نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هل فرض الضرائب هو الحل في المرحلة القادمة؟ 

  تاريخ النشر :١٤ أكتوبر ٢٠١٥ 

 بقلم: د. محمد عيسى الكويتي 

انخفاض سعر النفط أوضح مشكلة سوء توزيع الثورة والتبذير والحل في الضرائب على الأغنياء الذين استفادوا من الهبات وتملك الأراضي والطفرة العقارية المصاحبة له.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/13718/article/47446.html

بعد انتظار تم اعلان الحكومة «الجديدة» بدمج وزارتين وبعض الهيئات الحكومية. هذا الدمج لن يؤدي إلى توفير مؤثر أو يساهم في معالجة العجز الناجم عن نقص الإيرادات النفطية لأنه لن يمس وظيفة الوزارة أو الهيئة بل قياداتها فقط. لذلك نرى ان المطلوب إعادة النظر في مجمل النظام المالي والاقتصادي لمعالجة تداعيات انخفاض أسعار النفط وبالذات تنويع مصادر الدخل وليس رفع الدعم أو دمج الوزارات والهيئات فقط. ومع ذلك نقول إن شهر أكتوبر يمثل بداية مرحلة جديد في تاريخ الاقتصاد البحريني سوف تحدث تحولات إيجابية في المجتمع. وقد تكون بداية لنهاية الدولة الريعية التي سادت على مدى العقود الماضية منذ الطفرة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي وشوهت العلاقات في المجتمع. 

 تأسست المجتمعات الخليجية منذ الطفرة النفطية على علاقة ريعية (لا ارادية) لم تترك خيارا امام الافراد سوى الخضوع لمنطق معين في توزيع الثروة والسلطة. للأسف فإنّ توزيع الثروة هذا أحدث واقعا محددا بين السلطة والمجتمع جعل السلطة مستقلة عن المجتمع، لا تحتاجه، ولا تعتمد عليه في شيء. هذه العلاقة قوضت العقد الاجتماعي المبني على المشاركة والمساواة واحتياج كل فرد في المجتمع (بما فيه السلطة) للجسم المجتمعي بكامله. 

 انخفاض اسعار النفط اوجد واقعا جديدا يعني ان السلطة تطالب الفرد بالمساهمة في تمويل الدولة (عن طريق رفع الدعم أو الضرائب في المستقبل) وهذا يتطلب ان تدار هذه الأموال بوسائل أخرى. وتكون وظيفتها تنظيم العلاقات بواسطة قوانين للتعامل مع تمويل إدارة وتنظيم المجتمع وتطوره، وهو ما يطلق عليه الاقتصاد السياسي مع كل ما يمثله من أهمية التوازنات في المجتمع لحماية المصالح المختلفة سلميا.

 إذا عرفنا الاقتصاد السياسي على انه فن حصول إيرادات الدولة (المال العام) وانه علم دراسة علاقات الأفراد بعضهم ببعض وعلاقاتهم بالأشياء في سعيهم إلي تحقيق الرفاهية المادية. بهذا التعريف نستطيع القول إن المجتمع عليه ان يتعامل مع عدد من القرارات، أولها كيف سيحصل على إيرادات الدولة ومن أي المصادر؟ السؤال الثاني ما هي طبيعة العلاقة الافضل بين الافراد والجماعات في المجتمع وعلاقتها بالمال العام الذي تم تحصيله؟ والسؤال الثالث ما هي طبيعة الرفاهية المادية التي يسعى اليها وكيف سيمولها؟ التعامل الجماعي مع هذه الأسئلة يقتضي عددا من التحولات في المجتمع أهمها تحول مفاهيم وذهنيات على مستوى السلطة وعلى مستوى المجتمع، قد يكون أهمها مفهوم «المال العام» وكيف تحصل عليه الدولة، وكيفية إدارته وحمايته. 

 تعتمد الدول المتقدمة والدول غير النفطية على الضرائب لتمويل إدارة الدولة في أدوارها الثلاثة (حفظ الامن وتقديم الخدمات وتنمية المجتمع وتقدمه). وتتعامل الدولة مع أسئلة محددة تتناول نوع الضرائب وعلى من تفرض وفي أي الأوجه تستخدم. هذه القرارات جميعها تشكل خيارات اقتصاد سياسي تعكس قوى المجتمع النسبية ومصالح كل جماعة وطبقة أو فئة. 

 والعملية السياسية في الدولة تدور حول المصالح المختلفة وكيف يتحقق التوازن بينها. الطبيعة البشرية تمنح الطبقة أو الفئة الأقوى سلطة أكبر في وضع سياسات الضرائب وسياسات التنمية لتكون في صالحها. لذلك نجد ان الدولة بدأت برفع الدعم عن اللحوم لأنه يؤثر فقط على فئة من المجتمع غير منظمة وقد لا تستطيع ان تدافع عن مصالحها في حين ان هناك خيارات أخرى في رفع الدعم أو التوفير لم يتم مسها. 

 لذلك فإنّ المرحلة القادمة ستكون حساسة ومهمة، هذا يعني بالضرورة ان تكون أسس وقواعد اتخاذ القرار حول ادارة إيرادات الدولة وإصدار القوانين المتعلقة بها متفقا عليها مجتمعيا لكي يتجنب المجتمع صراعات تهدد استقراه وأمنه. من قواعد وأسس التعامل ان لا تتغول الأغلبية أو أي طرف على الآخر أو يمارس الإقصاء والتهميش. 

 أي ان المرحلة القادمة تتطلب مجتمعا مختلفا، يتكون من جماعات على معرفة بمصالحها وتملك حرية الدفاع عنها. ضمان ذلك لا يكون الا من خلال معالجة الاوضاع في المجتمع وإيجاد حل سياسي يقوم على نظام ديمقراطي متطور يتعامل مع المال العام والسلطة على انهما ملك للمجتمع، وان المجتمع وحده من يقرر كيف يدفعها وكيف يوزعها وكيف يحاسب على انفاقها، ويتم كل ذلك بشكل سلمي دستوري. والى ان يحدث ذلك، نناشد الدولة بالنظر إلى تنويع مصادر الدخل على المدى القصير من خلال ضرائب تؤخذ من الأغنياء بدلا من الفقراء.

 بالنسبة إلينا في البحرين يمكن اعتبار ضرائب الأملاك من أكثر الضرائب عدالة في ضوء ما حدث في العقود الماضية من توزيع الأراضي وأملاك الدولة على كثيرين. لكن فرض مثل هذا النوع من الضرائب يتطلب مجلسا نيابيا قادرا على سن قانون عادل ومتوازن ولدية الإرادة لمواجهة كبار ملاك الأراضي وضمان المساواة في عدم استثناء أحد من هذه الضريبة، وقضاء وادعاء عام قادرين عل تعقب وإدانة الرافضين والمراوغين. هذه فرصة امام المجلس النيابي ليكون في جانب الفئات الضعيفة في المجتمع ويساهم في تمويل التنمية والإنتاج وليس فقط الاستهلاك، وأن يضع قانونا ضريبيا على أملاك الدولة التي تم استملاكها وعلى الإيجارات غير السكنية يدفعها المؤجر ليكون المُستهدَف من هذه الضرائب هو الطبقة التي استفادت من الطفرة النفطية والعقارية الناتجة عنها دون الاضرار بالطبقة الكادحة. أما قوانين الضرائب الأخرى فإنها تتطلب مشاركة سياسية فاعلة ومجتمعا منظما وفق مصالح وليس وفق تقسيمات اجتماعية.

 mkuwaiti@batelco.com.bh 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *