نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

1 نوفمبر 2021

مناقشة العلاقة بين البطالة والخصخصة

تعتبر خطة التعافي الاقتصادي حدث مهم يتطلع له العاطلون في معالجة مشكلة تعطلهم وتحريك مسار حياتهم. ركزت خطة التعافي على قضية البطالة وخلق فرص عمل في اولى اولوياتها. هذا يشير الى ان الدولة تدرك اولا وجود مشكلة بطالة يتوجب معالجتها وان حجمها يحتاج الى 20 الف وظيفة سنويا لكي يتم التعامل معها بفاعلية؛ وثانيا ان هناك حاجة للتدريب واعادة التدريب للمعالجة. وبما ان الدخول في سوق العمل يتراوح بين 8000 الى 12000 سنويا فهذا يعني ان هناك فرص لتدريب من يفقد وظيفته تساعده في الحصول على وظيفة اخرى في فترة زمنية معقولة.

قضية البطالة كما هو الحال مع قضايا اخرى تعتمد على عدة عناصر، الاول ان المواطن الذي يتوجه لسوق العمل ينبغي ان يمتلك معارف ومهارات وخبرات تجعله قادرا على المنافسة. يتاثر ذلك بجودة مخرجات التعليم والتدريب والبيئة الاجتماعية ومدى توافقها مع متطلبات السوق مهنيا وسلوكيا وفكريا. ثانيا اهمية وجود طلب متنوع في السوق يتناسب مع التغيرات الطبيعية في حركة التوظيف والتسريح والدورة الاقتصادية. وان تتحمل الدولة (والشركات) مسئولية التدريب واعادة التدريب لتقريب الفجوة بين الطلب والعرض. ثالثا قوانين سوق العمل وما تفرضه من تكافؤ الفرص وما توفره من معلومات للباحث عن عمل وللمؤسسات. رابعا سياسات الدولة في التنمية ومدى النجاح في تنويع الاقتصاد وشبكة الحماية والضمان الاجتماعي التي توفرها للرواد والمبدعين والمبتكرين في حالة فشل مشاريعهم.

تتاثر هذه العناصر الاربعة سلبا بقضية الخصخصة. حيث نجد ان في غياب القطاع العام اتجهت الخدمات التي خضعت للخصخصة الى استخدام عمالة اجنبية وافدة بحثا عن خفض التكلفة، وفي نفس الوقت لم تساهم مخرجات التعليم والتدريب في سد الفراغ. وهذا يتنافى مع اهم اهداف التنمية في خلق فرص عمل للمواطن وجعله الخيار المفضل.

بالنسبة للخصخصة، يرى المؤمنين بها ان القطاع الخاص يوفر ادارة افضل مثل تقليل التكلفة وزيادة الكفاءة والنوعية والاهتمام برضى “الزبون”. كذلك تخصيص الخدمات التي تقدمها الحكومة يؤدي الى امكانية تصغير حجم الحكومة ويقلل الحاجة لزيادة الضرائب. تحت تاثير هذه الايديولوجيا انتشرت الخصخصة في معظم الخدمات العامة منها التعليم والصحة وتوفير الكهرباء والمواصلات والاتصالات وغيرها. تسابقت دول كثيرة في بيع اصول الحكومات بقيادة بريطانيا وامريكا، بعضها بدافع ايديولوجي سياسي واقتصادي، واخرى فقط لزيادة ايرادات الحكومة من البيع.

في المقابل يرى المناوئون للخصخصة بانها لا تضمن حسن الادارة ورفع الكفاءة، وان كفاءة الخدمات هي احد الاهداف وليس الهدف الوحيد، وتحقيقه يمكن ان يتم بوسائل عدة ليس بالضرورة الخصخصة. كما ان عنصر الربحية قد يجعل الادارة تفضل تقديم خدمات اكثر ربحية للميسورين على حساب ذوي الدخل المحدود والطبقة الفقيرة، وبذلك تجعل بعض الخدمات الجيدة، سواء في التعليم او في الصحة، ليست في متناول هذه الطبقة، او ذوي الاحتياجات الخاصة. لمعالجة هذا الاخفاق تتدخل الحكومة من خلال سياسة الدعم لجعل هذه الخدمات مربحة للشركات. وبذلك تعمل الحكومة على تصحيح اخفاقات الخصخصة بكلفة يتحملها دافع الضرائب.

هناك وجهة نظر ثالثة (بين المناصرين والمعارضين) ترى ان الخيار لا يقتصر على اما خصخصة واما قطاع عام، هذا الفريق يطرح السؤال: تحت اي الظروف يتصرف المسئول عن الخدمة لتعظيم الصالح العام؟ ويرو ان الخصخصة هي عبارة عن استبدال المساءلة من الملاك (المواطنين) بمجموعة اخرى تقوم بالمساءلة هي (المساهمين)؛ وان زيادة الكفاة تاتي من تغيير في سلوك المسئول نتيجة نوعية المساءلة التي تخضع لها ادارة المؤسسات وليس نوعية الملكية خاصة كانت ام عامة. اي ان سبب رفع الكفاءة هو حسن الادارة وليست نوعية الملكية. وحسن الادارة تعتمد على نوعية الحوافز التي تقدم للمسئول لتجعله يتصرف وفق خدمة الصالح العام. الخلاصة ان تصرف المسئول (في القطاع العام او الخاص) يعتمد على الظروف التي تقدم فيها الخدمة من مساءلة وحوافز.

ثانيا ان عنصر المنافسة هو احد اهم محفزات الاداء. في كثير من الحالات تعمل الخصخصة على خلق احتكارات غير خاضعة للمنافسة او لخدمة المصلحة العامة. وقطاع الكهرباء والمواصلات امثلة حية. فاذا لم يتوفر هذا الشرط فان تدخل الحكومة سيكون ضروريا سواء كانت الادارة عامة او خاصة. ويرى هذا الفريق ان المهم ان تتضح الاهداف وتتضح مؤشرات الاداء وتتضح المحاسبة والمساءلة والحوافز الداعمة وان تخضع التعيينات للمنافسة لكي تتحسن الخدمات، وهذا مطلوب سواء كان قطاع عام او قطاع خاص.

لكي تتحقق الكفاءة وجودة الخدمة العامة لا بد من تحديد ماذا تعني المصلحة العامة بالنسبة لهذه الخدمة؟ فماهي المصلحة العامة في التعليم والصحة والكهرباء؟ ولماذا لا يمكن تحقيقها من قبل القطاع العام؟ وكيف نتغلب على عقلية الاحتكار وضمان استمرار العمل، وكيف يمكن ادخال عنصر المنافسة في المدارس العامة؟ وفي الصحة بدلا من توسيع القطاع الخاص.

الخلاصة ان التعليم والصحة عاملان اساسيان في التنمية المستدامة كما انهما حق من حقوق المواطن ليس فقط حقه في جودة الخدمة لكن كذلك في العدالة والمساواة في تقديمها للجميع بحيث يستفيد المجتمع من جميع طاقاته ومهاراته. وهنا لابد من طرح  اسئلة ومناقشتها مجتمعيا لتحديد الموقف من هذا التوجه وبيان مضاره الاجتماعية. احد هذه الاسئلة لماذا لجأنا الى القطاع الخاص في توفير خدمات الصحة والتعليم؟ هل بسبب النوعية ام بسبب النقص في الطاقة الاستيعابية لمدارس ومستشفيات الدولة، ام لاعطاء خيارات للطبقات الميسورة؟ في النهاية الصحة والتعليم الخاص يعتبران نوع من الضريبة يدفعها المواطن لكي يقدم لابنائه نوعية افضل من العلاج والتعليم، وبيئة اجتماعية افضل للتعليم. لذلك فان التوجه نحو الخصخصة يخلق بيئة من عدم تكافؤ فرص التعليم والعلاج يقسم المجتمع الى فئات منفصلة عن بعضها توثر على تجانس المجتمع ويحرم المجتمع من بعض كفاءاته.

drmekuwaiti@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *