نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هل إصلاح التعليم كافٍ لتقدم التنمية في دول الخليج؟

http://media.akhbar-alkhaleej.com/source/15069/images/Untitled-13.jpg

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – اهمية اصلاح التعليم امر ضروري للتنمية ولكي ينجح في تحفيز التنمية فانه يحتاج الى دعم اداري واعي ومدرك لدور التعليم في التنمية، وهذا ما ينقص بعض دول المنطقة. تطوير التعليم دون تطوير المنظومة المعرفية كاملة والاطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ووضع اعتبار لحقوق الانسان في حرية الفكر والتعبير والمعتقد هو ضمن هذه المنظومة المعرفية الداعمة التي تربي الفكر النقدي والابتكار والابداع المطلوب لنجاح التنمية. فاين نحن من ذلك.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1172309

الحاجة إلى إصلاح التعليم لا تقتصر على البحرين أو على منطقة الخليج بل تشمل الوطن العربي ككل. والتعليم متصل اتصالا جذريا بالتنمية وتعتمد عليه بشكل أساسي، وهو الطريق الذي سلكته معظم الدول التي سبقت في التنمية والتقدم. وفق متطلبات التنمية المعلنة من قبل الأمم المتحدة فإن استراتيجية التعليم يجب أن تنبع من إطار الأولويات الاجتماعية والاقتصادية وتتألف من ثلاثة عوامل هي: أولا: وجود أجهزة ومؤسسات عاملة وفعالة، ثانيا: وجود نظام إداري جيد لهذه الأجهزة وتمويل كاف ومستقل، ثالثا: بنية تحتية تعليمية متكاملة. ويضيف البعض على ذلك وجود وسيلة تنفيذ جيدة وملكية واضحة للمشاريع وتقييم فعال للنتائج. فأين نحن في منطقة الخليج من هذه الدعامات الأساسية للتعليم؟ 

تحدثنا في الأسبوع الماضي (أخبار الخليج 19 يونيو 2019) عن ضرورة تقييم أداء التعليم وتحديد جودته بمؤشرات تأثير التعليم في حياتنا من توظيف وريادة وابتكار. السؤال الذي يدور في الوطن العربي هو هل التعليم وحده كافٍ لنقل الأمة من التخلف إلى التقدم العلمي والتكنولوجي والنمو الاقتصادي؟ ولتطوير نوعية حياة أفضل للمجتمعات؟ 

تنصح المؤسسات العالمية الدول العربية بالقيام بعمل ملازم وهو تطوير الحريات العامة بالتزامن مع إدخال منظومات متكاملة لمجتمع المعرفة والذي يعني بشكل أساسي القدرة على النقد والتحليل والمساءلة عن النتائج وتقييد الصلاحيات المطلقة المفسدة، وهناك من يرى ضرورة إصلاح البيئة الاجتماعية والاقتصادية. وآخرون يرون أن المشكلة تكمن في نقص الجانب العملي في مناهج التعليم، ونقص تخصصات العلوم وكثرة مخرجات العلوم الإنسانية، ونقص المهارات الأساسية، ونقص الثقة في نظام الامتحانات والتقييم.

غير أن ما تقوم به الدول العربية بما فيه دول الخليج هو فقط محاولات لتطوير التعليم من دون تطوير المنظومة المعرفية الكاملة والحريات والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبالرغم من ارتفاع الإنفاق على التعليم فإن العائد على الاستثمار لا يتجاوز الـ4% وأن إشكالية جودة التعليم وإحلال المواطنين محل الأجانب لم يتم معالجتها، ومازالت أعداد الأجانب في ازدياد، وأن نظم التعليم غير قادرة على التوفيق بين متطلبات السوق ومخرجات التعليم. 

فهل القضية هي قضية جودة التعليم أم قضية القيم المجتمعية وأخلاقيات العمل، أم المؤسسات والتقاليد والأنظمة التي تعمل عكس سياسة الإحلال؟ وهل الحل في إصلاح منظومة التعليم أم بالضرورة إصلاح المنظومة الاجتماعية المساندة للتعليم والعلاقات المجتمعية التي تحدد المتاح من فرص العمل والتوظيف والتعيين والترقيات؟. 

في دراسة لمؤسسة بوز (2008 Booz & Company) مستندة على إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقول بأن إصلاح التعليم في الوطن العربي أصبح قضية ملحة. وتضع له إطار إصلاح يعتمد على ثلاثة أبعاد مركزية هي أولا: بيئة اجتماعية اقتصادية مناسبة يتم فيها ترجمة الأولويات الاجتماعية والاقتصادية إلى استراتيجية تعليمية قابلة للاستمرار. على أن تحقق هذه البيئة توازنا بين حرية الفرد في اختيار تعليمه وحريته في انتقاد ومناقشة ومراجعة ما يقرر له من مواضيع تعليمية، وبين التزامه بقيم المجتمع التي تساند العمل والجد والاجتهاد والتحصيل وتربطه بالنجاح وترفض الاعتماد على العلاقات العائلية في التوظيف والتعيين والترقي. ثانيا: وجود نموذج عملي لقطاع التعليم يكون العاملون فيه، من أشخاص ومؤسسات وجودة الحوكمة والتمويل، تسمح بالاستدامة وتحقيق أهداف التعليم. ثالثا: توافر بنى تحتية تعليمية جاهزة لتمكن من تحقيق الأهداف وقدرة عالية على التنفيذ، على أن تشمل البنية التحتية نوعية جيدة من المعلمين، ومناهج عصرية، وتقييم وقياس أداء موثوق، وبيئة تعلم جيدة.

تقر الدراسة بأنه لا توجد وصفة جاهزة لإصلاح التعليم إلا أن هذا النموذج يمثل مقاربة شمولية تربط الجوانب معا وتعظم فرص النجاح. ولذلك فإن أي استراتيجية يقتصر عملها على بعض الجوانب من هذا النموذج على حساب جوانب أخرى سوف لن تحقق النتائج المتوخاة من الإصلاح. فالدول التي اتبعت هذه المقاربة الشاملة استطاعت أن تحقق نتائج أفضل في مؤشر التنمية البشرية. 

فمثلا في منتصف القرن العشرين استطاعت دول مثل أيرلندا وسنغافورة وكوريا تخطي حاجز الدول النامية إلى مستوى متقدم في حالتها الاجتماعية الاقتصادية من خلال إصلاح نظامها التعليمي. أطلق ذلك نقاشا في الوطن العربي حول جودة رأس المال البشرية وما إذا كان تحسين جودة التعليم كافيا لتحسين جودة الحياة في المجتمعات العربية، وفي نفس الوقت رفع قدراتها لمواجهة تحديات المستقبل. أسفرت هذه النقاشات والحوارات عن ضرورة تعزيز ودعم الحريات الشخصية وفي نفس الوقت خلق مجتمع المعرفة بشموليته، (بما في ذلك الحرية المعرفية والحرية السياسية والحرية العقائدية). 

بتشجيع من النتائج التي تحققت في دول شرق آسيا عملت بعض الدول العربية ومنها دول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية على التركيز على متطلبات إصلاح التعليم. فوضعت في 2004 استراتيجية لعشر سنوات تهدف إلى توفير المتطلبات الاقتصادية وكذلك الأبعاد الاجتماعية والسياسية. كما قامت بذلك المملكة الأردنية الهاشمية في الثمانينيات من القرن الماضي. كما وضعت الإمارات العربية المتحدة في 2007 مسودة إصلاح شامل للتعليم بأهداف مماثلة.

من هذه التجارب والمحاولات نخرج ببعض النتائج منها أن إصلاح التعليم وحده لا يؤدي إلى تنمية مستدامة كما تتطلبها المنطقة. ثانيا: أن البيئة العربية تأثرت سلبا بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العالمية والمحلية. ثالثا: أن نجاح استراتيجيات وخطط إصلاح التعليم لا بد أن تتكامل مع خطط أخرى لتكوِّن منظومة إصلاحية شاملة. رابعا: تغيير جذري في مناهج التعليم وتحويلها من نظرية إلى متطلبات عملية، خامسا: رفع مستوى التواصل مع القطاع الخاص لمعرفة متطلباته من المهارات والأبحاث. سادسا: رفع مستوى التدريب الفني والمهني في المؤسسات الخاصة، وكذلك رفع مستوى المهارات الناعمة العملية مثل تنمية الفكر النقدي والقدرة القيادية والعمل الجماعي وإدارة المشاريع وحل المشاكل والتواصل والتفاوض. سابعا: تعزيز مصداقية منظومة التقييم ومعالجة الفارق بين التقييم الرسمي لجودة التعليم والتقييم العملي في سوق العمل. ثامنا: وأخيرا يظهر أصحاب الأعمال تخوفا وقلقا تجاه المهنية وأخلاقيات العمل التي تعاني منها معظم دول الخليج. 

بالرغم من أن هذه الدراسة قديمة نسبيا (2008) فإن هذه المخاوف والمحاذير مازالت حاضرة ولا يمكن معالجتها من خلال إصلاح التعليم فقط بل هناك حاجة ماسة إلى معالجة شمولية تطول المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. 

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *