نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. منظومة التعليم ورسالتها التنموية

تاريخ النشر : 9 مايو  2009

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

في ندوة بمجلس الدوي بالمحرق تطرق الدكتور ابراهيم القلاف (جامعة البحرين) لرؤية تحليلية لمنظومة التعليم العالي الجامعي ومدى تواؤمها مع تطلعات الميثاق.

اوضح المحاضر عبر شرح موجز بان الاقبال على التعليم العالي مدفوع  بتوافر فرص العمل للخريج الجامعي وبالرغبة في تحسين مستوى الدخل للفرد المتعلم. فقد زاد الاقبال خلال السبع سنوات الماضية بنسبة 40%. واشار الى الاهتمام الكبير الذي توليه دول العالم المتقدم بالتعليم العالي ومدى ما تنفق على الابحاث. فامريكا مثلا تنفق 40% من مجمل الانفاق العالمي على التعليم و 35% من الانفاق على البحث العلمي وهذا ما يفسر تفوقها العلمي والتكنولوجي والذي انعكس على مستوى متوسط الدخل للفرد، بينما تقع الدول العربية في ذيل القائمة، وتفوقت عليها دولة مثل سنغافورا لا تملك اي نوع من الموارد باستثناء الانسان والنظام السياسي الكفء. 

بالنسبة للبحرين فان الميثاق الوطني وفي الفصل الاول منه ينص على ان “الجامعات هي منارات للاشعاع الفكري والتقدم العلمي مما يقتضي توفير الحرية الاكاديمية لها وضمان ممارسة هذه الحرية وانفتاحها على افاق المعرفة”. ويواصل الميثاق بالقول “تعمل الدولة على تشجيع التعليم الخاص وتأسيس الجامعات والمعاهد الخاصة مع دعم مؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي”. طبقت الدولة الشق المتعلق بتأسيس المعاهد والجامعات الخاصة، فقد وصل عددها الى اكثر من 25 جامعة، ولكن في معظمها ان لم يكن جميعها تهتم بالتعليم وليس بالبحث العلمي والتطوير وانتاج ونشر المعرفة او خلق الفكر النابض الذي يقود الرأي العام ويجسد حركة المجتمع كما في الدول المتقدمة. الى الان لم نرى كيف سيكون هذا الدعم للبحث العلمي دون وجود رؤية علمية بحثية واستراتيجية تحدد مجالات البحث العلمي والتطوير الذي ستنتهجه البحرين ليقود التنمية المستدامة بالرغم من الجهود التي تبذلها مختلف الجهات.

يتضح من نسق الندوة ان المحاضر كان يركز على المنظومة التعليمية ودورها في التنمية وفي الحياة وفي التقدم الانساني. بينما بعض الحضور ذهب الى المقارنة بين خريج الجامعات الغربية وخريج جامعة البحرين. يدل ذلك على وجود مفهوم قاصر لرسالة الجامعة. يقول احد المتداخلين بان مستوى التعليم في البحرين ممتاز بدليل ان هناك خريجي من تخصصات مختلفة تفوقوا في تخصصاتهم وتم احلالهم محل الاجانب في كثير من المجالات. بينما يقول اخر بان التعليم سيئ بدليل ان خريجي الجامعات لا يعرف كيف يقدم طلب للتوظيف.

هذه المقارنة تفترض ان دور الجامعة يقتصر على التدريس اي انها امتداد للمدرسة. بينما الواقع ان الجامعة هي اكبر من ذلك. ان رسالة الجامعة كما نستشفها من مقابلة اجرتها اخبار الخليج مع وزير التربية (6-5-2009) ومن الميثاق الوطني هي انتاج ونشر المعرفة. وانتاج المعرفة يعني العمل في البحث العلمي بشكل مكثف وممنهج وليس فقط دراسات متفرقة للماجستير والدكتوراة توضع في الرفوف بعد الانتهاء منها. بل لا بد ان يكون البحث العلمي قائم بناء على رؤية استراتيجية علمية تكون رافدا للتنمية الاقتصادية وللرفاه الاجتماعي وتأمين مستقبل الاجيال القادمة. وفي غياب مثل هذه الاستراتيجية فان التعليم العالي سيظل يتخبط في برامج غير مترابطة. ان وجود مثل هذه الاستراتيجيات هي التي جعلت دولة مثل سنغافورا تتفوق على الدول العربية مجتمعة بالرغم من قلة مواردها. 

وخلاصة القول ان التعليم الجامعي هو مكون اساسي في عملية بناء المجتمع ويستند على ثلاث اعمدة. الاول الجانب العلمي والذي يقوم على التفكير الحر وتشجيع النقاش والنقد والبحث. ولا يمكن تحقيق دراسة جامعية حقيقية دون اجواء من الحرية الاكاديمية. ثانيا الجانب المجتمعي والذي يقوم على بناء المواطن المنتمي لوطن ولغة وثقافة والواعي لفرديته وحقوقه كمواطن، وان الجامعة وطنية بلغتها وثقافتها ولكنها كونية بآفاقها ومعاييرها العلمية. والثالث هو انه لا توجد جامعة من دون بحث علمي، فالجامعة ليست مكان للتعليم والتعلم فقط. 

لقد تم اضعاف هذه الاسس للتعليم الجامعي في دولنا العربية، بدأ بالحرية الاكاديمية التي اصبحت خاضعة للتزلف والمجاملات وامزجة النخب الحاكمة. وفُرضت عليها القيود بدعوى المصلحة الوطنية تارة والامن تارة اخرى. كما خضعت التعيينات للمحسوبيات والولاء وليس للمقدرة العلمية والبحثية. هذا يقود الى التساؤل عن السبب وراء هذا التلكؤ في دعم البحث العلمي والتطوير في بناء تنمية مستدامة. هل هي اولويات التسليح والامن، ام هي الخشية من الحرية الاكاديمية وتاثيرها على الوعي والمطالبة بالحقوق؟ ام ببساطة عدم ادراك لرسالة وادوار المنظومة التعليمية التنموية؟

في دراسة ميدانية يقوم بها كاتب هذا المقال بينت النتائج الاولية بان هناك عدد من العوامل المؤثرة في هذا التخلف منها عدم وضوح استراتيجية بحثية واضحة لدى الدولة، وعدم توافر مراكز ابحاث متخصصة، وعدم وجود جهة رسمية مسئولة عن البحث العلمي والتطوير، وضعف ميزانية الجامعات، وصعوبة الحصول على المعلومات المطلوبة للبحث، وتشير الدراسة الى ان ذلك يعود الى عدم تقدير القيادات السياسية لاهمية البحث العلمي والتطوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *