نشر المحبة والتسامح وقبول الاختلاف

بقلم د. محمد عيسى الكويتي
تاريخ النشر الاربعاء 22-5-2021

مقال الاسبوع – الخطة الوطنية للابتكار هي منظومة مترابطة يساهم فيها عدة جهات واهمها عملية التعليم التي تربي القدرة على الابتكار والبحث العلمي والحرية الفكرية – هذا يعني الحاجة لتتظافر مؤسسات عدة يتم التنسيق بينها. فهل وزارة التجارة هي الجهة القادرة على مثل هذا التنسيق والفرض ام انها مهمة على مستوى الحكومة؟

اعلن سعادة وزير التجارة والصناعة والسياحة عن اعداد “الخطة الوطنية لدعم الابتكار” وسيتم الاعلان عنها قريبا. هذه بادرة طيبة من الوزارة نظرا لما تمثله قضية الابتكار من اهمية في التنمية. تتم عملية تطوير الابتكار اما ضمن الشركات الكبيرة القائمة لتطوير منتجاتها وخلق منتجات جديدة، او ضمن شركات ناشئة بمنتجات مبتكرة، (او في المجتمع ككل على المستوى الفكري). في الحالتين يحتاج الامر الى تطوير منظومة ريادة الاعمال وقدرة الشباب على اقتحام ميدان العمل الحر بوعي وادراك لمتطلباته ومخاطره لبدء شركات ناشئة بشكل متوازي مع بناء منظومة الابتكار. اي ان هناك علاقة بين الابتكار والريادة والتنمية، والخطة الوطنية لدعم الابتكار هي احد الركائز المطلوب توافرها لبناء البيئة المناسبة لريادة الاعمال. وقد بذلت البحرين جهد في خلق بيئة ريادة الاعمال ولا نعلم لماذا تاخرت الخطة الوطنية للابتكار بالرغم من تاريخ مجلس التنمية الاقتصادي في دعم التنمية.

بدأ مفهوم منظومة الابتكار الوطنية بالظهور في 1987 وتم تعريفها على انها نشاط شبكة من المؤسسات والعناصر في القطاع العام والخاص تتفاعل فيما بينها لتعطي نتيجة محددة في بدء وتوريد وتعديل ونشر تكنولوجيا جديدة”. اي انها تتكون من عدد من الفاعلين مثل اشخاص وشركات وجامعات ومراكز ابحاث وبنوك وهيئات عامة ومؤسسات (بما فيها من قوانين وانظمة وتقاليد وعادات مجتمعية بالاضافة الى الهيئات والمنظمات). ولاهمية التفاعل فيما بينها فلا يمكن فصل او اجتزاء عنصر من المنظومة او اضعافه دون تاثير على مجمل فعالية وعمل المنظومة وقدرتها على تحقيق النتائج بالمستوى المطلوب.

من اهم وظائف منظومة الابتكار هي انتاج ونشر واستخدام التكنولوجيا في خلق قيمة اقتصادية جدديدة، وعادة ما تكون على حساب منتج قائم او فكرة قائمة وهذا ما سمي في ادبيات التنمية بظاهرة “الهدم الخلاق” (Creative destruction). الابتكار اذا يتطلب بناء قدرات وطنية تنتج معارف وتوصلها الى مجتمع الاعمال والمجتمع ككل وتضع الاليات والمؤسسات لتحويل هذه المعارف الى منتجات او عمليات او نظم ترفع مستوى الانتاجية والتنافسية وبالتالي مستوى المعيشة في الدولة. والابتكار من هذا المنطلق يحدث في قطاعات الاقتصاد الاربعة وفق تعريف الامم المتحدة وهي الشركات (الخاصة والعامة)، الحكومة، المؤسسات غير الربحية، والقطاع المنزلي. وعملية بناء القدرات هذه تبدأ بعملية القدرة على استيعاب المعرفة اما من الشركات الاجنبية او من التزاوج بين البحث والتطوير والانتاج، وهذا يعتمد على القدرة على التعلم على مستوى الشركة وعلى مستوى المجتمع بمؤسساته المختلفة.

 تكمن كفاءة المنظومة في قدرات الفاعلين للقيام بهذه الوظيفة وينظر اليها من خلال ست منظومات فرعية تتمثل في سياسة العلم والتكنولوجيا، استراتييجة الابتكار، خدمات الدعم البشري، خدمات الدعم الفني، تجهيز الموارد المالية، والتعاون الدولي. اذا لا بد ان تكون منظومة الابتكار شمولية تاخذ في الاعتبار جميع جوانب بيئة الاعمال والسياسات الحاكمة لها والجهات الفاعلة في عملية الابتكار مثل الشركات والجامعات ومراكز الابحاث والمنظمات المالية وصانعي السياسات والتشريعات. بالاضافة الى المجتمع وتقاليده وعاداته ومسلماته وكيفية تفكيره الجمعي وتعامله مع حرية التفكير الفردي.

من اهم هذه السياسات هي سياسة خلق ونقل ونشر المعرفة والتكنولوجيا. وهذا يتطلب بناء قدرات لانتاج المعرفة وقدرات فردية ومؤسسية لاستيعابها من الخارج. بالاضافة الى ذلك يتطلب الامر سياسة صناعية تحدد القطاعات التي سيعتمد عليها الاقتصاد وكيف ستدعمها الدولة وترعاها لتخرج من الحضانة مستعدة للمنافسة، وقد حدد مجلس التنمية هذه القطاعات، ويعمل حاليا على تنمية قدراتها التصديرية. ووفق تجارب كثيرة في دول شرق اسيا فان السياسة الصناعية لحماية الصناعات الناشئة والوليدة امر في غاية الاهمية لبناء القدرات التكنولوجية والتعلم من التجارب. لكن الاهم هو تحفيز هذه الصناعات على المنافسة داخليا ودعمها لبناء القدرات التنافسية في الخارج من خلال تحفيزها بالدعم المادي على التصدير للخارج وتوقيف الدعم في حالة فشلها في التصدير، كون التصدير هو مؤشر الاداء الاهم في بناء الامكانات التكنولوجية القادرة على المنافسة، كما فعلت دول شرق اسيا. بالنسبة لنا في دول الخليج هذا يعني كخطوة اولى تنمية التجارة البينية والاستفادة من المشاريع الكبيرة التي تنوي الامارات والسعودية بنائها في المنطقة، اذا اعتمدت هي سياسة تشجيع وتنمية القدرة على التصدير للاسواق العالمية بالاضافة الى تنمية العلاقات العربية في الجوار وباقي الدول العربية.

مما تقدم نرى ان الحاجة الى هذا المستوى من التنسيق بين الاطراف والعلاقات الخارجية قد يستوجب دور اكبر على مستوى الحكومة لاحداث التفاعل بين اللاعبين الاساسيين في عملية الابتكار يتجاوز وزارة التجارة والصناعة والسياحة. فبالاضافة الى خلق بيئة العمل المناسبة فهناك سياسة التعليم العام تحتاج الى اعادة صياغة لتناسب هذه المتطلبات، وسياسة البحث العلمي والتعليم العالي بعد فصلها عن وزارة التعليم لضمان تحقيق المهارات المطلوبة لمثل هذا التوجه. كذلك يتطلب الامر اعادة النظر في السياسة الصناعية والحاجة لحماية الصناعات الوليدة ودفع الشركات الكبيرة لخوض غمار التصدير بدعم من الحكومة مرتبط بالتصدير.

واخيرا وليس اخر استغلال التنمية الخليجية في السعودية والامارات على وجه الخصوص في تطوير صناعات محلية ضمن جهد خليجي تكاملي. لذلك فان وزارة الصناعة قد لا تكون اللاعب الاساسي وانما هي احد الاطراف، وتكون مسئولية التنسيق الكلي لنجاح منظومة الابتكار على مستوى الحكومة ككل ممثلة في مجلس التنمية الاقتصادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *