نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

هيئة التأمينات.. لماذا يتكرر حديث العجز الاكتواري؟ (2)

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢٩ يوليو ٢٠٢٠ – 02:00

تحدثنا في الأسبوع الماضي «أخبار الخليج 22 يوليو 2020» عما اتخذته هيئة التأمينات من إجراءات لمعالجة «العجز الاكتواري». وطرحنا ان هناك ثلاث قضايا هي محور التساؤل واختلاف وجهات النظر بين كثير من فعاليات المجتمع وبين الهيئة. القضية الاولى تتعلق بالاعتماد في توصيات الرأي المحاسبي وعدم موازنته باعتبارات اجتماعية واقتصادية. القضية الثانية تعلقت بكيفية ادارة الصندوق والقرارات الاستثمارية، والقضية الثالثة تعلقت بمعايير الكفاءة في التعيين. في هذا المقال سوف نناقش آلية طرح التوصيات والمعلومات التي توافرت لدى الناس على التساؤلات وادخال العمالة الوافدة في التقاعد.

بالنسبة إلى آلية تناول مثل هذه القضية الحساسة نورد قصة صغيرة حدثت في فرنسا لندلل على كيفية تعاملها مع قضية حساسة مجتمعيا بغض النظر عن موضوع القضية. تبدأ القضية بطرد فتاتين مسلمتين من مدرسة في المرحلة الابتدائية بسبب الحجاب. أمر الوزير على أثرها بإعداد تقرير حول مسألة حجاب القاصرات. وتم تكليف لجنة من الباحثين في العلوم الاجتماعية، تسلم الوزير التقرير بعد انقضاء المدة، فعقد مؤتمرا صحفيا شارك فيه الوزير مع أعضاء اللجنة، وأتيح التقرير لكل من يريد، وخرج المؤتمر بتوصيات، إذ أصبح هذا التقرير وتوصياته محور نقاش مجتمعي في الوسائط الإعلامية مدة تجاوزت الشهر. بعدها عقد الوزير مؤتمرا صحفيا آخر، كذلك برفقة أعضاء اللجنة الاستشارية واعلن توصيته ورفعها الى البرلمان الفرنسي. المهم في هذه العملية هو أن التقرير كان مركزيا في اتخاذ القرار من حيث انه مثل أرضية للحوار وأسهم النقاش في تدعيم ثقة المجتمع بالقرار. 

من ذلك نقول، إنه كان الأفضل لو أن الهيئة اعدت تقريرا يشرح موقفها بلغة ميسرة تفسر كيف تراكمت هذه العجوزات الاكتوارية منذ بدايتها واسبابها وملابساتها. ولماذا تتركز 22% من استثماراتها على ودائع في البنوك (اكثر من 850 مليون من مبلغ 3800 مليون) بأرباح محدودة. ولماذا العائد الكلي في 2018 كان 91 مليونا او 2.5%، بينما الارباح في 2017 بلغت 224 مليون دينار. كان يمكن أن يتيح هذا التقرير عقد مؤتمرات صحفية وحلقات نقاش وتوضيح لأسباب هذه الارقام، وقد تكون لديها اسباب وجيهة. حينها يتفهم المجتمع مصدر المشكلة ويقدر موقف الهيئة، ويشارك في وضع الحلول التي بالضرورة لن تكون محاسبية فقط وانما تنظر في تأثيرات القرار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. 

اما ان تطرح عجزا اكتواريا يفوق الناتج المحلي الاجمالي للبحرين (14 مليار دينار) وتتوقع أن يفهم الناس من أين أتى هذا العجز وكيف تراكم. في حين ان الفرق بين ما تتسلمه الهيئة من اشتراكات سنوية (570 مليون دينار) وبين ما تقدمه من رواتب تقاعدية (573 مليون دينار) لا يتجاوز 3.5 ملايين دينار وفق التقرير 2018. في 2017 كان (77 مليون دينار) لماذا هذا التفاوت؟ طرح أرقام بهذا الشكل بدون بيان مصدرها واسبابها تدعو الى تساؤلات كان يمكن تفاديها. 

وبالرغم من القصور في توضيح ملابسات العجز الاكتواري واسبابه، فان المجتمع لم يرفض جميع التوصيات بل ركز على إلغاء الزيادة السنوية (3%) وعلى احتساب الراتب التقاعدي على أساس آخر خمس سنوات وليس سنتين كما هو الحالي. هاتان التوصيتان تؤثران اكثر من غيرهما على مستوى معيشة المواطن في حين أن هناك رواتب تقاعدية في القطاع العام تصل إلى تسعة آلاف دينار، وعشرين ألف دينار في السابق، وهي تستنزف ما يساوي 18% من الرواتب التقاعدية. مثل هذه القضايا كانت ستثار في الحوار ويوضع لها حلول وحد أعلى كما في تقاعد القطاع العام. 

قضية زيادة الاشتركات كذلك كان يمكن ان يتقبل المجتمع رفع الاشتراكات لو كانت صادرة عن دراسة توضح اسبابها، وكيف ان الصندوق قلل نسبة الاشتراكات في 1986 وان المقترح هو انما تصحيح لخطأ حدث في السابق، الاقرار بوجود خطأ اتخذ لصالح التجار كان سيقود الى حلول من خارج الصندوق قد تتحمل الحكومة جزءا من الحل. أما اختصار العملية وتقديمها بهذه الصورة فهو ما أثار المجتمع وحرمه من فرصة المشاركة في معالجة مثل هذه القضايا.

القضية الثالثة التي تثير التساولات هي الاستثمارات والالتزامات الاكتوارية غير الممولة. يقول تقرير الهيئة (2018) بانه بعد تسلم تقرير الخبير الاكتواري، مبينا أن العجز بلغ 14 مليارا اتخذت الهيئة إجراءات منها العمل على تنمية وتنويع الاستثمارات لتحقق عائدا مجزيا لدعم مصادر التمويل. هذا الكلام في تقرير 2018، بينما العجز الاكتواري يتكرر الحديث عنه منذ 2003، هل من المناسب ان تأخذ الهيئة مثل هذا القرار الان فقط؟ لماذا لم يحدث ذلك بعد التقارير السابقة؟ الإجراء الآخر الذي اتخذته الهيئة هو زيادة الاشتراكات لتتناسب مع مزايا المعاشات التقاعدية المدفوعة. هنا ايضا كانت الفرصة متاحة في التقرير الاكتواري الاسبق ولم تعدل النسب حينها؟ 

القضية الرابعة هي إضافة العمالة الاجنبية للصندوق، هذه قضية قد تثير مسألة أخلاقية كما ذكر البعض. هذه الاضافة في النهاية سوف يدفعها صاحب العمل. وتحميل صاحب العمل تكاليف إضافية سوف يُحدث ضررا ويغلق الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة. لذلك قد يكون البديل هو طرحها كنوع من الضريبة تدفعها الشركات من أرباحها وليس مدفوعات ثابتة يتضرر منها الجميع. لذلك من الاولى أن تفرض ضرائب على العائد الاستثماري وعلى ارباح الشركات وعلى الاصول الثابتة بالنسبة الى ملاك العقارات والاراضي وتخصص نسبة منها للصندوق. مثل هذه الضريبة ليست فقط تعالج مشكلة مالية ولكنها كذلك تعدل فرص البحرينيين في التوظيف، وتعالج قضية عدم المساواة. والضرائب مطبقة في جميع دول العالم وتعتبر جزءا من إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *