نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. منتدى الخليج والجزيرة العربية والتحديات الاقتصادية

تاريخ النشر :7 نوفمبر  2011 طباعة 15

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في الاسبوع الماضي تطرقنا الى ما دار في منتدى الخليج والجزيرة العربية، فقد تحدث المنتدون عن الحرية والتنمية والفساد. عبر المنتدى عن احساس بان شمس الحرية قد بزغت على العالم العربي وهي تنبئ بان من لا يدرك ذلك من الدول فان مصيرها قد يكون مظلما. فالشعوب التي انتفضت من تونس الى سوريا وشكلت وعيا عالميا باهمية رفض الاستبداد والاحتيال على الديمقراطية انتقل الى وول ستريت وغيرها من عواصم المال. هذه الحركة غزت العالم ثقافيا وسياسيا لدرجة ان عبارة “الشعب يريد” انتقلت الى قواميس العالم من اسرائيل الى امريكا واستراليا وغيرها. فالصرخة المدوية كانت اقوى من اي حاجز ديني او ثقافي او اجتماعي، فهمتها الشعوب في العام رغم اختلاف اللغات. كما فهمها بن علي بعد فوات الاوان.

بينا في مقالنا السابق ان الحديث تناول اربعة جوانب هي الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والثقافي. على المستوى السياسي فان ماحدث في الوطن العربي من ثورات اثبتت هشاشة الانظمة التي تهاوت اطرافها بسرعة تدعو الى التامل وقراءة التوترات السياسية بشكلين موضوعي وعلمي من دون الغرق في التعميمات العاطفية العجول” ان ما حدث بلا شك ينعكس على الوطن العربي سياسيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وقد يكون من الصعب ادراكه الان. كما انه لم يعد كافيا القول بخصوصية اي منطقة او الركون الى هذه الخصوصية في تجنب التغيير.

ما اشعل الثورات العربية هو الثالوث الخطير المتمثل في نقص او انعدام المشاركة السياسية وسوء توزيع الثروة والهيمنة الاجنبية على مقدرات الامة. هذا الثالوث يشكل البيئة المناسبة والوصفة التي اشعلت الثورات مما يفرض علينا ان نتدبر الوضع السياسي والخروج بمقترحات عملية وعلمية لدرء المخاطر ولم الشمل وتفادي التصعيد الطائفي وتفتيت المجتمع. يقول احد المتحدثين بضرورة الاصلاح الوطني في كل قطر فان النعم لا تدوم الا مع الشكر، والشكر هو الاصلاح والتغيير، وهذه سنة الحياة ولن تقف سنته تعالى عند ابواب احد.

على المستوى الاقتصادي تتطرق متحدثة في المنتدى الى ان سبب الازمات التي تمر بها الدول الصناعية هو انخفاض مساهمة الصناعة الانتاجية في ناتجها القومي. اي ان الازمات هي بسبب نقص الانتاج الصناعي. ومن هنا تنطلق لتقول ان اقتصادات الخليج القائمة على الخدمات سواء كانت مالية او سياحية او تجارية هي اقتصادات هشة لا تصمد كثيرا في وجه الازمات. الاقتصاد الخليجي يعتمد بالدرجة الاولى على النقط وان اي تحسن في ادائه مرتبط بما يحدث في السوق النفطية. وان الاعتماد على النفط هو اكبر مكامن الضعف. تلفت النظر الى ان الحاجة للتنوع امر ملح لتوفير فرص عمل لمجتمع خليجي شاب. وتقدم المتحدثة مقارنة مع طريقة تعاملنا مع النفط وما تقوم به دولة مثل النرويج. ففي النرويج تُستخدم العوائد لانشاء صناعات ووسائل انتاج. بينما في الخليج توزع على العائلات وما تبقى يستهلك في تسيير معيشة الناس واجهزة الدولة.

يطرح محاضر اخر تساؤلا مهما وجوهريا ويقول “هل حدثت تنمية اقتصادية في منطقة الخليج منذ عصر النفط؟ ، ويجيب بان ما حدث لا يمكن ان يعتبر تنمية. ويعرف التنمية بان يتمكن الاقتصاد من انتاج سلع من تكنولوجيا محلية تبيعها وتحصل على عملة صعبة في مقابل الانتاج وليس مقابل تصدير النفط.

في هذا السياق يطرح المحاضر عددا من الاسئلة اهمها الى اي حد يمكن للدول الخليجية الاستفادة اقتصاديا من الكثافة السكانية في دول الجوار مثل العراق واليمن وايران (130 مليون نسمة تقريبا) وهل يمكن تنمية التجارة البينية الخليجية من دون ايجاد اقتصاد انتاجي معرفي قوي؟ لتحقيق ذلك يتطرق المحاضر الى عدد من التحديات نذكر منها ان القطاع الخاص مازال تابعا للقطاع الحكومي بحكم سيطرته على الثروة واخضاعه لارادة الدولة. وبالتالي فان مبادرته في تنويع مصادر الدخل ستكون محدودة. اما القطاع الثالث (المجتمع المدني) فهو ضعيف وغير مؤثر بشكل فعال في القرارات السياسية والاقتصادية الكبرى.

واخيرا يتطرق المتحدث الى شروط التنمية فيقول انها لا تحدث من فراغ فهي تحتاج الى رؤية وتكامل بين دول الخليج تحدد ماذا نريد ان نكون؟ ويتساءل من يضع الرؤية؟ وهل سيتم اشراك الشعوب في وضع مثل هذه الرؤية والاعتراف بحقهم في المشاركة؟

يوصلنا ذلك الى نتيجة مفادها ان جميع الدول الخليجية مازالت غير قادرة على الصمود اقتصاديا في حالة توقف ضخ النفط وهذا يعد فشلا ذريعا في ادارة الثروة التي تم استخراجها على مدى النصف القرن الماضية وذلك بسبب سوء هيكلة اقتصادها. يؤكد ذلك الاستاذ محسن الندوي في كتابه تحديات التكامل الاقتصاد العربي 2011 يذكر التقرير الصادر عن الامانة العامة لدول مجلس التعاون ان الدول الخليجة غنية بسيولتها فقيرة في هياكلها الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فهي تواجه تحديات كبيرة وصعبة الى جانب التحديات الاخرى من حيث ان مصدر سيولتها النقدية غير متجدد وعليها ان تحدث تطورا سريعا في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل نضوب مصدرها التمويلي الوحيد وهو النفط (صفحة 121). 

لذلك فان ما يؤكده المنتدى من اهمية للاصلاح والتغيير السياسي هو الطريق الاسلم لتقوية الجبهة الداخلية. وبالتالي على المؤتمر ان يوجه خطابه الى الشعوب لتفوق من غفوتها. ويحث الحكومات ان تستوعب التحولات التي تجري في المنطقة وتعتبرها حركة تاريخية لا رجعة فيها مصداقا لقوله تعالى “ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسد الارض”، ومن دون ذلك فستجد نفسها في ازمة حقيقية. فالغرب غيَّر مفهومه عن المنطقة واعتبرها شعوبا جديدة تحتاج الى تعامل جديدة فهل ادرك القادة ذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *