة ألف دينار. مثل هذه الرسوم جعلت عددا من المستثمرين الخليجيين يطلبون إيقاف مشاريعهم المتفق عليها مع مطورين بحرينيين. أي أن النتيجة قد تكون عكس ما أراد دعاة الاستعجال، وخصوصا على المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

إن مبدأ استرداد كلفة الخدمات كان يجب أن يناقش على مستوى المجتمع، فمثلا الرسوم بشكل عام هي ليست الخيار الأفضل لتمويل ميزانية الدولة كما سبق أن قلنا في مقالات سابقة. الرسوم بطبيعتها هي مباشرة يدفعها المستفيد المباشر من الخدمة. قد يبدو هذا منطقيا ولكن هناك قضايا مهمة. الأولى هي أن الدولة ينبغي أن تعمل على نشر مبدأ التكافل الاجتماعي من خلال الضرائب. فمثلا كلفة البنى التحتية هي استثمار طويل الأمد يستفيد منه المجتمع ككل وليس بالضرورة شخصا محددا، حتى وإن ملك عقارا في المنطقة. لذلك فإن التكافل المجتمعي يعني أن يتعاون المجتمع في تمويل ذلك من خلال الضرائب التصاعدية التي يدفعها المقتدرون من المجتمع والأثرياء. أما الرسوم فتكون عاملا مساعدا ومساهمة من المستفيد المباشر كما كانت في السابق، حيث تدفع رسوم بلدية وجزء من تكاليف توصيل الكهرباء والماء. بالإضافة إلى ذلك فإن جزءا من المبالغ يمكن استرجاعه من خلال الفواتير الشهرية على الاستهلاك التصاعدي، أي أن المستهلك يدفع تكاليف الخدمة وجزءا من كلفة البنى التحتية. مثل هذه التدابير يمكن أن تكون خيارا لاستعادة التكاليف من دون وضع أعباء كبيرة مباشرة على المستفيد المباشر فقط، بينما المستفيد الحقيقي هو المجتمع ككل وكبار المستثمرين مثل الجزر المعزولة البذخية.

ثانيا: إن الرسوم بشكل عام تؤثر في الطبقة الفقيرة والمتوسطة أكثر مما تؤثر في الطبقة الغنية المترفة الأقدر على المساهمة في تمويل ميزانية الدولة. النقطة الثالثة هي كيف يقتنع المجتمع بأنه لن تكون هناك استثناءات؟ المادة السابعة من اللائحة التنفيذية تمنح الوزير سلطة تقديرية كبيرة للنظر في التظلمات يمكن من خلالها فتح ثغرة في القانون. لذلك فإن بناء ثقة المواطن في سلامة الإجراءات وصرامة التنفيذ على الجميع يتطلب وجود شفافية وإمكانية التدقيق من قبل مجلس النواب في حالات محددة وعينات عشوائية أو انتقائية، ووجود الرأي الآخر المستقل. فهل سيتوافر ذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *