نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

ورقة مجلس النواب ومستوى المعيشة (3-3

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الأربعاء ٢١ ٢٠١٩ – 01:00

مقال الاسبوع – يعتبر مجلس النواب التحديات التي تواجه البحرين في المرحلة المقبلة هي رفع مستوى المعيشة ونبذ الفكر الريعي. نتفق بان رفع مستوى المعيشة هدف اقتصادي وغاية مجتمعية غي ان المجلس حصرها في الجانب المادي ولم يتطرق الى الجانب الحقوقي والسياسي وحرية الرأي والتعبير التي بها تؤخذ الحقوق. وبدون تعريف شامل لمستوى المعيشة فان التعامل معه سيكون عشوائيا. وبدون تعريف لمستوى خط الفقر سنظل نتجادل دون مرجعية..

http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1179724

في مقالين سابقين تطرقنا إلى المنتدى الاقتصادي الذي أقامه مجلس النواب بالاشتراك مع مجلس الشورى والحكومة وغرفة تجارة وصناعة البحرين. اختص المقال الأول بوصف عام للأوراق المقدمة، وناقشنا في المقال الثاني ورقة مجلس الشورى والآن نناقش ورقة مجلس النواب.

قدمت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية ورقة مجلس النواب. تدور الورقة حول دور السلطة التشريعية في تحقيق توازن ببنود الميزانية ومدى توافقها مع متطلبات «المواطنة»، ودور المشرّع في تعزيز الإيرادات العامة، وأثر ضريبة القيمة المضافة في تعزيز الإيرادات العامة. ويرى المجلس أن ذلك يتوافق مع متطلبات المواطنة. لم تتضح ما هي علاقة المواطنة بتوازن بنود الميزانية؟ ولا المتطلبات المالية للمواطنة؟ ولكن قد يكون المقصود هو عدم تأثر المواطن بخطوات «الترشيد في الإنفاق على الخدمات». وفي هذه الحالة ينحصر دور المجلس إما في زيادة الضرائب والرسوم وإما في حسن إدارة الموارد الموجودة وإحكام الرقابة على الهدر وترشيد الإنفاق والإفصاح عن موارد الدولة. 

ركزت ورقة مجلس النواب على: أولا شرح دور المجلس في مناقشة الميزانية والمساهمة في تحقيق التوازن بين الإنفاق والإيرادات. وأكدت دوره في تنفيذ برنامج عمل الحكومة وتخصيص الموارد لمشروعاته مع المحافظة على المكتسبات الوطنية. كما تشرح دوره في إيرادات الحكومة لضمان عدم إثقال المواطن بالضرائب والرسوم. فهل نجح في ذلك؟ الفترة القادمة سوف تبرز مدى نجاح أو إخفاق المجلس في هذا الهدف.

ثانيا: قدم المجلس سردا لدوره الرقابي في تنفيذ الميزانية ودوره التشريعي في اقتراح القوانين الداعمة للميزانية والاقتصاد الوطني. خلت الورقة من أي تحليل اقتصادي يتطرق إلى أسباب الإخفاق في تنويع الاقتصاد وتوسيع القاعدة الإنتاجية. الحديث عن ذلك بدأ قبل ثلاثة عقود ولم يتحقق بالشكل الذي يوفر للدولة ايرادات مستقلة عن النفط. مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج الإجمالي مازالت محدودة؛ فضلا عن أنها تشمل منتجات تعتمد على مشتقات النفط. 

ثالثا: يركز المجلس في ورقته على ثلاث قضايا هي: أولا مستوى المعيشة الذي تحصره الورقة في المحافظة على مكتسبات المواطنين المادية. المحافظة على المكتسبات لا يكفي، إذ إن المستوى الحالي لا يتناسب مع دخل البحرين. فهناك عائلات تعيش على أقل من 500 دينار بحريني. وهذا الدخل يدفع منه المواطن إيجار بيت وفواتير كهرباء ومواصلات واتصالات. وعائلات أخرى قد لا يتجاوز دخلها مائتي دينار شهريا، الأمر الآخر هو الحاجة إلى تعريف واضح لمستوى خط الفقر. ولهذا ينبغي وضع حد أدنى للدخل يتناسب مع وضع البحرين المادي. 

بالإضافة إلى ذلك فإن مستوى المعيشة لم يعد يقاس بمؤشرات مادية بحتة بالرغم من أهميتها، لكنه يتعداها إلى جودة الحياة وحرية الرأي والتعبير والمشاركة العامة. وهناك ملاحظات للمجتمع على أداء ودور مجلس النواب في التأثير، وهذا يتطلب تغييرا في توجه المجلس لتقوية دوره وتعديل بعض القيود المفروضة في اللائحة الداخلية، لكي يتمكن المجلس من التعامل مع متطلبات المجتمع. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الجانب السياسي الاقتصادي له أهمية كبيرة تتجاوز مجرد المحافظة على المكتسبات. نحن الآن وصلنا إلى حالة من الوضع الاقتصادي التي ينبغي على المجلس أن يحدد أسبابها الجذرية وكيفية تفادي استمرارها وتكرارها.

رابعا: ذكرت الورقة مشكلة الاعتماد على إيرادات النفط وعدم استقرار الميزانية العامة نتيجة لذلك. ويرى أن غياب الرؤى الاقتصادية والاعتماد على التعاطي المحاسبي مع الوضع الاقتصادي لن يعالج المشكلة الناتجة من تجذر النهج الريعي لدى المخططين والإدارة والقيادات التجارية وفي المجتمع ككل. النظرة المحاسبية هذه تجعل الدولة تسعى إلى تقليل الإنفاق لتحقيق توازن والتوسع في فرض الرسوم، أي سياسة مالية انكماشية. بينما يعتقد المجلس أن تتجه الدولة نحو سياسة مالية توسعية في هذا الوقت لتنشيط الاقتصاد، حبذا لو قدمت الورقة أمثلة على ذلك، وكيف تكون السياسة التوسعية في هذا الوقت وفي أي أوجه يكون الاستثمار؟!

لا بد أن نذكر هنا أن المجلس يرى أن الوقت قد حان للتحول نحو الفكر الإنتاجي القائم على الإبداع والإنتاج وتحقيق تنوع الإيرادات في الميزانية العامة بما يؤدي إلى استقرار مالي واقتصاد مستدام. لكن الورقة لم تقدم أمثلة لنوعية التحول الاقتصادي المستهدف، ولم تقدم مقترحات حول كيفية إحداث هذا التحول، وما هو دور السلطة التنفيذية ودور المجلس في إحداث هذا التحول، وهل يمكن لمثل هذا الاقتصاد أن يتحقق مع مستوى التعليم الراهن؟ 

خامسا: حذر المجلس من بطء وعدم تنفيذ المشاريع المقررة في الميزانية وأنه سوف يؤدي إلى انعكاسات سلبية على النمو الاقتصادي والوضع الاجتماعي. لم تُفَصِّل الورقة في تأثير هذا التأخير على النمو الاقتصادي وما هي القطاعات الأكثر تأثرا وكيف يحدث التأثير. مثل هذا التأخير لا بد أن يكون له تداعيات على الوضع الاجتماعي لم تبينها الورقة. التفصيل في هذه القضايا له فوائد كبيرة في توجيه الحلول نحو الجوانب المؤثرة، وكذلك يمنحنا القدرة على تقييم تأثير السياسات والإصلاحات على الوضع. من دون هذا التوضيح تبقى الأمور عائمة وغير محددة النتائج، ومن ثم صعبة التقييم.

نستخلص من ذلك أولا أن المجلس يرى أن دوره في تحسين مستوى المعيشة ينحصر في الإبقاء على بنود الحماية الاجتماعية في الميزانية العامة وعدم المساس بها وزيادتها. وهذا هدف سليم ومطلوب لكن هل التطبيق الحالي يغطي جميع الشرائح الدنيا في المجتمع؟ وما هو تعريف هذه الشرائح والفئات؟ وكم عددهم ونسبتهم من الفئات المجتمعية (الشباب والشابات والعائلات والمتقاعدين والعاطلين والأرامل والمطلقات). 

ثانيا الدور الرقابي مهم جدا في الحد من الهدر والفساد لكنه لا يؤدي إلى تنمية وتحول نحو اقتصاد منتج قادر على خلق فرص عمل؟ فهو دور قصير الأمد يتعامل مع ظروف الميزانية الحالية. التنمية تحتاج إلى رؤية اقتصادية متكاملة تضع أهدافا تنموية وخططا لتحقيقها؟ صحيح أن ذلك ليس من عمل المجلس المباشر لكن من مهامه مطالبة السلطات بوضع مثل هذه الخطط؟ وأخيرا لم تضع الورقة تعريفا واضحا للتحديات التي تواجه السلطات في التحول نحو الدولة المنتجة. ولم تقدم تصورات لهذا التحول. والأهم لم تحدد المسؤولية في وضع مثل هذه الرؤية موضع التنفيذ وما يترتب عليها من إصلاحات أهمها إصلاح التعليم إذا كان للتحول أن ينجح.

mkuwaiti@batelco.com.bh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *