نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

نحو رؤية جديدة لتوزيع الدخل

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15034/images/Untitled-17.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٢ مايو ٢٠١٩ – 01:15

مقال الاسبوع- شراء السيارة هي مؤشر من مؤشرات الفقر وتفصل بينه وبين محدودي الدخل. اين وزارة العمل من هذا التوصيف؟ لماذا لا تضع تعريفا واضحا للفقر؟ عدم المساواة والتوزيع الظالم للدخل والثروة خطر على المجتمعات الخليجية ويعطل التنمية ويقتل الابتكار. بمقدور دول الخليج تقديم راتب ثابت لكل مواطن لو كان هناك توزيع عادل للثروة. هذا يحتاج الى ارادة سياسية تؤمن العدالة الاجتماعية.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1167930

على أثر ما صدر من رئيسي مجلسي النواب والشورى وما دار من تفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بقضية الفقر واهتمام المجتمع بهذه القضية نرى أن التبرير المقدم لا يعالج القضية وأن جزءًا كبيرا من اللبس والجدل تتحمله وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي لم تضع تعريفا واضحا للفقر يمكن أن يستخدمه المجتمع والجهات الرسمية. كذلك لا توجد استراتيجية واضحة للحد من التفاوت في الدخل ومعالجتها من خلال الضرائب على الثروات وعلى الدخول العالية يمكن أن تمول تكاليف الإنفاق على حد أدنى لدخل الفرد أو العائلة تقرره الدولة لكل مواطن. 

يقول تقرير التنمية البشرية الدولي (أخبار الخليج 17 مايو الجاري) إن 82% من الشعب البحريني يعيش حالة من الرفاه. هذا يعني أن هناك 18% من الشعب البحريني يعيش تحت خط هذا الرفاه. فما هذا الحد؟ وماذا نسمي هذه الشريحة؟ هل هي طبقة فقيرة؟ أم طبقة محدودة الدخل؟ بغض النظر عن قدرتهم على شراء سيارة أم الاحتياجات الأخرى.

كلنا يدرك أن منطقة الخليج تعتبر من الدول العالية الدخل وأن نوعية الفقر فيها لا يشبه ولا يمكن ان يقارن بالفقر في مناطق متدنية الدخل مثل بعض الدول الإفريقية والآسيوية. السؤال هذا لا يعني أنه لا يوجد فقر، ولا يعني أنه لا يوجد من ينام من دون عشاء أو من ليس لديه قوت يومه. فقد أطلقت الأمم المتحدة على هذه الحالة الفقر النسبي، وهذا النوع من الفقر أخطر على الدول العالية الدخل مثل دول الخليج. الفقر في الدول الفقيرة ناتج عن عدة عوامل منها سوء إدارة الثروات والفساد والنزاعات السياسية والعصبية والقبلية والتسلط. ونظرًا إلى كون الدولة فقيرة من الأساس فإن مستوى التذمر لدى الشعوب اقل بكثير من مستوى التذمر في الدول الصغيرة والعالية الدخل والتي يرى الفقير كيف يعيش الأغنياء ويعرف تماما أين مصدر هذا الغنى.

الفقر يأتي من عدة احتمالات، أولا: التفاوت الطبيعي في قدرات الناس، وثانيا: عامل الصدفة والحظ، رجل أعمال ينجح إما بسبب قدراته أو حسن حظه، أو علاقاته. ثالثا: السلطة التي تساعد البعض على تكوين الثروات. تمكنت الدول الأوروبية الديمقراطية من التخلص من العامل الثالث بشكل شبه نهائي من خلال نظام ديمقراطي مدني تشاركي يتمتع بمستوى عال من الشفافية، كذلك وضعت هذه الدول شبكة اجتماعية لحماية الصنف الأول وتشريعات ومؤسسات لحماية الصنف الثاني.

 في دولنا العربية إلى الآن لم نتمكن من معالجة العامل الأول بوضع سياسات تحدد دخلا ثابتا لكل إنسان يحميه من الفقر، وتشريعاتنا ومؤسساتنا مازالت دون مستوى تقديم الحماية للصنف الثاني، وفشلنا في معالجة الصنف الثالث من خلال بناء دول ونظم ديمقراطية حديثة تشدد الرقابة على المال العام وتحارب كل أوجه العبث به واستغلاله. النتيجة الطبيعية لهذه الحالات الثلاث من الفقر هي تزايد في عدم المساواة في الدخل والثروة بين فئات المجتمع وأفراده. بكل ما تحمله عدم المساواة من أضرار على المجتمع وعلى جهود التنمية وعلى تقدم الشعوب.

تتحمل الدول العربية والخليجية بشكل خاص مسؤولية كبيرة في تقليل مخاطر الفقر وعدم المساواة على أمنها وعلى جهود التنمية لديها. الكثير من الدراسات تشير إلى أن التفاوت الكبير في الدخل هو أحد أسباب استمرار الفقر وضعف التنمية كونه يؤثر على رأس المال الاجتماعي من حيث تآكل الثقة بين طبقات وشرائح المجتمع، ويضعف القدرة الإنتاجية لدى الناس بسبب هذا الشعور بالغبن. هذا الشعور يُحَوِّلْ الابتكار والإبداع إلى الانشغال بتأمين قوت اليوم والتزلف إلى الناس. وخصوصا ان مصدر التفاوت في الدخل ناتج من اختلال معايير توزيع الثروة، وأن نتائج ذلك ظاهرة للعيان ولا يمكن إخفاؤها بأي وسيلة مهما حاولت الدول إلباسها أثوابا تغطي حقيقتها.

الموارد المتاحة لدول الخليج تجعلها قادرة على أن توفر دخلا أدنى لكل فرد يضمن له حياة كريمة يتمكن من خلالها توفير متطلبات الحياة الضرورية وبعض الكماليات التي أصبحت ضرورية نتيجة طبيعة هذه البلدان. وجود مثل هذا الدخل يحرر الإنسان من العوز وقد يطلق لديه القدرة على التفكير في تحسين وضعه واقتحام المخاطرة في مشاريع قد تخرجه من دائرة الفقر أو الطبقة محدودة الدخل. الوسيلة لذلك هي معالجة عدم المساواة وأسبابها.

من المشاكل التي تعاني منها جهود التنمية في دول الخليج فقدان التركيز على الغاية من التنمية. أصبح النمو الاقتصادي غاية في حد ذاته وقيمة منفصلة عن التنمية بشكل عام. يرى مجلس التنمية أن النمو هو الحل. السؤال الذي نوجهه إلى مجلس التنمية الاقتصادي ما الغاية من مثل هذا النمو؟ ولمن النمو ومن المستفيد منه وكيف تصل نتائجه إلى الطبقة الفقيرة وعامة المجتمع؟ وهل سيعالج عدم المساواة؟

عدم المساواة من المشاكل التي تضر بالمجتمع، وتضر بالمواطن وتضر برأس المال الاجتماعي، وتضعف مستوى الثقة في التطور وتعطل جهود التنمية. فمثلا يبين تقرير الأمم المتحدة أن عدم المساواة يقلل مؤشر التنمية بنسبة تتراوح بين 10.7% إلى 31%. ومن ثم فإن معالجة عدم المساواة (التفاوت الكبير في الدخل والثروة) أولوية يجب الاهتمام بها. اهتمام دول الخليج بمؤشر عدم المساواة للأسف ليس على المستوى المنشود، بدليل عدم توافر بيانات عدم المساواة (معامل جيني لعدم المساواة)، ولم تتوافر هذه البيانات لتقرير الأمم المتحدة المشار إليه أعلاه. فمثلا يقيس التقرير ثلاثة أبعاد للتنمية وهي الصحة والتعليم ومتوسط دخل الفرد. ويستخدم معامل عدم المساواة لتعديل النتائج، فمثلا إذا كان مؤشر التنمية 8 من عشرة، فإنه بعد التعديل لعدم المساواة في الدخل قد ينخفض إلى 6 من عشرة أو أقل. لكن لعدم توافر بيانات هذا المعامل فإن نتائج التنمية لدول الخليج غير دقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها للتخطيط لمعالجة عدم المساواة. من ذلك يمكن القول إن حالات الفقر وحالات محدودية الدخل هي قضية يمكن معالجتها إذا توافرت الإرادة وتضافرت جهود التنمية لجعلها غاية مجتمعية وغاية تنموية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *