نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. ملتقى التعليم والتدريب.. وسوق العمل

  تاريخ النشر :٢٨ أغسطس ٢٠١٣ 

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

مشكلة مخرجات التعليم والبطالة بين الشباب المتعلم اساسها اخفاق اقتصادي ناتج عن سياسات اقتصادية تعتمد على قطاع الانشاء.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/12941/article/44267.html

هل سوق العمل يحتاج إلى مخرجات التعليم؟ وكم يستطيع ان يستوعب من هذه المخرجات؟ هذه اسئلة حاول الباحث محمد ديتو مناقشتها في 17 اغسطس 2013، في ندوة نظمتها «الجمعية الاهلية لدعم التعليم». في بحثه القيم تطرق الاستاذ ديتو إلى مناقشة الفهم السائد حاليا للعلاقة بين التعليم وسوق العمل، وكيف نفهم هذه العلاقة بشكل افضل ويعرض مؤشرات من واقع سوق العمل، ويخلص إلى استنتاجات سوف نتناول اهمها بإيجاز.

 يرى الباحث ان العلاقة بين التعليم وسوق العمل تقوم على ثلاث فرضيات، اولا ان التعليم يجب ان يلبي احتياجات سوق العمل من الاختصاصات والمهارات اللازمة؛ ثانيا ان تحسين نوعية وكمية مخرجات النظام التعليمي تؤدي إلى تحسين اداء سوق العمل وترفع من كفاءة وانتاجية الاقتصاد؛ ثالثا ان كل ذلك يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة والقضاء على الفقر في المجتمع. ينطلق من ان هذه الفرضيات مقبولة بشكل واسع لدى اطراف الانتاج في البحرين (الحكومة، اصحاب الاعمال، والعمال)، لكن الجميع يصطدم بالاخفاق في تحقيق الموائمة المنشودة بين عالمي التعليم وسوق العمل، ويتساءل لماذا الفشل في ترجمة هذا التوافق إلى واقع؟ هل هو خلل في التطبيق، ام خلل في الفرضيات؟ ام في الاثنين؟

 يشير الباحث إلى ان الفرضيات هذه لا تتحقق في جميع الحالات. فمثلا خلصت دراسات بريطانية في عام 2002 قامت بها جامعة بريطانية (كينجز كولج) وصدرت في كتاب «اساطير حول التعليم والنمو الاقتصادي» إلى ان العلاقة بين جودة مخرجات التعليم والنمو الاقتصادي ليست بالضرورة علاقة سببية طردية. هذا يعني ان هناك متطلبات اخرى بالاضافة إلى التعليم لتحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، فما هي؟

 من النتائج المؤرقة التي توصل لها الاستاذ ديتو هي ان العمالة الوافدة ذات المؤهلات العلمية الدنيا زادت منذ عام 1981 ستة عشر مرة، فقد كان عدد حملة الاعدادي فما دون من العمالة الوافدة في عام 1981 (16,512) ارتفع هذا العدد في 2010 (160,714) عاملا. كما ان نسبة العمالة البحرينية إلى العمالة الاجنبية في ازدياد، ففي عام 1981 كانت العمالة البحرينية 41% من مجمل العمالة، بينما انخفظت هذه النسبة في 0102 إلى 25% فقط. اما العمالة المؤهلة من حملة الدبلوم فما فوق فان نسبتهم ظلت ثابتة على مدى الثلاثين سنة الماضية عند 31%. اي ان قاعدة الطلب على العمالة تحولت في الاربعين سنة الماضية من الفئة المتعلمة والمؤهلة إلى الفئة غير الماهرة. اي ان متطلبات الاقتصاد اتجه نحو العمالة غير الماهرة.

 من جهة اخرى يحذر الباحث من اهمال التخصصات الانسانية، اي ان المفهوم الرائج هو ان وظيفة التربية والتعليم هي سد حاجة سوق العمل على حساب التخصصات الانسانية. فالمتخصص في علم الاجتماع مثلا يجد نفسه خارج متطلبات سوق العمل، وفرصته تكاد تنحصر في قطاع التعليم. يعرض الباحث دراسة لعالم النفس من جامعة ليون بفرنسا (الدكتور مصطفى حجازي) الذي يحذر من ضعف الدراسات الاجتماعية والتي في الواقع مطلوبة لبيان اثار البناء الاقتصادي المختل وعلاج آثاره الاجتماعية والنفسية. كذلك يرى ان الجانب الثقافي – المناط به تفتيح الاذهان وتوسيع الافاق واطلاق القدرات العقلية – مهمش بدرجة كبيرة ولا توجد له فرص عمل حقيقية. 

 المشكلات التي يتعرض لها البحث تفيد باننا ومنذ منتصف الثمانينيات توقفنا عن التنمية الحقيقية المتمثلة في انشاء صناعات تستغل الموارد الطبيعية وتقوم على تصنيعها كمنتجات نهائية ناجزة للتصدير. هذا التوقف عزاه الباحث إلى رغبة الحكومة في الخصخصة ولكن هذا لا يفسر لماذا تقوم الحكومة من خلال ممتلكات باستثمارات خارجية؟ لذلك فان استنتاج الباحث الآخر والاكثر قربا هو غياب سياسة تنموية شاملة، فالسياسات الموجودة مجزأة في وزارات لا تملك الرؤية الشاملة كما انها تفتقد إلى التقييم الموضوعي لهذه السياسات وفق معايير يتفق عليها المجتمع. النتيجة هي ان القطاع الخاص لم يعد بامكانه استيعاب الاعداد التي تتخرج من الجامعات وانخفضت قدرته الاستيعابية لفئة الشباب (15-24 سنة) إلى 18% فقط مقارنة بالقطاع العام 33%. 

 بالاضافة إلى غياب السياسات الشاملة فان البنية الاقتصادية الحالية تقوم على قطاع الانشاء الذي يخلق فرص عمل للاجانب متدنيي التعليم اكثر مما يخلق فرص تناسب مخرجات التعليم. وفي القطاعات الاخر فان البحريني ينافس في سوق غير مستوية، حيث يتجه اصحاب الاعمال إلى خبرة افضل براتب اقل من راتب البحريني حديث التخرج. اي ان الخريج البحريني يتنافس ليس في سوق البحرين مع اقرانه البحرينيين فحسب، بل انه يتنافس في السوق العالمية (بفضل فتح السوق للوافدين) ذات المستويات المعيشية المنخفضة نسبيا.

 ما هو الحل؟ يرى الباحث ان زيادة الانفاق على التعليم لن يعالج المشكلة ما لم يتم معالجة ثلاثة امور، الاول هو اعادة هيكلة الاقتصاد بحيث تزداد قدرته على خلق فرص عمل مجزية ومناسبة على غرار ما قامت به الدولة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وثانيا معالجة المشكلة الثقافية من مداخلها السياسية والاجتماعية التي تخلق ذهنية لا تقبل التدريب والمهن الحرفية. اي ان المشكلة ليست في الشاب البحريني بل في المنظومة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تخلق البيئة غير السوية التي نعيشها، ثالثا غياب التقييم الموضوعي للسياسات المبنى على بينات حديثة نفتقدها اليوم.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *