نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ورقة مجلس الشورى ومستوى المعيشة (2-3

بقلم: د محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ١٤ ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع- تطرق مجلس الشورى في ورقته الى تحسين مستوى المعيشة منطلقا من اسس الميثاق وهي العدالة والتنافسية، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، والحفاظ على الأموال العامة والثروات الطبيعية وصيانتها باعتبارها ملكًا للجميع. وطرح اهمية عدم رفع الضرائب والرسوم لكنه لم يتطرق الى نوعية الضرائب التي ينبغي ان تفرض. لكن اهم ما جاء في الورقة هو الحرص على البيئة السياسية والاجتماعية وضرورة تهيئتها لخلق مناخ الاستثمار.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1178831

طرحنا في المقال السابق ملخصا لأوراق المشاركين في المنتدى الاقتصادي الذي نظمه مجلس النواب والشورى بمشاركة الحكومة وغرفة التجارة. في هذا المقال سوف نناقش ما جاء في ورقة مجلس الشورى. 

كانت الورقة اكثر شمولية وتحليلا للوضع وقدمت مقترحات للمعالجة تحتاج إلى عرض ونقاش. ترى الورقة ان هذا المنتدى يسعى إلى تأكيد دور السلطة التشريعية في تحفيز ودعم الاقتصاد الوطني بالتعاون مع الحكومة. هذا الفهم يطرح السؤال كيف كان تأثير المجلس ومساهمته المباشرة في التنمية، وما هي التحديات التي يراها؟ وما هي التشريعات التي قدمها المجلس للتعامل مع التحديات وما هي نظرته لمستقبل التنمية وكيف نستثمر امتيازاتنا التنافسية في خلق تنمية حقيقية وتحسين مستوى معيشة المواطن؟

ترتكز مساهمة المجلس على الأسس الاقتصادية التي نص عليها الميثاق وتتلخص في خمسة عناوين هي العدالة والتنافسية، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، والحفاظ على الأموال العامة والثروات الطبيعية وصيانتها باعتبارها ملكًا للجميع. الغاية من النشاط الاقتصادي، حسب الورقة، هو رفع مستوى معيشة المواطن وتعتبره هدفا استراتيجيا وغاية التنمية. وتشرح الورق غايتها هذه في ان حجم الانفاق الكلي (ومنه الانفاق الفردي) هو المحرك للاقتصاد وبالتالي فإن حجم الانفاق هو السبب في رفع مستوى الدخل. في نفس الوقت تعتبر الورقة ان السيطرة على التضخم هدفا اساسيا كونه يؤثر سلبا في القدرة الشرائية للمواطن وتدني مستوى المعيشة خصوصا لمحدودي الدخل الذين يتأثرون بشكل اكبر من حالة التضخم. هذا الربط بين التضخم وبين فرض الضرائب كأنه يجادل بعدم فرض ضرائب، وان دور السلطة التشريعية يكمن في ان لا يؤدي فرض الضرائب والرسوم إلى التضخم. 

هذا يطرح سؤالين الأول ماذا يعني المجلس بالتوازن بين الرسوم والضرائب؟ يُفهم من سياق الحديث ان المقصود هو عدم رفع نسبة الضرائب وعدم التمادي في فرض الرسوم، لكي لا تؤثر على كلفة المعيشة التي يتضرر منها المواطن. كان بودنا لو ان المقصود بالتوازن هو موازنة قدرة المواطن على دفع الضرائب. فالضرائب ينبغي ان تأخذ في الاعتبار تفاوت الثراء والدخل بين المواطنين، وبالتالي فإن نظام الضرائب ينبغي ان يعكس هذا التفاوت. وبما ان المنتدى يهدف إلى معالجة تحديات مستقبلية فإن فرض ضرائب تصاعدية على المقتدرين لا ينبغي ان يُستبعد، وان يكون ذلك ضمن خطط المجلس لتحقيق التوازن في المجتمع القائم على العدالة والمساواة في الدفع. 

السؤال الثاني يتعلق بالتضخم. هل هناك اتفاق بين المختصين على ان الضرائب ترفع معدلات التضخم؟ بطبيعة الحال الضرائب في نهاية الامر قد ترفع كلفة السلع ولكن هل هذا تضخم؟ كما هو معلوم فإن دول العالم المتحضرة تفرض ضرائب على المواطنين بنسب متفاوتة تصاعديا، ولم نسمع ان هذه الدول شهدت موجات من التضخم نتيجة ذلك. التضخم مضر للاقتصاد ويضر الفقير قبل الغني ولكن معالجته ليست من خلال الضرائب بل هي سياسة نقدية يتعامل معها البنك المركزي في تحديد حجم السيولة في البلد من خلال آليات نقدية تتعلق بسعر الفائدة والتعامل مع شراء وبيع مستندات مالية. لكننا قد نفهم ان الغاية من ربط التضخم في هذه الحالة مع الضرائب والرسوم في هذا الوقت هو التنبيه إلى ان رفعها يرفع كلفة المعيشة وبالتالي يضعف القدرة الشرائية للطبقة التي نريد مساعدتها. وهنا نتفق مع المجلس في ان هذا خطر اجتماعي يحتاج إلى معالجة، ويحسب لمجلس النواب إثارته. 

النقطة الثانية التي اوردتها الورقة هي تشجيع الاستثمار بهدف خلق فرص عمل وذلك من خلال خلق بيئة عمل جاذبة. لكن حصرت هذه البيئة في تقليص الإجراءات الادارية وتسريعها. تشجيع الاستثمار يحتاج إلى مناخ منفتح من الشفافية وتوفر المعلومات لم تتطرق له الورقة. هذا من جانب ومن جانب آخر نرى انه ينبغي ان نكون اكثر انتقائية في جذب الاستثمار الذي يؤدي إلى نقل التكنولوجيا. اما جذب رؤوس اموال فقط، فهذا لا يسهم في التقدم الذي نريد. البحرين لا تنقصها رؤوس اموال، فكثير من اموال اثرياء البلد في الخارج، ومن الأجدر ان تستثمر داخليا، فما هي الخطة لإبقاء هذه الاستثمارات في البلد؟

النقطة الثالثة هي تجويد التشريعات المالية والاقتصادية لتنظيم العملية الإنتاجية وحماية المستهلك. لم تفصح الورقة عن ما هي القوانين التي سنها المجلس لهذه الغاية، واي نوع من التشريعات المالية والاقتصادية التي يمكنها تحقيق ذلك في المستقبل؟ 

النقطة الرابعة والمهمة هي الجانب السياسي في عملية التنمية الاقتصادية. فقد ركزت الورقة على اهمية الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والسلم الاهلي، وتحاشي احداث تذمر وسخط بين المواطنين جراء تعسف في تنفيذ القانون أو سن انظمة وتشريعات تمس كرامة وحرية المواطن. كان بودنا لو ان مجلس النواب تصدى لذلك في ورقته، كونه الممثل المباشر للمواطن والمجتمع، لكنه آثر الصمت ولم يتطرق إلى تأثير ما يحدث للوطن والمجتمع. ادرك مجلس الشورى اهمية الاستقرار السياسي في معالجة المشكلات الاقتصادية كما ان هذا الاستقرار كفيل بتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية. غير ان هذا الادراك غير كافٍ ما لم يجرِ تحليل عميق للوضع السياسي والتوصل إلى كل ما يؤدي إلى خلق البيئة السياسية الصحية الامنة التي تشجع الحوار والنقاش وطرح مختلف الآراء والتوجهات ومناقشتها حتى وان لم يتم التوصل إلى قرارات في الوقت الحاضر لكنها تمهد الطريق نحو معالجات تدريجية ومستقبلية في توافق مجتمعي. 

من هذا المنطلق نقول ان مجلس الشورى اظهر اهتماما كبيرا في ورقته بمستوى معيشة المواطن وضرورة مراعاتها في السياسات الاقتصادية، المالية منها والنقدية. كما بين الخطر الاجتماعي من تجاهل ضرورة خلق التوازن في دفع الضرائب ومساهمة الاغنياء والاثرياء والمقتدرين في هذا الوقت الذي تشهد فيه البلد ضائقة مالية، وان لا يكون عبء سياسة التوازن المالي ملقاة على الفقراء والطبقة محدودة الدخل. ان مراعاة الناس لا تقتصر على السيطرة على ارتفاع الاسعار، ولكن ينبغي ان تشمل العدالة في فرض الضرائب والرسوم ومراعاة قدرة السوق على تحملها. وهذا لا يتحقق الا بمعالجة شاملة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تهيئ المجتمع وتخلق الارضية السياسية المناسبة لتقبل فرض ضرائب دخل وثروة تصاعدية تحقق العدالة في تحمل الطبقة الغنية والثرية مسؤوليتها تجاه الوطن وتجاه الطبقة محدودة الدخل. 

تشمل الورقة عددا من التوصيات الهامة سوف نتطرق لها في المقال المخصص لمناقشة توصيات المنتدى بشكل عام والله الموفق.

mkuwaiti@batelco.com.bh  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *