نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

نتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي

  تاريخ النشر :٤ نوفمبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13739/article/50840.html

 كثير من كتاب الاعمدة وبعض النشطاء السياسيين والحقوقيين وبعض المنظمات السياسية والحقوقية وكذلك أجهزة الدولة المختلفة في مجتمعاتنا الخليجية والعربية تتهم منظمات حقوق الانسان بأنها تنحاز ضدها وأن تلك المنظمات تذكر فقط انتهاكات لحقوق الانسان وتضخمها وتغض النظر عن انتهاكات دول أو جماعات أخرى. نرى ان السؤال الأهم هو: هل هناك فعلا انتهاك لحقوق الانسان؟ اذ يجب التحقق من ذلك قبل الدفاع عن هذه الأجهزة الرسمية. 

 منظمات حقوق الانسان الدولية هي منظمات لها ارتباط بدول كبرى وكذلك لها علاقات مع جماعات وأحزاب سياسية وبالتالي فإنّ مصالحها قد تفرض عليها التركيز على دول دون غيرها أو على قضايا وأهداف دون أخرى، وهذه حال جميع المنظمات الدولية ولا يستثنى منها سوى القليل.

 منظمات المجتمع المدني والكتاب والنشطاء في كل بلد عربي ينبغي ان يكون لديها معاييرها حول حقوق الانسان التي يجب ألا تخرج عن روح القيم الإنسانية العليا، وألا تتعارض مع مواثيق الأمم المتحدة والعهد الدولي لحقوق الانسان، وألا تخرج هذه المعايير عن الاخلاق والفطرة الإنسانية السليمة، والاهم من ذلك ان تتفق مع واجب الرحمة والتراحم في الدين الإسلامي الحنيف الذي تدين به دولنا العربية. 

 لذلك فإنّ تعرض أي انسان لانتهاك حقوقه المدنية والقانونية يجب أن يحظى باهتمام الجميع وأن يهرع الجميع للدفاع عن هذه الحقوق من منطلق مبدئي من دون أي اعتبار لانتماء هذا الشخص العرقي أو القبلي أو الديني أو انتمائه السياسي والآيديولوجي.

 فإذا قَبِلْتَ بانتهاك حق انسان آخر أو تبريره بمقتضيات امنية أو سياسية أو مصلحية سوف يجعلك هذا عرضة لانتهاك حقوقك في الغد. ولا يجب أن يتعذر النشطاء والكتاب والمنظمات والدول بأن هناك معاملة تفضيلية أو انحياز من هذه المؤسسة أو تلك. بل يجب أن ندقق في التهمة الموجهة أو القصور ذاته وفحصه وفق قيمنا، فإذا كان هناك انتهاك فيجب الإقرار به وإصلاحه دون التحجج بأن هذه المنظمة تغض الطرف عن البلاد الفلانية والعلانية وتركز فقط على اخطائنا أو تجاوزاتنا. نعم هناك أعداء يتصيدون لك أخطاءك ولكن ذلك ينبغي ان يدفعك نحو محاسبة نفسك ومراجعة سلوكك سواء كنت دولة أم جماعة أم فردا، فإنّ في ذلك تقويم لك وتحريرك من تهم الظلم والاعتداء على حقوق الاخرين أو المواطنين. يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

 عِداي لهم فضل علي ومنة… فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا

 هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها… وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

 يقر الإمام الشافعي بفضل اعدائه عليه ويطلب من الرحمن ان يديمهم ولا يبعدهم عنه لأنّ في ذلك مساعدة على استقامته ونزاهته وحسن خلقه كما يكمن فيهم الدافع والحافز لتقدمه ورقيه وتطوره. للأسف نجد ان كثيرا من الكتاب والمنظمات المدنية الخليجية تذهب إلى إلقاء اللوم على المنظمات الحقوقية العالمية في استقصاد دولنا ومحاولة تشويه سمعتها في المجتمع الدولي بغية النيل منها، في الوقت الذي تتغاضى عن انتهاكات دول أخرى إقليمية أو غربية. هذا السلوك لا يعالج المشكلة الأساسية وهي أن كل دولة عليها التزام أخلاقي وإنساني باحترام حقوق مواطنيها، وواجب منظمات المجتمع المدني الدفاع عن المواطن أيا كان ضد أجهزة الدولة.

 فالمنظمات الحقوقية تحذر من وجود انتهاكات (ولا تخلو دولة من ارتكاب انتهاكات حقوقية ضد مواطنيها)، فينبغي علينا عدم الانتصار للدولة أو للجهة التي تمارس أي تعد على حقوق الناس، والتعذر بأن هذه المنظمة تعادي هذه الدولة وبالتالي فهي تبرز مخالفاتها. المعيار يجب أن يكون بطرح السؤال التالي وباستمرار: هل هناك انتهاك فعلي لحق أي انسان؟ بغض النظر عن اذا كانت هذه المنظمة اغفلت الإبلاغ عن مخالفات أو انتهاكات دول اخرى بسبب الانحياز أو المحاباة. هل نحن نحترم معايير حقوق الانسان التي الزمنا بها ديننا وانسانيتنا قبل المواثيق الدولية التي وقعنا عليها. 

 حقوق الانسان هي أساس جميع انشطتنا الإنسانية، فلو اخذنا أهداف الالفية الثالثة الجديدة بالتفصيل سنجد انها جميعها تدور حول احد محاور حقوق الانسان. أول هذه الأهداف يتحدث عن محاربة الفقر بجميع اشكاله، وهذ يعني الالتزام بحق الانسان في الحياة الكريمة، فلا يجوز ان يكون هناك انسان يعيش على الكفاف أو يعاني من الحرمان في دولة نفطية ريعية في حين اخرين يتمتعون بملذات الحياة، من خيرات الدولة وحق المواطن، دون ان تتدخل الدولة في فرض توزيع عادل للثروة ودون فرض نوع من الضرائب لدعم الضمان الاجتماعي وضمان دخل أدنى يعيش منه الانسان بما يتناسب مع دخل الدولة وعدالة توزيع الدخل. أي تفاوت غير معقول أو إعطاء بعض المواطنين أموال لمجرد انتماء معين دون غيرهم هو انتهاك لحقوق الانسان ويتنافى مع تطبيق روح أهداف الألفية.

 هنا يبرز سؤال حول دور الكاتب أو الناشط أو المثقف، هل أولويته وواجبه الوقوف مع حقوق الانسان وحمايتها من أجهزة الدولة ام الدفاع عن المسؤولين في أجهزة الدولة؟ واعتبار أي نقد أو اتهام لهم موجه للدولة وسمعتها؟ في الواقع فإنّ سلوك المسؤول غير الملتزم في الأجهزة هو الذي يسيء لسمعة الدولة كيف يدافع الكاتب أو الناشط عن أجهزة الدولة وهو لا يملك المعلومات الكافية والموثقة التي تؤهله لتفنيد تهم انتهاك حقوق الانسان الموجهة لأجهزة الدولة؟ وفي غياب وجود الصحافة الاستقصائية وقانون حق الحصول على المعلومات في معظم الدول العربية فإنّ المعلومات الصحيحة لن تتوافر للكاتب أو الناشط لتمكنه من الدفاع عن أي طرف بموضوعية وحيادية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *