نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

منظومة التعليم وضرورة اتساقها مع رؤية التنمية

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٤ يونيو ٢٠١٧ – 01:30

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1076971

التنمية التي تسعى إليها دول الخليج تقوم على التعليم بالدرجة الاولى، لكن التعليم لا يمكن ان يعيش في معزل عن باقي النظم الاجتماعية المؤثرة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في المجتمع. والاصرار على التعامل مع التعليم في معزل عن باقي النظم الاجتماعية التي تمثل البيئة المؤاتية للتعليم يعرقل عمليات التعليم والتنمية والاستقرار. من هذا المنطلق فإن الحديث عن التعليم يكتسب اهمية كبيرة، ويستحق اهتماما اكبر لمحاولة فهم المشاكل التي تعترض مسيرته والتي أدت إلى تدني مستواه.

تنشر في الصحافة أحاديث ومقابلات لمسؤولين يمكن ان تقسم إلى ثلاثة محاور، المحور الأول يتعلق بالمعلم، والمحور الثاني عن التعليم العام والمحور الثالث يختص بالتعليم العالي. المسؤولون يعتبرون المعلم انه أهم عنصر في عملية التعليم وأنه العمود الفقري لأي تطوير. هذا صحيح إذا افترضنا ان المعلم يعمل في بيئة مجتمعية مؤاتية للتعليم، ولديه رؤية واضحة للغاية من التعليم، والقدرة والصلاحيات التي تمكنه من تطبيق هذه الرؤية، والتحفيز والتقدير الضروريين للابداع في مهنته وتحقيق متطلباتها. في غياب ذلك فإن الفشل يمكن ان يأتي من أي من هذه المقومات اللازمة لنجاح عملية التعليم وليس فقط ناتجة من عدم كفاءة المعلم.

مع الاخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه فإن المعلم يواجه تحديات كبيرة قد تؤثر على عطائه وقدرته على التعليم. ان أول المحبطات للمعلم هو المستوى الاجتماعي الذي انحدرت اليه مهنة التعليم والصورة النمطية للمعلم لدى الطلبة وأولياء الامور. نتيجة هذا الاحباط لم يعد المعلم يعي معنى الرسالة والرؤية والاهداف التي تكتب على جدار المدارس، لأنها في نظره شعارات خاوية لا تجد طريقها إلى الواقع العملي. يرى البعض ضرورة إعادة النظر في الفلسفة التعليمية برمتها، ومحاولة غرس قيم العدالة والمساواة في الطلبة، لكن يصطدم ذلك مع ما يستشعره بعض المدرسين من عدم العدالة في الترقيات وفي التعيينات وحتى في المعاملات الادارية البيروقراطية. وكيف يمكن زرع قيم الابتكار في الطلبة من قبل معلمين يشاهدون تجاوزها، ومثقلين بالبيروقراطية والروتين الذي هو نقيض الابتكار؟!

فيما يتعلق بالتعليم العام فإن الهدف الاساسي هو توفير الخدمة التعليمية المتميزة للطلبة والطالبات. هذا هدف يفترض ان هناك سياسة تعليمية ورؤية سابقة يتم بموجبها تحديد ما هي (الخدمة التعليمية المتميزة)، وما هي الغاية من التعليم العام في مثل مجتمعاتنا الخليجية بشكل خاص؟ هذا الواقع بما فيه من قصور وقضايا كبرى لم تجد لها حلا، ينعكس ليس فقط على توجهات التعليم ولكن كذلك على نتائجه.

وفيما يتعلق بالتعليم العالي فإن الهدف الاساسي هو توفير كوادر للتنمية وقيادات لسد احتياجات خطط التنمية من جهة وتطوير القدرات الاكاديمية والبحثية من جهة اخرى. هذا هدف يفترض ان هناك سياسة تنموية ترتكز عليها سياسة التعليم، وتحدد الغاية من التعليم.

لم نتفق إلى الآن على نوعية التنمية التي نريد ولا توجد رؤية واضحة لها. بعض قياداتنا الإدارية وحتى المالية تعتبر البناء الشاهق وفتح الشوارع وبناء المدن الخيالية هو اقصى حدود التنمية، وترى ان الانسان هو وسيلة لتحقيق مثل هذه التنمية. لكن عندما يتعلق الامر باعتبار الانسان غاية هذه التنمية والمستفيد منها فإنها تعمد إلى العموميات والتجريد، وتعجز عن تقديم رؤية للغاية التي تبتغيها لهذا الانسان والمستقبل الذي ينتظره. وبدلا من ذلك نجد ان هذا الانسان، يتم التعامل معه على انه قاصر لا يعرف مصلحته، ويتم تجيير كل الوسائل الدينية والاعلامية والتعليمية لإقناعه بالقبول بحقوقه المتاحة،

اي اننا نعيش مرحلة ضبابية نتيجة غياب رؤية تنموية وغاية تقود فلسفة وأهداف التعليم ومساره. في مثل هذه البيئة فإن اجهزة التعليم جميعها بما فيها المُدرِّس تكون محدودة في انتاج مجتمع يتمتع بالقيم التي تسهم في التنمية. هذه النظرة للتعليم مازالت على ما يبدو سائدة ونحتاج إلى تغييرها. فمثلا يقول ماكس فيبر في مطلع القرن العشرين (في مقارنة بين الطالب الألماني والطالب الأمريكي): ان التعليم في ألمانيا افضل منه في أمريكا، الطالب الأمريكي يتعلم اقل بكثير من الطالب الألماني. يرجع السبب في ذلك إلى اختلاف الرؤية للتعليم بين الاثنين. فمفهوم التعليم بالنسبة للمدرس والطالب الألمانيين هو «تأصيل رؤية مشتركة للعالم، وسلوك حياة ينسجم ويرتبط بقيم هذه الرؤية». بينما نظائرهما الأمريكيان لديهما نظرة مختلفة عن التعليم «التعليم هو سلعة تباع وتشترى مقابل المال الذي يدفعه اهل الطالب».

النتائج الاخلاقية والسلوكية التي تترتب على اختلاف النظرتين كثيرة، لكن اهمها هنا، ان الطالب الألماني يتعلم اكثر لأن لديه حافزا عاليا متمثلا في غاية عليا معنوية واخلاقية مشتركة للتعليم. على خلاف الطالب الأمريكي الذي ينظر إلى التعليم على انه سلعة. فكيف ينظر الطالب إلى التعليم لدينا في الخليج؟ كثير من الطلاب والمدرسين وأولياء الامور ينظر إلى التعليم على انه شهادة ورقية يستخدمها كجواز عبور إلى وظيفة، تكون في بعض الاحيان «غير مستحقة». هذه النظرة ليست منفصلة عن رؤيتنا العامة وفلسفتنا في الحياة التي تعتمد على المظاهر والشكليات والجاه المكتسب من الثروة والمال والمكانة الاجتماعية الوراثية. وجميع هذه لا تمت إلى معايير التنمية بصلة. كما انها لا تعتمد على معايير قيمية يمكن ان تقاس التنمية من خلالها.

في غياب المحفزات والقيم والمعايير الواضحة الموضوعية اصبح التركيز لدى الاجهزة التعليمية بما فيها المدرسة والمدرس والطالب ليس على التعلم بل على نسب النجاح وزيادة أعداد «المتفوقين» في العلامات وليس في التحصيل. وتركيز الطالب على الورقة التي يحصل عليها في نهاية المطاف وإن كانت عن طريق الغش أو شراء الابحاث أو حتى استئجار من يكتب له البحث حتى في مستوى الدراسات العليا. والسؤال الذي نطالب المؤسسات التعليمية بالجواب عنه هو كيف وصل بنا الحال إلى هذا الوضع؟ وهل يحدث ذلك من دون علم هذه الجهات؟ وما هي وسائل معالجته؟

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *