نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. منتدى الخليج والجزيرة العربية وتحديات الهوية 

تاريخ النشر :14 نوفمبر  2011 طباعة 16

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في الاسبوع الماضي تطرقنا الى مادار في منتدى الخليج والجزيرة العربية الذي اقيم في منتصف الشهر الماضي وتناول المنتدون السؤال الجوهري هل يمكن للوحدة ان تتم قبل الاصلاح السياسي؟

وخلال المنتدى تحدث عدد من المفكرين والسياسيين حدد احدهم ان الخليج يتعرض لخطرين رئيسين هما خطر قائم متمثل في امرين، الاول داخلي، وهو غياب المشاركة السياسية، والثاني هو المشروع الامركي والخطر الاخر خارجي وهو التهديد الاقليمي.

طرح المتحدثون تحديات جمة تواجه الوحدة الخليجية منها تحديات استراتيجية ومنها سياسية واخرى اقتصادية وتحديات ثقافية تتعلق بالهوية الخليجية. لخص المتدى المشاكل في ثالوث تمثل في استشراء الفساد والاستئثار بالسلطة والثروة والهيمنة الاجنبية. ادى ذلك الى هشاشة النظام السياسي والاقتصادي بسبب الاعتماد المفرد على ثروة النفط وسوء استغلالها. يضاف الى ذلك فقدان الهوية الجامعة، وخلص المؤتمر الى ان الندخل لعلاج هذه التحديات هو نظام ديمقراطي يقوي الجبهة الداخلية ويعزز مفهوم المواطنة ويوحد المجتمعات خلف مصالحة واهمها الوحدة الخليجية وروحها الهوية الخليجية التي تقول من نحن.

في هذا المقال سوف نتناول قضية الهوية الخليجية. قدم الورقة الدكتور حاكم المطيري. بدأ حيدثه بالقول ان المشاكل والمآسي في العالم نبعت من كيفية تعريف الدولة لنفسها، فعندما عرفت الدولة نفسها تعريفا دينيا طائفيا حدثت حروب طائفية فئوية، وعندما تجاوزت هذه المرحلة بصياغة هويتها على اسس قومية حدثت حروب قومية كما هو الحال في اوروبا وغيرها. ثم صاغت هوية ايديولوجية (الشيوعية) فكانت حروبا ايديولوجية باردة وساخنة، وعندما ادركت الدول الاوروبية خطورة الهوية وعرفت نفسها على اسس المواطنة تحقق الاستقرار واستوعبت القوميات والاديان والايديولوجيات وحل السلام بينها. ويشير الى ان للهوية اشد الاثر واخطره على حرية الفرد والمجتمع. وقد تتعرض لازمة يختل بسببها توازن المجتمع،  وتضطرب احواله ، وتتعطل ملكة الابداع لدى افراده، لما قد يشعرون فيه من اغتراب اجتماعي، اواستلاب لهويتهم. كما ان قوة الهوية في عهد المد القومي صهرت الشعوب العربية وتغلبت على محاولات التجزئة الغربية.

بعدها يعرج المحاضر على عناصر القوة والضعف في الهوية الخليجية فيقول ان عناصر القوة والضعف في الهوية الخليجية تتمثل في الجغرافيا واللغة والدين والعادات كما ان العنصر العروبي الاسلامي يشكل قاعدة لهذه الهوية. غير ان الحكومات تشكل وعيا بدون هوية. فلا توجد هوية واضحة في الاعلام ولا توجد رسالة في التعليم مما يدفع البعض الى انتماءات اخرى. اما عناصر الضعف في الهوية الخليجية فاهمها هو عياب مفهوم المواطنة ومفهوم الاخوة الاسلامية اللذين سادا في الاسلام. وبدلا من ذلك تؤسس الهوية على الموالاة الرعوية والتبعية يمنحها وينزعها النظام والدولة. وعندما ضمنت الدول الغربية لحكام المنطقة السلطة والثروة جعلهم في غنى عن المواطن. اما التاريخ فهو تاريخ انظمة حكم تتجاوز الشعوب وتطمس هويتهم. ولا توجد هوية قادرة على اشباع الحاجة الى الانتماء والهوية.

يقدم المحاضر مقارنة بما حدث في صدر الاسلام من تشكيل الهوية عندما جاء الاسلام الى اوضاع تشابه ماهو موجود اليوم، فاعاد تعريف الانسان من جديد وكرم الاسنان لذاته فالجميع اخوة في الانسانية. وعمل على تعزيز المشترك الايماني. وبمقتضى الاخوة كانت المساواة، وعمل التوحيد العقدي واللغوي والسياسي على تعزيز مفهوم المواطنة بان الله وحده هو الرب وكلكم سواء. والحاكم هو احدهم، وان الانسان مرتبط بالارث الاسلامي من ابي البشرية ابراهيم.

ويتساءل المحاضر ما مصلحتنا من الوحدة؟ ويجيب بانها اصل من اصول الاسلام. فاسباب الصراع الحالية تقوم اما على الدين ، في حين ان الاسلام لا يقر هذه الصراع بقوله تعالى “لا اكراه في الدين”، واما على السلطة والثروة الارض، والاسلام يجعل الجميع شركاء فيها. كما يوحد الاسلام الامة بوحدة رسالتهم التي يحملونها الى العالم- كنتم خير امة اخرجت للناس- ورسالتهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله. ولكن بدلا من ذلك تاهت الامة. فهي لا تملك مشروعا تواجه به الامم ولا تملك نظاما سياسيا تشترك فيه ويعبر عنها. فالموجود يمثل امتدادا لتحولات تاريخية بعد الخلافة الراشدة حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي الختام يرى المحاضر اهمية صياغة الهوية العربية الاسلامية في الخليج والجزيرة العربية صياغة جديدة تقوم اولا: بتوحيد المنطقة سياسايا واقتصاديا وعسكريا لتكون هوية ومصير مشتركين. ثانيا : تحرير المنطقة من كل اشكال الاحتلال الخارجي والاستبداد الداخلي، اللذين يصادران حق الانسان في الكرامة التي هي الاساس الذي يعزز الانتماء للوطن. ثالثا: تعزيز المشتركات بين شعوب الخليج والجزيرة العربية. وان تبنى هذه الهوية على اسس اولها الهوية العربية بتاريخها وادابها وعدم الاحتفاء بالقبلية والمناطقية والقطرية. وثانيها الهوية الدينية الاسلامية وليس التشعبات المذهبية. وثالثها تعزيز الوحدة الشعورية والثقافية والروحية بينهم وتعزيز روح الانتماء لوطنهم ليكون صمام امان لامن الدولة وتحقيق الاستقرار والازدهار. ورابعها تعزيز القيم الانسانية والحضارية المشتركة، ومواكبة التطور والحضارة الانسانية في نظمها وانظمتها وعلومها وصناعاتها. وخامسها احترام الخصوصيات الثقافية والمذهبية والدينية، واحترام حقوق الانسان، وحقوق المكونات المجتمعية.

هذا يقود الى الانتقال من الوضع الراهن – الذي يكرس الرأسمالية المتوحشة وتكدس الاموال والرفاة في الفئات المسنة والمرهفة بينما تضيع جماعات الشباب بلا امل في دور وتنمية رشيدين – الى حال الشراكة في السلطة والمال العام الذي لا تنفيه الخصوصية الخليجية. واول خطوات الاصلاح هذا هو ان يعلن وفق خطة مبرمجة والا فان الاحتلال الاجنبي سوف يزيد ما لم نصلح ونتوحد، وان زمجرة الربيع العربي كفيلة بايقاظ من اوغل في النوم والغفلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *