نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

الرؤية وضعت في وقت غير هذا الوقت والان لم تعد صالحة وتحتاج الى مراجعة باشراك المجتمع المطالب بدفع الرسوم والضرائب.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/14194/article/60498.html

الهدف من التنمية الاقتصادية في المطاف الأخير هو توفير مستوى معيشي أفضل لجميع فئات المجتمع، وهذا يأتي من خلال اقتصاد متنوع يخلق فرصا استثمارية وفرص عمل مجزية ومتكافئة لأبناء الوطن وقدرة على التجديد والابتكار واستخدام التقنيات في توسيع القاعدة الإنتاجية وتنويعها.
وضعت البحرين ودول الخليج رؤى اقتصادية لتحقيق هذه الغايات والأهداف منذ ما يزيد على عقد من الزمن، في فترة كانت الأوضاع مختلفة من نواحٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية. أما الرؤى، فمازالت ثابتة على منهجها وأهدافها المرحلية، من دون أن تحقق التقدم الطموح المنتظر بحيث يلمسه المواطن في مستوى معيشته، بينما يستمر المسؤولون في الحديث عن وضع التصورات لتوسيع القاعدة الإنتاجية ولتنويع مصادر الدخل من خلال التركيز على الصناعة والسياحة والخدمات لإيجاد فرص عمل مجزية للمواطنين. والآن -بعد هذه الفترة- مازال معدل البطالة بين الشباب موجودا في مستويات غير ما نطمح، ومازال تنويع مصادر الدخل هدفا غير متحقق على النحو المرجو!
هذا يطرح السؤال: ألا ينبغي في مثل هذه الظروف إجراء مراجعة للرؤية الاقتصادية، آخذين بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت على المجتمع وعلى الوضع الاقتصادي؟
واجهت البحرين هبوط أسعار النفط بخطوات تقشفية، فبدأت برفع الدعم عن اللحوم ثم الوقود ثم رفعت عديدا من الرسوم والضرائب، وينتظر المجتمع ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل. في نفس الوقت لا يرى المواطن ترشيدا في مصاريف أخرى وبرامج إنفاق تمثل إدارة غير ما نتطلع إليه للموارد. كذلك في الوقت نفسه غياب الإنفاق المتوازن في قطاعات معينة، وهو الموثق في تقارير رسمية، وزيادة في نسبة الدين العام سنويا لتغطية العجز في الميزانية العامة. هذه الممارسات والسياسات لها تأثير مباشر على حياة الناس ومستوى معيشتهم. وكلما زاد هذا التأثير ارتفعت وتيرة الردود المجتمعية.
يمكن أن يتحمل المواطن تأثير ذلك إذا رأى وجود استراتيجية واضحة أمامه تجيب عن أسئلته وتطرح حلولا وسياسات للخروج من هذه الأزمة وتمنحه أملا لمستقبله. غير أن المسار الحالي الذي يعتمد على المفاجآت وردات الأفعال وتجزئة المشاكل وترحيلها لا يخدم مصالح المجتمع ولا مصالح الدولة.
أول فقرة تحتاج إلى مراجعة في الرؤية هي ما يتعلق بالمحور الاجتماعي الذي غابت عنه القراءات المنشودة وتأثيرها على الاستقرار وبالتالي على فرص الاستثمار وفرص العمل ونوعيتها وتأثير توافرها على النمو من ناحية وعلى الاستقرار من ناحية أخرى.
في هذا المحور كذلك نحتاج إلى إعادة النظر في دور المواطن في وضع هذه الأهداف والوسائل والخطط، وتوفير المعلومات التي تمكنه من تقييمها ووضع آلية ملزمة لمنحه ما يطلب من معلومات لتسهيل مهمته.
في الفترة التي وضعت فيها الرؤية. المواطن يحتاج إلى المشاركة في الحوار واختيار الوسيلة المناسبة له والتي تراعي مكان تواجده وكيفية التواصل معه، كما يتطلب الأمر إشراك النواب وممثلي الشعب في هذا الحوار من باب النظرة الشمولية.
الجانب الآخر الذي يحتاج إلى مراجعة وحوار هو المبدأ الاقتصادي الذي تقوم عليه الرؤية، وطوال المرحلة السابقة اعتمدنا مبدأ تحرير الاقتصاد والاعتماد على القطاع الخاص. هذا الاتجاه فتح الباب على مصراعيه للأجانب للاستفادة من فرص العمل القليلة التي يخلقها الاقتصاد. هذا التوجه يحتاج إلى مراجعة ومناقشة مع المجتمع وممثليه من تجار وشخصيات وطنية ومؤسسات مجتمعية. لا ينبغي أن يتم اتخاذ مثل هذا القرار بشكل منفرد بعد أن رأينا نتائج ما سبق. فمثلا قرأنا التقارير المنشورة في الصحافة عن عدد فرص العمل التي ذهبت إلى غير البحرينيين في ظل وجود كوادر بحرينية غير موظفة، من بينهم طيارون ومهندسو طيران واختصاصيون من مختلف المهن والتخصصات. فأين فرص العمل التي تنجم عن الحركة الاقتصادية؟ ومن المسؤول عن استفادة الأجانب بنسبة أكبر مما هو متوقع؟
البطالة مسؤولية الحكومات، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي وظهور «النظرية الاقتصادية الكينزية» لا تستطيع الحكومات أن تدعي أن اليد الخفية سوف تعالج المشاكل الاقتصادية بآليات العرض والطلب فقط، على الرغم من الليبرالية الجديدة في فكر «ميلتون فريدمان». الحكومات منذ ذلك الوقت أصبح لها دور أساسي في السيطرة على الأداء الاقتصادي من خلال سياسات مالية ونقدية وسياسات التدريب والتأهيل والتعليم والتدخل المباشر في الاستثمار لخلق صناعات محلية. ليس فقط لأن معالجة البطالة تعتبر عنصرا مهمًّا وأساسيا في النمو الاقتصادي، ولكنه كذلك قضية إنسانية وقضية أمن قومي وعامل مهم في الاستقرار.
لذلك نرى أنه أصبح من الضروري إجراء مراجعة على رؤيتنا الاقتصادية وسياساتنا واستراتيجياتنا. ولإعطاء هذه المراجعة فرصة لتحقيق نتائج ينبغي أولا: أن تكون بشكل جماعي يشترك فيها المجتمع بفئاته ومؤسساته وقواه الاجتماعية؛ ثانيا: أن تتبنى الدولة مشروعا يمهد المناخ لمثل هذه المراجعة لكي لا ينجرف الحوار إلى قضايا جانبية. ثالثا: الاستفادة من تأثير الأحوال الاقتصادية والقضايا المعيشية التي تثار في تحقيق نوع من اللحمة الوطنية التي تسهم في إنجاح المراجعة.
المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على الدولة في أخذ زمام المبادرة والعمل على التمهيد والتهيئة للمراجعة، وبالدرجة الثانية تقع على الجمعيات السياسية بجميع أطيافها في التوصل إلى توافق على قضايا أساسية توافقية توحد المجتمع والدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *