نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف
  1. هل الضرائب هي الحل؟

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

تاريخ النشر 9 سبتمبر 2007

ورد عن رئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادي ان الضرائب آتية لا محالة وانها تمثل تعويض عن خسارة دخل النفط او تناقصه. كما اوحت قضية اقتطاع 1% من الرواتب بموجب قانون التعطل للكثير من الكتاب والمرشدين الدينين ببعض الفتاوى عن شرعية الضرائب.

وبعد هذه التصريحا والايماءات يجوز ان نتساءل هل الضرائب هي الحل لمعالجة الوضع الاقتصادي وتدني الاجور وقلة ميزانية التعليم والصحة والاسكان؟ وهل يمكن ان تمثل البديل عن النفط كمورد للحكومة للصرف على هذه الخدمات وغيرها من رواتب للجيش والشرطة؟ اذا علمنا ان الضرائب والرسوم تساوي فقط 7.6% من ميزانية الحكومة الفعلية (1.84 بليون دينار) في عام 2006 بينما االايرادا من النفط يساوي 77%.

لو نظرنا الى الدول المتقدمة نجد ان ميزانية الحكومة تاتي من الضرائب والرسوم المختلفة. كذلك بالنظر الى تاريخ البحرين فقد كانت الضرائب وحتى عام 1932 اي قبل اكتشاف النفط تشكل ميزانية الحكومة فمثلا في عام  1926 كانت ايرادات الحكومة (83.5 الف دينار) ورسوم الجمارك (75 الف دينار) مع ضرائب الغوص (5 آلاف دينار) كانت تساوي 95% من الايرادات. 

من الناحية العملية نحد ان الوضع الراهن يتطلب زيادة في ميزانية التعليم لما تمثله من استثمار في الطاقة البشرية وحاجة الخدمات الاخرى الى تطوير بما في ذلك التنمية الاقتصادية والبحث العلمي. والسؤال هل يمكن ان تعود البحرين الى سابق عهدها وتعتمد على الضرائب بعد نضوب النفط؟ 

بالنظر الى هيكلية اقتصادنا يصعب على المتابع ان يرى كيف يمكن لمثل هذا الاقتصاد ان يصمد بعد النفط اذا استمرت تدفق الاستثمارات الهائلة في المباني والمنتجعات والمدن المثالية التي هي في الواقع استهلاك وخدمات ولا تشكل مورد للدولة بل يستفيد منها فئة صغيرة من المجتمع وفي حالة نضوب النفط فان هذا النوع من الاستهلاك سوف يتقلص.

نظام الضرائب في الدول الصناعية قام على اقتصاد زراعي في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ومن ثم ساهمت الصناعة. كما تطورت الخدمات لتقدم مختلف السلع الخدمية مثل الصرافة والتامين والامور الادارية الاخرى بما في ذلك العمران والبنية التحتية وكل ذلك مسخر لخدمة الصناعة والزراعة، اي لخدمة الانتاج. وفي مثل هذه الظروف يمكن للدولة ان تستقطع من الانتاج الزراعي والصناعي والخدمات نسب متفاوته حسب الدخل دون استثناءات، وتقدم للمواطنين (دافعي الضرائب) مثل الدفاع والامن والتعليم والصحة والاسكان. وفي المقابل يحصل الفرد على حق مساءلة ومحاسبة الحكومة على الايرادات والمصروفات والاهداف والنتائج المرجوة من استخدام الاموال.

ان اقتصادنا مازال قائم على النفط بالرغم مما يقال عن تنوع المصادر، فمثلا نجد ان نسبة الصادرات الغير نفطية من البحرين الى الخارج تقدر ب (34%) وبعض هذه الصادرات يعتمد على النفط او الغاز مثل الالمنيوم. ولو حاولنا تصور ماذا سيحدث لو توقف النفط غدا، سنجد ان مصفاة النفط (بابكو) ستعتمد على ما يمكن استيراده من المملكة العربية السعودية، وشركة بناغاز قد تتوقف عن العمل ومعها ما يقارب 400 موظف وعامل، ونفس المصير قد يواجه شركة البتروكيماويات ومعها ما يقارب 800 موظف وعامل. اما بالنسبة للبنوك التي تتكالب على المنطقة اليوم فهي هنا بسبب الفائض من السيولة المتوفرة في المنطقة، وتوقف النفط سوف يجعل هذه البنوك تفكر مليا قبل التوسع في المنطقة كما رأينا عندما انخفظ سعر البرميل الى 12 دولار في الثمانينات. وقد يصبح مستقبل شركة البا وما يتبعها من صناعات تحويلية تعتمد على انتاجها قد يكون مهددا كونها تعتمد على الطاقة.

 هذا التصور يُظهر بجلاء انه لا يمكن للحكومة ان تعتمد على الضرائب كبديل للنفظ ما لم يتغير هيكلة الاقتصاد ويصبح اقتصادا منتجا. وللانصاف لا بد ان نذكر بان احد اهداف وزارة الصناعة هو رفع مساهمة الصناعة الى 36% في الدخل القومي بعد عشر سنوات. ولكن في نفس الوقت تهدف الوزارة وهي محقة في ذلك على اقتصاد المعرفة. وهذا يتطلب التركيز على مراكز ابحاث. وبما ان مثل هذا التوجه يحتاج الى وقت طويل لتحقيق نتائج اقتصادية وبما ان الوزارة لم تبدأ الى الان في هذا التوجه، فمتى يمكن للحكومة ان تعتمد على الضرائب.

ان خلق مثل هذا الاقتصاد الذي تحدثنا وتتحدث الحكومة عنه يحتاج الى توطين المعرفة من خلال مراكز ابحاث متخصصة. وبالنسبة للبحرين يمكن التخصص في مجالات محدودة مناسبة للبحرين والمنطقة. في الوقت الحاضر لا نرى توجه حكومي جاد نحو توطين المعرفة ومن تصريحات المسئولين في وزارة الصناعة ومجلس التنمية الاقتصادي نجد انهما يعتمدان على القطاع الخاص في تحقيق ذلك. في اعتقادنا ان اعتماد الحكومة على القطاع الخاص في هذا المجال غير مجدي كون طبيعة هذه الاستثمارات وطول مدة المردود تجعل القطاع الخاص – ذو العقلية التجارية التي تسعى الى الربح السريع- غير مستعد في الوقت الحاضر لذلك. اما الشريحة الصناعية الفاعلة في البلد فانها غير مستعدة لتحمل درجة المخاطرة المصاحبة للاستثمارا في البحث العلمي. هذا الدور باختصار هو دور الحكومة وليس دور القطاع الخاص. واكبر دليل على ذلك ما تقوم به مجالس التنمية في الولايات المتحدة الامريكية، مهد الرأسمالية والاقتصاد الحر، من انشاء مراكز ابحاث في مناطق مختلفة لتعزيز الاقتصاد ودفعه في اتجاهات مطلوبة وبعد ذلك تترك المجال للقطاع الخاص للاستفادة واستغلال نتائج الابحاث. 

لذلك نطالب وزارة الصناعة ان توضح خطتها في هذا المجال حيث لا يمكن ان نظل نستورد المعرفة في هذا المناخ التنافسي. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *